الصوت اليهودي المضمون للديمقراطيين سابقاً... ما عاد كذلك

دعم بوش لإسرائيل وردة فعله على هجمات 11 سبتمبر أحدثا تغييراً قد يؤثر في المعركة

TT

جوزيف لوبيك طبيب أعصاب يعيش في ضاحية وينوود القريبة من مدينة فيلادلفيا (كبرى مدن بنسلفانيا)، دأب على دعم المرشحين الرئاسيين الديمقراطيين والتصويت لهم منذ عام 1972 عندما اقترع بـ«متعة لا توصف للمرشح الديمقراطي (الليبرالي اليساري) جورج ماكغفرن». الا انه محتار في كيف سيكون رد فعل جيرانه الليبراليين اذا زرع فوق حديقة منزله لافتة تفيد بتأييده للرئيس الجمهوري جورج بوش.

هيرب دينينبرغ، وهو ديمقراطي في الـ74 من العمر يقيم في ضاحية رادنور القريبة، سبق ان عينه حاكم ديمقراطي للولاية في منصب مفوض شؤون التأمينات في حكومة الولاية، وكاد يربح ترشيح الحزب الديمقراطي لمجلس الشيوخ. دينينبرغ أيضاً ينوي الاقتراع لبوش.

هاتان الحالتان التي يأمل الحزب الجمهوري ان تكونا ظاهرة واسعة النطاق في صفوف الناخبين اليهود، شجعتا المخططين الجمهوريين على تكثيف جهودهم لكسب اصوات هؤلاء الناخبين متذكرين ان كتلة الناخبين كانت دائماً الأشد ولاء والتزاماً بين الكتل التي تقترع غالبيتها تقليدياً للحزب الديمقراطي. الواقع ان على الرئيس بوش ان يضاعف جهوده لتغيير المعادلة أكثر. فهو تبعاً للاحصائيات والمسوح الخاصة بانتخابات عام 2000 حصل على 19% فقط من أصوات اليهود الأميركيين، بينما حصل منافسه آل غور على 79%. الا ان تحمس بوش في دعم اسرائيل وردة فعله العنيفة الحاسمة على اعتداءات 11 سبتمبر (ايلول) عام 2001 والشك في جدية الديمقراطيين في السير على خطاه بالنسبة لهاتين المسألتين، عوامل دفعت نسبة لا بأس بها من الناخبين اليهود بتغيير مواقفهم نحوه بايجابية كبيرة. وليس هناك تعبير أفصح عن ذلك من قول دينينبرغ، آخذاً على الديمقراطيين ما يراه تردداً في التصدي للارهاب الاسلامي «لا يبدي الديمقراطيون الاقدام المطلوب لمعركة كهذه».

المخططون الجمهوريون يعتقدون ان الرئيس بوش قادر على تحقيق اختراقات لا بأس بها ضمن كتلة الناخبين اليهود، الا ان الاستطلاعات والاستبيانات تتضارب حول ما هو حاصل فعلاً على الأرض. ثم ان السناتور جون كيري، المرشح الرئاسي الديمقراطي، لا يريد ان يفرط في طمأنة نفسه الى كسبه الحتمي للصوت اليهودي. ولذا ذكّر في احدى جولاته الأخيرة المتعددة لولاية فلوريدا المحورية (حيث توجد كثافة يهودية في جنوبها) مستمعيه بسجله الحافل في تأييد اسرائيل. فأمام مئات من المتقاعدين اليهود تجمعوا في مهرجان صباحي في مجمع بضاحية ويست بالم بيتش (المتاخمة لمدينة ميامي)، قال كيري «انا فخور بأن أقول أمامكم انني على امتداد خدمتي التي طالت عشرين سنة في مجلس الشيوخ الأميركي لدي سجل يدل على تصويتي الدائم بنسبة 100% على كل قرار وكل اقتراع وكل تخصيص (لمصلحة اسرائيل)... كنت ملتزماً بكل قضية تتعلق بتفوق اسرائيل العسكري واستمراره، وسأبقى على نفس الالتزام».

