مسيحيو العراق يشكرون جيرانهم المسلمين الذين هرعوا لنجدتهم بعد تفجير 5 كنائس في بغداد

TT

داخل الكنيسة التي تبدو عليها آثار التحطيم وتنبعث منها رائحة الحريق وتسمع أصوات تكسر الخشب المحترق تحت الأقدام، عمَد مسيحيون عراقيون الطفل سافيو مار جرجيس.

وكانت لحظة ولادة جديدة الأحد الماضي بالنسبة لحشد المصلين الذي شهدته كنيسة الروم الكاثوليك التي تعرضت إلى تفجير في اليوم السابق، وهي واحدة من بين خمس كنائس دمرت في هجمات قبل الفجر.

ولكن في يوم الأحد صب الماء من ابريق صغير في طاسة بلاستيكية كبيرة كبديل عن صحن يحمل ماء التعميد لطفل يبلغ عمره شهرا. وتحول التصفيق الهادئ الى فرح غامر ارتباطا بأهمية الحدث.

وقال نبيل جميل، راعي الكنيسة ووالد سافيو الذي ساعد زوجته وثلاثة أطفال آخرين على الهروب من النيران: «أنا سعيد جدا اليوم»، مضيفا ان «هذه النيران وهذا التفجير هو الموت. ولكن هذا التعميد هو حياة جديدة لهذه الكنيسة وللمسيحيين والمسلمين وكل الناس في العراق».

وطلب القس فان فوسر المخلصي، من حشد يقرب من 40 من الحاضرين في الكنيسة، كانت عيون بعضهم قد اغرورقت بالدموع، أن لا يهزهم حادث العنف الأخير الذي استهدف الأقلية المسيحية الصغيرة والمتقلصة في العراق. وقال: «يجب علينا أن نكون أقوياء في أرواحنا ونعمل معا، موحدين. شكرا لجيراننا المسلمين الذين مدوا لنا يد المساعدة. وليحم الله بلدنا ويدخل السلام الى قلوبنا».

وتلك رسالة قاسية اليوم في العراق حيث يجري استهداف الجماعة الدينية والإثنية التي تشكل الموزاييك المنوع للعراق بعمليات التفجير الانتحارية والاغتيال والاختطاف.

وفي بغداد تذكر الهجمات على الكنائس المسيحيين الذين يشكلون نسبة ثلاثة في المائة من السكان، وهم من قدامى العراقيين، بتزايد احتمالات تعرضهم الى هجمات.

ويقول وسام أيوبي، المسيحي الآشوري، وهو يقف وسط ركام الكنيسة «انهم يريدون إثارة نزاع ديني بين المسيحيين والمسلمين ويستهدفون المسيحيين لإرغامهم على مغادرة العراق».

ويضيف هذا الأستاذ المتخرج في جامعة نيويورك أوائل الثمانينات «لا يمكن للمرء أن يشعر بالحرية. والأمر لا يعني المسيحيين فحسب، فالكثير من الأشخاص لا يحضرون الى صفوف الدراسة. لا أشعر بالأمان في الكنيسة. سابقا كنت معتادا على الذهاب الى الكنيسة كل يوم أحد، أما الآن فلا. لدي طفلان ولا أريد أن يلحقهما أذى».

وكان شيء مماثل قد حدث يوم الأول من أغسطس (آب) الماضي عندما جرى تنفيذ اعتداءات استهدفت كنائس أثناء تأدية الناس شعائرهم الدينية مما أدى الى مصرع 11 شخصا. كما هوجم أصحاب محلات لبيع الخمور. وقال القس يوسف توماس مرقص، وهو أستاذ لاهوت، إن «الناس مرتعبون ونحن هدف سهل. أقارن جاليتنا بالحمام، فما أن تصفق بيدك حتى يطير كله».

ويقول مرقص إنه يدعو من يطلبون النصح الى البقاء في العراق طالما أن الجماعة تضم حسب تقديراته 20 في المائة من أطباء العراق، ونسبة أعلى من المهنيين الآخرين مثل المهندسين وأساتذة الجامعات.

ويقول «لا نريد لأناسنا أن يرحلوا. إن كل العراقيين اخوتي، سواء منهم القتلة أم الضحايا، واذا ما غادرت فإن ذلك لن يحل المشكلة. ماذا بشأن المسلمين؟ انهم ليسوا أعداءنا».

وأدانت هيئة العلماء المسلمين، وهي جماعة دينية سنية يعتقد أن لديها صلات معينة بالمتمردين، الهجمات على الكنائس. وقال عضو الهيئة الشيخ عبد الستار عبد الجبار إن «الإسلام لا يدعم الإرهاب الحاصل الآن». ومثل هذه الكلمات لا تفعل الكثير لتهدئة رواد الكنيسة، فالراعي جميل تلقى تحذيرات من القوات الأميركية من تهديد محتمل قبل أقل من 12 ساعة على وقوع التفجير. وذلك أقنع عديدين في المنطقة بأن الأميركيين كانوا مسؤولين.

وقالت امرأة مسيحية «لماذا لم يضعوا أحدا هنا من أجل حمايتنا؟ انهم يقومون بكل هذه الفوضى مستهدفين من وراء ذلك البقاء في العراق». وقد عادت الأسبوع الماضي بعد ثلاثة أشهر قضتها في هولندا. وقد غير العنف رأيها في البقاء. وتقول المرأة التي جرى تفجير مطعمها العام الماضي «عاش أجدادنا القدامى في العراق، ولم أجد بلدا أفضل. أنا خائفة من كل هذه الهجمات. هذا هو الدمار الشامل».

وتقول الجارة المسيحية ندوة جورج «اعتقد أن الأميركيين قاموا بهذه العملية. لا يمكنني ان أبقى عراقية أبدا».

وتقول أوديت عادل انه «في ظل النظام السابق كنا نتمتع بحماية حقا. أما اليوم وبوجود الولايات المتحدة فلا نتمتع بذلك. لقد اختطف ابن عمي قبل اسبوع واطلق سراحه بعد دفع فدية بلغت 35 ألف دولار».

وتضيف «لا نستطيع الخروج ونحن نرتدي الصليب بعد الآن. ومنذ ان جاءت الولايات المتحدة يعتقد المتمردون انهم يعاقبون أميركا بضرب المسيحيين، لأن الأميركيين مسيحيون». وتتساءل «اذا ما ارادوا قتلي او قتل ابني فما جدوى البقاء في بلدي؟».

* خدمة «كريستيان ساينس مونيتور» ـ خاص بـ«الشرق الأوسط»