لبنان: تشكيلة حكومة كرامي تصطدم بعقبة «الوزارات السيادية» وحديث عن طلب صلاحيات استثنائية تسهل عملية الإصلاح

«حزب الله» مستعد للمشاركة الوزارية «إذا اقتضت المصلحة الوطنية ذلك»

TT

أجرى رئيس الحكومة المكلف عمر كرامي استشاراته النيابية لتشكيل حكومة لبنانية جديدة على وقع الصعوبات والتعقيدات والمطالب التي برزت من قبل اكثر من طرف وفريق، وتركزت حول الحقائب الوزارية المسماة «سيادية»، وهي وزارات الداخلية والخارجية والدفاع والمالية، المتعارف على توزيعها طائفيا بين السنة والشيعة والموارنة والارثوذكس.

يأتي في مقدم هذه العقد، إصرار وزير الصحة سليمان فرنجية (ماروني) على تسلم حقيبة الداخلية، مما يعني انتزاعها من الوزير الحالي الياس المر (ارثوذكسي وصهر رئيس الجمهورية اميل لحود) المرشح للاستمرار في منصبه في الحكومة المقبلة، وكذلك إبعاد حاكم مصرف لبنان رياض سلامة (ماروني) عن وزارة المال، بعدما جرى التفاهم حوله على اعلى المستويات.

وذكرت معلومات ان رئيس مجلس النواب نبيه بري، في حال رست وزارة الداخلية على فرنجية، قد يعمد الى المطالبة بحقيبة المال لإسنادها الى شيعي، وقد رشح لها النائب ياسين جابر، وهذا بالتالي يعني احتمال اسناد حقيبة الخارجية الى ارثوذكسي بعدما كان التفاهم الأولي يميل الى تولي النائب علي الخليل (شيعي) ـ القريب من بري ـ هذه الحقيبة، على ان يتسلم الوزير عبد الرحيم مراد (سني) حقيبة وزارة الدفاع.

* حرص كرامي

* هذا، وقد لمس فريق من النواب الذين استشارهم كرامي أمس حرصه على «إشراك الجميع» في الحكومة من دون استثناء احد، بمن فيهم «لقاء قرنة شهوان» المسيحي المعارض، و«اللقاء الديمقراطي» الذي يرأسه النائب وليد جنبلاط، رغم مقاطعة الفريقين الاستشارات واعلانهما انهما غير راغبين في الانضمام الى الحكومة. وفي هذه الحالة، أشير الى ان كرامي يفضل في حال اخفاقه في ثني الجانبين عن موقفيهما الإتيان بوزراء قريبين منهما ولا يشكلون استفزازا لهما. لهذه الغاية زار كرامي مساء امس البطريرك الماروني نصر الله صفير الذي يرعى «لقاء قرنة شهوان»، كما ذكرت معلومات ان موفدين من قبله اجتمعوا مع عدد من اعضاء «اللقاء الديمقراطي».

من جهة ثانية، أبرزت الاستشارات النيابية التي أجراها كرامي وجود اتجاه لطلب صلاحيات استثنائية اشتراعية للحكومة تمكنها من اصدار المراسيم التشريعية التي توازي قوة القانون (يصدره مجلس النواب) تحت عنوان «تسهيل عملية الاصلاح» لأن قصر عمرها لا يسمح لها بذلك من دون هذه الصلاحيات.

كذلك ظهرت محاولة لإشراك كتلة الرئيس رفيق الحريري ولكن لم يكتب لها النجاح. وطفا حديث عن احتمال دخول «حزب الله» الحكومة لأول مرة في تاريخه بعدما وعد ببحث الامر «اذا اقتضت المصلحة الوطنية ذلك».

وكان كرامي استهل يومه الطويل أمس بجولة تقليدية قام بها على رؤساء الحكومات السابقين، فزار رئيس الحكومة المستقيل رفيق الحريري، مشيرا الى انه استمع الى آرائه ونصائحه «بتأن وروية، لأنه كان في الحكم ويعرف كل التفاصيل». وتابع: «لقد استفدت كثيرا من هذه النصائح ومن كل ما أطلعني عليه». وبعدها زار الرئيس امين الحافظ متوقعا صدور التشكيلة قريبا، ورافضا التعليق على تمسك فرنجية بحقيبة الداخلية، وقال: «لا أستطيع ان اعطي رأيي حتى انتهي من استشاراتي مع النواب والتداول مع فخامة الرئيس». وختم مؤكدا ان «ليس هناك شيء لا يذلل».

