كرامي أبرز معارضي الحريري دون أن يقطع معه شعرة المودة

TT

يقول الرئيس المكلف تشكيل الحكومة اللبنانية عمر كرامي انه تعرض للحرب طوال 12 عاماً فلم يبق اي من انصاره في مؤسسات الدولة. لكنه احتفظ لنفسه بهامش عن بقية المعارضات، متمسكاً بـ«خدمة الوطن». ورغم ان امله خاب بعض الشيء في عهد الرئيس اميل لحود «بسبب بعض الممارسات من القريبين من العهد»، كما قال قبل نحو شهر، الا انه وضع حينها نفسه «بتصرف الوطن» وهكذا عاد الى رئاسة الحكومة.

عاد «الافندي» ـ كما يلقبه اهالي طرابلس مسقط رأسه ـ الى رئاسة الحكومة بعد نحو 13 سنة قضاها في صفوف المعارضة منذ استقالة حكومته الوحيدة ـ حتى امس ـ في مايو (ايار) 1992 حيث كان من ابرز المعارضين لـ«خليفته» في رئاسة الحكومة، آنذاك، رفيق الحريري من دون ان يقطع معه «شعرة» المودة الشخصية التي بدت ظاهرة في اكثر من مفصل رغم انه لم يخف يوماً اتهامه الحريري بالضلوع في «ثورة الدواليب» التي اطاحت حكومته آنذاك.

وكرامي، كما يصفه رئيس مجلس النواب الحالي نبيه بري «رجل ينظر الى ابعد من الحدث، بل يحاكي الغد». ورغم انه لم يترأس الحكومة سوى مرة واحدة إلا انه ورث العمل السياسي وعايشه منذ نعومة اظفاره، فوالده الشيخ عبد الحميد كرامي مفتي طرابلس وحاكمها قبل الاستقلال، كان واحدا من رجالات الاستقلال اللبناني الذين سجنتهم قوات الانتداب الفرنسي في قلعة راشيا في نوفمبر (تشرين الثاني) 1943 وكان توقيفهم شرارة اعلان الاستقلال. وقد تولى عبد الحميد كرامي رئاسة الحكومة اللبنانية عام 1945، لكنه عاد فاستقال وانتقل الى صفوف المعارضة.

اما شقيقه الراحل رشيد كرامي فقد ترأس العديد من الحكومات آخرها في العام 1987 حيث قضى اغتيالاً، ليتسلم «الافندي» العمل السياسي لعائلة كرامي السياسية.

وكرامي من مواليد طرابلس في الاول من مايو (ايار) عام 1935. وهو متأهل من السيدة مريم مصباح قبطان ولهما اربعة ابناء هم يمن، زينة، خالد وفيصل.

تلقى علومه الابتدائية والمتوسطة في دار التربية والتعليم الاسلامية في طرابلس، ثم تابع دراسته الثانوية في الانترناشونال كوليدج (IC) في بيروت. بدأ دراسته الجامعية في الجامعة الاميركية في بيروت، ثم انتقل الى القاهرة حيث نال اجازة في الحقوق من جامعة القاهرة عام 1956. ومارس مهنة المحاماة منذ عام 1956، حيث اسس مكتباً خاصاً، كما خاض ميدان الاعمال الحرة وخاصة في قطاع البناء والانشاءات.

وشارك في مؤتمر المصالحة الوطنية الاول الذي عقد في لوزان بصفته مستشاراً لشقيقه الرئيس رشيد كرامي. وبعد اغتيال الاخير انتقل لتولي رئاسة حزب التحرر العربي في طرابلس. ثم عين وزيراً للتربية في اولى حكومات الطائف عام 1989. وسرعان ما تولى رئاسة الحكومة الثانية في 24 ديسمبر (كانون الاول) 1991 وحملت اسم حكومة «المصالحة الوطنية» وضمت تنوعاً كبيراً من القوى والاحزاب التي كانت تاريخياً خارج السلطة.

وقد قامت حكومة كرامي بانجازات كبيرة ابرزها حل الميليشيات ووضع نظام داخلي لمجلس الوزراء ودخول مفاوضات السلام في مدريد. الا انها فشلت اقتصادياً بسبب عجزها عن مقاومة الضغوط على الليرة اللبنانية. وقد رد البعض السبب الى عدم الانسجام الواضح بين اطرافها.

ورغم ان كرامي بدا في غاية الانسجام مع الرئيس السابق للجمهورية الياس الهراوي، الا ان هذا الانسجام تحول لاحقاً الى تناقض شديد، فجرته ازمة «يللا ماشي الحال» عندما حاول الهراوي تمرير قرار تعيين السفير فؤاد الترك اميناً عاماً لوزارة الخارجية، اذ انهى سجالاً دار في هذا الشأن في مجلس الوزراء بعبارة «يللا ماشي الحال». وهو ما فسره كرامي بأنه تراجع من الهراوي. لكن الاخير اوعز لامين عام مجلس الوزراء هشام الشعار بتسجيل الموافقة على التعيين. فهدد كرامي بالاستقالة.

بعدها اعتبر الهراوي ان حكومة كرامي ادت قسطها للعلى، فجاهر برغبته باستقالتها لتأتي حكومة «اكثر انسجاماً». وطرح اسم رفيق الحريري للرئاسة في احد الاجتماعات مع الرئيس السوري حافظ الاسد، ما زاد الاحتقان بينه وبين كرامي.

بعدها زادت الضغوط على الليرة، ثم حدث الانهيار الكبير بعد بيان استغربه الكثيرون من حاكم مصرف لبنان ميشال الخوري اعلن فيه وقف التدخل في السوق دفاعاً عن الليرة التي هبطت الى اسوأ مستوياتها في تاريخها (ثلاثة آلاف ليرة للدولار). ويوم 5 مايو (ايار) 1992 امتلأت شوارع لبنان بالدواليب المحروقة التي يقول رئيس المجلس النيابي نبيه بري انها من انتاج «عقل مدبر هو المخابرات اللبنانية». فسقطت حكومة كرامي الذي اعلن استقالته.

وكان كرامي دخل البرلمان لاول مرة في عهد حكومته عندما عينت هذه الحكومة 40 نائباً لسد الفراغ في المجلس النيابي. وبعدها بأشهر خاض الانتخابات النيابية وفاز، ثم تكرر فوزه في اعوام 1996 و2000 رغم انه تعرض لحرب كبيرة من معارضيه اضعفته كثيراً واوصلت الى المجلس ابرز خصومه السياسيين كالوزير نجيب ميقاتي المرشح لدخول حكومته الجديدة.