الجدير بالذكر ان اليهود لا يشكلون أكثر من 2% فقط من مجموع الناخبين الأميركيين لكنهم يشكلون 4% تقريباً من نسبة المقترعين وفق أحدث الاستبيانات. واليوم يركز المخططون الجمهوريون على محاولة معادلة أعلى نسبة اقتراع يهودية لمصلحة مرشح رئاسي جمهوري وهي نسبة الـ39% التي سجلت عام 1980 لمصلحة الرئيس الأسبق رونالد ريغان. ولتحقيق هذا الغرض تراهم يصبون موارد اضافية وجهوداً جبارة في ثلاثة ولايات، يشكل فيها الصوت اليهودي ثقلاً يحسب حسابه، هي فلوريدا وبنسلفانيا وأوهايو، حيث يتوقع ان يكون لأي تحول صغير في اتجاهات الاقتراع العامة فيها تأثير مباشر على ميزان القوى في يوم الحسم... يوم 2 نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل.

وبالفعل يورد ديفيد ألبر المدير التجاري لصحيفة «جويش اكسبوننت» الأسبوعية الصادرة في فيلادلفيا، ارتفاعاً في الانفاق على الدعاية الانتخابية بنسبة 50% عن ارقام عام 2000، ومع زيادة في الدعايات الجمهورية على دعايات الديمقراطيين بنسبة 2 الى 1. وفي احد الاعداد من الصحيفة اشترى الحزب الجمهوري صفحة كاملة تركز على مدى تأييد بوش لاسرائيل، يبدو فيها وهو يلي امام «الحائط الغربي» (حائط البراق) معتمراً القنسوة اليهودية «اليارمولكا».

في المقابل، يقول ايرا فورمان، المدير التنفيذي، لـ«المجلس الوطني اليهودي الديمقراطي»، انه لم يسبق له ان رأى تنافساً اشد على الصوت اليهودي من هذه المرة، مضيفاً «ان الجمهوريين لا يدخرون وسعاً لكسبه». ولعل قلق الديمقراطيين من هذا التحول الممكن هو ما دفع كيري لإرسال اخيه كاميرون، الذي تحول الى اليهودية قبل عدة سنين، الى مناطق الكثافة اليهودية لتشجيعها على الثبات على ولائها لحزبه وشرح حقيقة التزام أخيه المرشح الديمقراطي بقضاياها ومصالحها. ولأول مرة منذ بدء نشاط «المجلس الوطني اليهودي الديمقراطي» اضطر «المجلس» لفرز مسؤول سياسي الى مدينة فيلادلفيا لمواجهة تهديد فريق «التحالف اليهودي الجمهوري» الناشط بالفعل في المدينة. وفضلاً عن ذلك، في جامعة بنسلفانيا ـ الخاصة الراقية ـ ينهمك الطلبة اليهود في تسجيل اسمائهم في سجلات الناخبين بحماسة بالغة مدركين ان لأي صوت في هذه المعركة حسابه ووقعه. اذا كان لبوش ان يكسب بنسلفانيا ـ علماً بأن أحدث الاستطلاعات تشير الى انها تتجه نحو كيري ـ فسيكون للصوت اليهودي بعض الفضل، وهذا اذا خرج لمصلحته بالقدر الكافي. الا ان الشيء الواضح حتى الآن ان الصوت اليهودي في ضواحي فيلادلفيا مرتبك وغير محسوم. من جهة أخرى، ليس كل الناخبين مثل مارك فيلجويز سمسار العقارات وابن الـ39 المتحمس للتصويت لبوش والذي لا يرى أي اهمية لأبحاث الخلايا الجذعية ونظافة البيئة اذا كان مستقبل اسرائيل مهدداً بالخطر. فنورم فوكسمان، وهو اختصاصي في البصريات، لا يعتبر ان دعم بوش لأرييل شارون كان شيئاً طيباً لاسرائيل، او أن تاييد واشنطن لسياسات اسرائيل هي القضية الأهم في هذه الانتخابات، بل يقول «نعم بوش فعل الكثير من أجل اسرائيل، لكن كثيرين منا مؤمنون بأنه فعل اشياء سلبية جداً للولايات المتحدة»، مشيراً بالذات الى عجز الميزانية الذي «سيلغي اي قيمة حقيقية لأموالنا خلال عشر سنوات».

* خدمة «لوس انجليس تايمز»