القائد العام للشرطة في كبرى المدن بشمال كاليفورنيا يصوم رمضان

روب دافيز يتحدّث لـ«الشرق الأوسط» عن السبب ويقول: لم أجد طريقة أفضل لأفهم بها عقلية المسلمين

TT

منذ بدأ رمضان يوم الجمعة الماضي، والقائد العام لشرطة سان جوزيه، وهي كبرى المدن بشمال ولاية كاليفورنيا الأميركية، يستيقظ قبيل كل فجر ليتناول طعام السحور وحيدا في مطبخ البيت، ثم يتابع نهاره صائما بصرامة شاملة عن الطعام والشراب، حتى «يضرب المدفع» وتحين لحظة الإفطار، فيفطر كما الصائمون من المسلمين تماما، مع أنه أميركي غير مسلم ولا يعرف عن الدين الحنيف ولا كتابه الكريم إلا اسمه فقط. مع ذلك سيظل يتسحر ويصوم ويفطر كل يوم حتى ينتهي رمضان.. هكذا قال روب دافيز، حين اتصلت به «الشرق الأوسط» عبر الهاتف أمس لتسأله عما دفعه ليصوم الشهر الفضيل، فشرح أنه لم يجد طريقة ليفهم المسلمين ويتعرف إلى عقليتهم عمليا «أفضل من أقرأ عن ديانتهم وأتصرف مثلهم تماما طوال شهر كامل» على حد تعبيره.

والصيام ليس غريبا على روب دافيز، البالغ من العمر 47 سنة، لأنه مسيحي من طائفة المورمون التي يصوم أتباعها أول يوم أحد كل الشهر، وهم جماعة تقدس الحياة العائلية وعددهم في العالم 7 ملايين، أكثر من 80 بالمائة منهم في الولايات المتحدة، والباقي بأوروبا وأميركا اللاتينية، وهم يبيحون تعدد الزوجات بلا حدود، إلى درجة أن أحد زعمائهم تزوج 75 امرأة. كما يحرّمون شرب الخمر والشاي والقهوة وكل أنواع التدخين، بل يفرضون الزكاة على أتباعهم بواقع 10 في المائة من الإيراد. ومؤسس طائفتهم، هو الأميركي جوزف سميث، أو الرجل الذي زعم وهو بعمر 22 سنة في 1827 أنه «تسلم من السماء صحفا من ذهب خالص تضمنت أخبار الأولين» لكنه نهي عن ذكر ما فيها، ثم قام بتأسيس كنيسة على حسابه الخاص، ومن بعدها مر باشكالات وتعقيدات سجنوه من بعدها مع شقيق له، فاقتحم عليهما الزنزانة مجهولون، وقتلوهما بعد الضرب بوابل من الرصاص.

ويروي قائد الشرطة أن قراره بصيام رمضان ليست له أي أهداف سياسية، فهو لا يرغب بالوصول إلى أكثر من رتبة قائد شرطة، بل كان وعدا قطعه على نفسه «فمنذ عام، وتماما في اليوم الأخير من رمضان الماضي، كنت ألقي كلمة أمام أكثر من 7 آلاف شخص في سان جوزيه، ومعظمهم كان من العرب والمسمين، وكانوا صائمين، فبالغت بالعيار بعض الشيء وأطلت وأطلت، حتى همس أحدهم في أذني بأني أتحدث إلى تجمع يسمعني بمعدته، لا بأذنيه، ثم شرح لي بأنهم ينتظرون بفارغ الصبر لحظة الإفطار، فانتبهت بأنهم صائمون.. يومها كنت نائبا لقائد الشرطة، ولما تم تعييني برتبة قائد قبل 10 أشهر وعدت نفسي بأن أصوم عندما يصومون، لأشعر كما يشعرون تماما، بحيث أتعرف إليهم وأفهمهم، فعندنا الآلاف في سان جوزيه من العرب والمسلمين» كما قال.

وروى روب دافيز، المتزوج من مورمونية مثله، أنه يتناول الإفطار كل يوم في بيت عائلة مسلمة بسان جوزيه، المعتبرة ثالث مدينة بكاليفورنيا حيث يقيم فيها أكثر من مليون نسمة، ويعمل في الشرطة منهم أكثر من ألف و400 عنصر، بينهم المسلم الوحيد، ماثيو رؤوف، الذي يلقب نفسه باسم ابراهيم رؤوف، أو الشاب الذي همس بأذن دافيز ونبهه عندما أطال في كلمته العام الماضي.

ويقرأ روب دافيز الكثير عن الإسلام وهو صائم هذه الأيام، ويقول إن صيامه لا يؤثر أبدا على عمله كقائد للشرطة، مع أنه يعمل 72 ساعة في الأسبوع. وروى أنه يزور مسجدا تابعا لجمعية خيرية للمسلمين في المدينة التي لا تبعد سوى 17 كيلومترا عن ساحل سان فرانسيسكو الشهير، حيث يؤم الصلاة هناك الشيخ المصري طاهر أنور.

ذكر روب دافيز أيضا أن الصيام لا يضايقه أبدا «فأنا في العادة لا أتناول الطعام إلا على عجلة لكثرة مشاغلي، وطعامي هو سندويشات ومكسرات بسكوتية إجمالا مع كأس من الماء» وفق تعبيره.

* ماذا علمك الصيام حتى الآن ؟

ـ علمني أهمية الحياة العائلية والتركيز عليها، وأنها شيء مهم في الحياة.

* ألم تكن تولي عائلتك أهمية من قبل ؟

ـ كنت أوليها طبعا، لكني الآن أشعر بأنها كالتاج على رأسي..لا أدري كيف بدأت أشعر بذلك حقيقة.

واتصلت «الشرق الأوسط» بإمام مسجد «المركز الإسلامي في سان جوزيه» وهو الشيخ الهندي طاهر بن محمد أنور، 26 سنة، فعبر عبر الهاتف عن سعادته لاستمرار روب دافيز بالصيام بحماسة «وأنا أعرف الرجل منذ 4 سنوات تقريبا، وهو من خيرة أهل المدينة، ويتمتع بأخلاق عالية، ويا ليت الله سبحانه يفتح قلبه للإسلام» كما قال.

ولم يبد الشيخ محمد أي رأي قاطع فيما إذا كان صيام قائد الشرطة مقبولا في الشريعة أو عند الله سبحانه، باعتباره ليس مسلما، وقال: «أنا لا أدري، فهذا من علم الله عز وجل. لكنه كائن بشري ويريد أن يتقرب بطريقة ما». وذكر أن سان جوزيه، المعتبرة المدينة الرقم 11 بعدد السكان في الولايات المتحدة، تضم 8 مساجد لأكثر من 27 ألف مسلم يقيمون فيها، وهم من دول الشرق الأوسط والهند وباكستان وفيتنام، وواحد منهم اغتيل قبل مدة بجريمة كراهية في المدينة، وكان مهاجرا بوسنيا.