وزار كرامي ايضاً الرئيسين رشيد الصلح، والدكتور سليم الحص الذي اصدر بيانا رحب فيه بتكليف كرامي متمنيا له «التوفيق في مهمته الشاقة انما غير المستحيلة». ورأى الحص ان «قصر عمر الحكومة قد يكون سببا لعجزها عن تحقيق الانجازات الجمة المطلوبة منها». وقال «أبديت وجهة نظري امام الرئيس المكلف في السبيل المفروض سلوكه لتدارك سمة العقم التي قد تلازم ولاية هذه الحكومة. السبيل الوحيد هو الإتيان بحكومة من خارج حلبة السياسيين، أي من اصحاب الكفاءة والاختصاص والنزاهة والسمعة الطيبة والتجرد من المآرب الانتخابية، على ان تمنح صلاحيات استثنائية اشتراعية في شتى المجالات الاصلاحية. وهكذا تنقلب الفترة المقبلة على قصرها من مرحلة عقم محتوم الى مرحلة إنتاج غزير».

* لقاء مع بري

* ثم انتقل كرامي الى مجلس النواب حيث بدأ استشاراته النيابية بلقاء مع رئيس مجلس النواب نبيه بري، بينما ألغي الموعد المقرر للرئيس الحريري، بعدما اكتفى كرامي والحريري باللقاء الصباحي بينهما. أما الرئيس السابق للمجلس النيابي حسين الحسيني فقال بعد لقائه الرئيس المكلف ان الحكومة التي سيشكلها كرامي «استثنائية ولمرحلة انتقالية بين حال وحال»، معتبرا «ان البلاد بحاجة الى الخروج من مآزقها الطويلة»، وآملا ان تضع الحكومة الجديدة قانونا للانتخاب «يتوافق مع وثيقة الوفاق الوطني». ودعا الجميع في الموالاة والمعارضة الى التعاون «لأننا في ظرف صعب». وتمنى نائب رئيس مجلس الوزراء في الحكومة المستقيلة عصام فارس على الرئيس كرامي ان يسعى مع المعنيين في مجلس النواب لمنح الحكومة صلاحيات استثنائية «اذا كنا نريد لهذه الحكومة ان تقلع وتسبق الوقت».

وطالبت كتلة «التحرير والتنمية» التي يرأسها بري بـ«حكومة لمّ شمل». واشارت معلومات الى ان بري تمنى على كرامي ان «يعرض على الحريري مشاركة كتلته في الحكومة». لكن كتلة «قرار بيروت»، التي يرأسها الحريري، ابلغت كرامي أنها غير راغبة بالمشاركة في الحكومة. وقال النائب محمد قباني عقب اللقاء مع كرامي «ان ذلك لا يعني ان الكتلة اصبحت في صفوف المعارضة، بل ستنتظر البيان الوزاري لتحديد موقفها»، مشيراً الى انه ابلغ كرامي «حرص الكتلة على نجاح حكومته لأن هذا في مصلحة لبنان».

اما كتلة نائب رئيس الحكومة الاسبق ميشال المر، فقد شددت على «تماسك الحكم». وقال المر ان «لا مطالب للكتلة وهي تدعم العهد وكرامي»، مشيرا الى ان الكتلة تركت للرئيسين لحود وكرامي ان يقررا ما هو مناسب لجهة مشاركة الكتلة في الحكومة.

* موقف «حزب الله»

* وطالب «حزب الله» الرئيس كرامي بـ «حكومة فاعلة ومنتجة وممثلة لكل اللبنانيين»، مؤكدا «تعاونه وتضامنه مع الحكومة»، وقال رئيس كتلة «الحزب»، النائب محمد رعد، ان الكتلة لم تطلب المشاركة في الحكومة «لكن اذا كانت هناك ضرورة وطنية تقضي باشتراكنا، فسنبحث الأمر». وطالبت كتلة «القرار الشعبي» بحقيبة الزراعة لعضو الكتلة وزير الصناعة في الحكومة المستقيلة الياس سكاف. اما كتلة نواب البقاع الغربي فقد شددت على ضرورة «قيام حكومة منسجمة وجامعة». ووضعت نفسها بتصرف الرئيس كرامي.

وبعدما قطع كرامي استشاراته لتأدية صلاة الجمعة، فانه عاد واستأنفها باجتماع مع «كتلة نواب الشمال» التي تضم خصومه السياسيين، وابرزهم الوزير سليمان فرنجية، ووزير الاشغال نجيب ميقاتي الذي اعلن ان الكتلة ابلغت كرامي «رغبتها بأن تتمثل بوزيرين على الاقل في الحكومة الجديدة، شرط ان يكون احدهما فرنجية وان يتولى حقيبة الداخلية». وأضاف ميقاتي «لقد اصررنا على ذلك. وقد شعرنا بتجاوب من قبل الرئيس كرامي حيث ابلغنا انه ليس مستعدا لتشكيل الحكومة من دون مشاركة الوزير فرنجية». واشار ميقاتي ايضاً الى ان الكتلة طالبت بوزير من الطائفة العلوية عن مقعد الاقليات.

