اعتذار الحريري عن عدم تشكيل الحكومة اللبنانية يرجح ترشيح حاكم البنك المركزي لوزارة المالية

TT

مع استقالة رئيس الحكومة رفيق الحريري واعتذاره عن عدم تشكيل حكومة جديدة، تصاعد اهتمام الاوساط الاقتصادية بمتابعة التطورات السياسية ورصد ملامح المرحلة المقبلة وتأثيراتها على الاوضاع الاقتصادية والمالية، لاسيما ان الحريري شكل على مدى السنوات الماضية المرجعية الاقتصادية الاساسية في البلاد الى جانب ثقله السياسي المعروف.

وتوجهت انظار اركان الهيئات وكبار رجال الاعمال، بشكل خاص، الى الفريق الاقتصادي المرتقب في الحكومة الجديدة وهل سيكون بمستوى تجديد ثقة الاسواق بامكانية استمرارية الفصل بين التطورات السياسية في المنطقة، من جهة، واستقرار الاسواق المالية والنقدية من جهة اخرى، على غرار ما امكن تحقيقه في السنوات الماضية.

على هذا، اكدت مصادر واسعة الاطلاع لـ«الشرق الاوسط» ان ترشيح حاكم مصرف لبنان رياض سلامة لتولي حقيبة المال في الحكومة الجديدة بات محسوماً على ان يكون من ضمن «سيناريو» متفق عليه مسبقاً لبدء ورشة اصلاح مالي شامل وبتعاون مدروس بين مؤسستي وزارة المال والبنك المركزي، الامر الذي لم يتوفر بصورته الطبيعية والواضحة خلال السنوات الماضية وخلال تولي مسؤولية الوزارة من قبل فؤاد السنيورة في حكومات الحريري وجورج قرم في حكومة سليم الحص.

وذهبت هذه المصادر الى حد القول أن تسلم سلامة حقيبة المال في الحكومة المنوي تشكيلها يمكن ان يتم بالترافق مع توجه مسبق لعدم تعيين حاكم جديد للبنك المركزي حتى انتهاء الولاية الحالية للحاكم مطلع يوليو (تموز) المقبل، بحيث يكون سلامة شريكاً فعلياً باختيار خلفه ضماناً لاستمرارية التعاون. وقد سبق العمل بهذا الاجراء حين جرى اختيار ناصر السعيدي وزيراً للاقتصاد والصناعة عام 1998 (حكومة سليم الحص) مع الاحتفاظ بمنصبه كنائب اول لحاكم مصرف لبنان، الذي عاد اليه بعد استقالة الحكومة عام 2000.

وفي المعلومات المتداولة ان منصب وزير المال يحظى بأهمية استثنائية في الظروف الحالية الداخلية والاقليمية والدولية. وقد ازدادت اهميته مع خروج الحريري وفريقه، واهمية اسناده لشخصية تتمتع بالمواصفات التي توحي الثقة للاسواق وللمستثمرين وتكون قادرة، في الوقت ذاته، على صياغة وتنفيذ برنامج شامل للاصلاح المالي.

ويبدو ان ثمة توافقاً سياسياً محلياً واقليمياً على ان سلامة يملك رصيداً ناجحاً في قيادته للبنك المركزي خلال السنوات العشر الماضية يخوله لتسلم هذا المنصب وانه كان احد عوامل الاستقرار النقدي الذي تنعم به السوق اللبنانية منذ 9/9/1999. كما ان سلامة يملك علاقات جيدة مع الهيئات والمؤسسات الاقتصادية والمالية الدولية.

وترددت معلومات اضافية مفادها ان لدى سلامة رؤية متكاملة لمعالجة ازمة المالية العامة والتطور الدراماتيكي السلبي للمديونية العامة، وهو يستند الى معالجات مباشرة لجانبي الواردات والانفاق عبر تعاون مدروس مع البنك المركزي، وبما لا يتعارض مع صلب توجهات المؤسسات الدولية (صندوق النقد الدولي ـ البنك الدولي ـ مؤسسات التصنيف) التي عبرت بصراحة عن ترقبها ومراقبتها المباشرة لتطور الاوضاع الداخلية وبالاخص منها ما يتعلق بالسياسة المالية التي ستعتمدها الحكومة الجديدة.

ويلاقي ترشيح سلامة لتولي حقيبة المال اصداء ايجابية لدى الهيئات الاقتصاية عموماً وفي القطاع المصرفي خصوصاً، حيث عبر اركانه في مناسبات عامة وخاصة عن ارتياحهم للتعاون مع الحاكم في ادارة شؤون النقد وبعض الجوانب الهامة من مشكلة الدين العام وتنفيذ هندسات مالية متعددة اسهمت بوقف التدهور الدراماتيكي قبيل وبعد انعقاد مؤتمر «باريس ـ 2». كما يتوقع ان تكون لهذا الترشيح اصداء مماثلة لدى الهيئات الدولية المعنية بالشأنين الاقتصادي والمالي.

وتعتبر الهيئات الاقتصادية «ان الاوضاع الحالية في السوق تتسم بالارتباك الشديد من جراء الاحتقان السياسي الداخلي وتداعيات صدور القرار الدولي رقم 1559، وانه بات من الملح حسم موضوع تشكيل الحكومة الجديدة والخروج من حالة المراوحة المؤذية، كما بات ملحاً اعطاء جرعة ثقة قوية للاسواق لمنع تحول الارتباك الى تداعيات فعلية اقتصادياً ونقدياً، خصوصاً بعد اثارة معلومات غير دقيقة عن تفاعلات سلبية كبيرة في سوق القطع والاسواق المالية».