اما «التكتل الطرابلسي»، (3 نواب)، فتمنى على كرامي تشكيل حكومة «تمثل اكبر شريحة ممكنة». ورشحت كتلة «القرار الشعبي» (3 نواب) النائب فريد الخارن (ماروني) لوزارة خدمات. اما نواب حزب البعث (3 نواب) فطالبوا بمقعد وزاري لـ «مساعدة الرئيس كرامي في المواجهة السياسية الخارجية والداخلية». وأشارت كتلة نواب الحزب السوري القومي الاجتماعي، الى ان الحزب «غني بالكفاءات والامكانات من كل المناطق»، بينما طالبت كتلة نواب الارمن (نائبان) بأن تتمثل بوزيرين في الحكومة. كما طالبت كتلة نواب حزب الكتائب (نائب واحد) بأن تتمثل في الحكومة بـ«حقيبة أساسية».

* عقبات جديدة

* على صعيد آخر، وبينما تتواصل الاتصالات والمشاورات في السر والعلن لتشكيل الحكومة الجديدة التي يتوقع ان تبصر النور خلال الايام الثلاثة المقبلة على ابعد تقدير، يعمل المساهمون في إعداد «طبخة» الحكومة على ازالة العقد الواحدة تلو الاخرى. ويتركز الاهتمام حاليا على حل مسألة توزيع الحقائب «السيادية» من دون ان يعني ذلك غض النظر عما يوصف بـ «العقد الصغيرة».

فبعد تعثر التوافق على شيعي او ارثوذكسي لتمثيل الحزب السوري القومي الاجتماعي، رجحت كفة وزير درزي من الحزب. وبرز هنا اسم محمود عبد الخالق، الأمر الذي أربك التركيبة الوزارية التي يجري تداولها، بما يخص التمثيل الدرزي، وقوامها الوزير طلال ارسلان المرشح لتولي حقيبة المهجرين (بعدما طالب الوزير سليمان فرنجية بحقيبة الصحة للعضو في كتلته، الدكتور قيصر معوض)، ووئام وهاب المرشح لتسلم حقيبة البيئة والنائب فيصل الداود وزير دولة. وكان قريبون من ارسلان ذكروا ان الاخير يفضل ان يكون معه في الوزارة قريبه رجل الاعمال مروان خير الدين او غالب الاعور او علي فيصل الداود.

وفي هذا الاطار، سئل الوزير ارسلان عقب لقائه السفير الاميركي لدى لبنان جيفري فيلتمان امس عن رأيه في التشكيلة الحكومية التي يجري تداولها وموقفه منها، فقال: «موقفنا واضح، ومددنا يدنا لكل الناس على المستوى المطلوب. وتمنينا ان تمثل الحكومة بكل فئات المجتمع اللبناني من حزبية وسياسية وفاعليات. هناك فريق لبناني فضل ان يكون خارج الحكومة وهذا شأن يعود اليه. ونحن نؤكد ان هذه الحكومة ستنال ثقة اللبنانيين. كفانا ارتجالا في السياسة الداخلية على كل المستويات، ان كان على المستوى المالي او الاجتماعي او الاقتصادي. نحن بحاجة الى تحصين وضعنا الداخلي وسط الضغوط التي نشهدها على لبنان وهي في تزايد يومي. هذه الحكومة لن تتشفى او تثأر من احد. ولن يكون لديها اي شيء ضد احد. انها حكومة لبنان وستتعاطى من هذا المنطلق».

وحول العقد التي تواجه تمثيل الحكومة، قال ارسلان «شيء طبيعي ان تبرز العقد في تشكيل الحكومات. اما هذه العقد فهي قابلة للحل وللنقاش. ولا اتصور ان هناك عقدا جدية في هذا الموضوع».

وسئل عن تمثيل الحزب الديمقراطي اللبناني الذي يرأسه، فأجاب: «لقد اعلن المكتب السياسي في الحزب اكثر من موقف في هذا الموضوع، وكذلك انا. ان الأمور مرهونة بأوقاتها، فما زال هناك بعض الوقت، بالرغم من انه خلال 48 ساعة قد تحصل العجائب. لننتظر. لكن موقفنا واضح، ولن نرضى بأن نتمثل كهامشيين على مستوى الحكومة، ولن نقبل الا بأن نتمثل بحقيبة اساسية».

كذلك أوردت بعض المصادر المطلعة، ان الرئيس كرامي حريص على تكليف وزراء تكنوقراط بعيدين عن البرلمان، لتولي الوزارات الخدماتية، وذلك حرصاً منه على تفعيلها، بعيدا عن استغلالها من قبل البعض لتقديم الخدمات واستقطاب الاصوات للانتخابات النيابية المقبلة.