طالبات الجامعات العراقية..أحلام تتسور بالخوف من الاختطاف

TT

منذ سنوات وهي تحلم بدخول الجامعة وبالثياب الجديدة التي ستحتفظ بها بعد ان تنهي هذه المرحلة من دراستها. وتحلم خصوصا في أن يكون لها أصدقاء وصديقات وزملاء وزميلات يتذاكرون فيما بينهم بشؤون مستقبلهم الذي يرسمونه على مدرجات تلك القاعات الدراسية داخل الجامعات. وهاهي اليوم تمسك بأول خيوط احلامها، فقد قبلتها احدى الجامعات العراقية. وفي اول يوم دراسي لها وجدت والدها ينتظر عند باب البيت خروجها ليوصلها الى الجامعة فيما لحقت بها والدتها في آخر لحظة لتعطيها غطاء للرأس خوفا عليها من العيون التي تتلصص وتبحث عن الوجوه الجميلة; ربما لاختطافها وطلب الفدية من اهلها. ولاحقا وجدت ان اباها عاد لينتظرها عند باب الجامعة ليعود بها الى البيت. وقبل الخروج الى الجامعة في يومها الاول تقبلت ندى كل تعليمات أهلها وتوصياتهم بألا تتحدث الى احد والا تجلس مع احد لا تعرفه، واذا لم تجد والدها بانتظارها عليها العودة الى داخل الجامعة والجلوس قرب مكتب الاستعلامات لحين حضوره.

وندى ليست الشابة العراقية الوحيدة التي يرافقها اهلها الى الجامعة، فهناك الكثير من النساء اللائي فرضت الظروف الامنية الصعبة في العراق على ذويهن ان يتخذوا مثل هذه الاجراءات التي تحد من الحرية الشخصية.

«الشرق الأوسط» كانت مع بعض هؤلاء الشابات اللواتي تسورت احلامهن بخوف ينتظرهن عند ابواب البيوت، او اللائي تحدين هذا الخوف ليخترقن اسوار الظروف غير الطبيعية ويقفن في وجهها. نبراس علي، وهي شابة فائقة الجمال وطالبة في الجامعة التكنولوجية، تقول ان «الأمر يبدو غريبا على مجتمعنا، فلم تكن الكثير من الظواهر موجودة فيه ومنها عمليات الاختطاف بهدف الحصول على مبالغ مالية من ذوي المخطوف، اضافة الى مسألة التحرش بالفتيات بطريقة تخدش الحياء، والتفجيرات التي تحصل بشكل يومي. كل هذه الظواهر جعلت من آبائنا وامهاتنا يرافقوننا في كل مكان، وقد ترك البعض منهم اعمالهم المهمة من اجل ان نتم هذه المرحلة الدراسية المهمة». تبدو هذه المسألة صعبة ولكن «ما في اليد حيلة» حسب ما تقول نبراس. وفي منطقة شارع فلسطين، وتحديدا امام الجامعة المستنصرية، توقفت عدة طالبات بانتظار حافلة نقل الركاب التي ستقلهن الى بيوتهن. قالت لنا احدى الطالبات المنتظرات ان اهلها كانوا قد منعوها من مواصلة الدراسة وقد تركتها في العام الماضي ولكنها اصرت على العودة اليها هذا العام مع شرط الأهل في توفير خطوط نقل مزودة بحماية مناسبة مع مجموعة من الطالبات. ولكن الطالبة هيفاء كان لها رأي آخر، فهي تؤكد ان تحلي الفتاة بالاصرار وقوة الشخصية يجعل اصحاب النفوس الضعيفة يغادرون مواقعهم ويستسلمون للأمر الواقع ولن يستطيع أي شخص من الحاق الأذى بها، مشيرة الى ان كثيرا من الفتيات قد تدربن على اساليب القتال وطرق الدفاع عن النفس.

كانت الطالبة دعاء حميد قلقة جدا لأن السيارة تأخرت عن موعدها وهي تشعر بالخوف كلما حصل ذلك. وأثناء حديثها معنا اتصلت بأهلها ومعالم الخوف بادية عليها، اذ قالت عبر هاتفها الجوال «فورا أبعثوا لي بسيارة.. انا انتظر أمام الجامعة». وفي نفس اللحظة اتفقت باقي الطالبات على اقتسام أجرة سيارة التاكسي التي سيستقلنها معا، وقد اعتذرت احداهن عن عدم الدفع لأنها لا تملك حصتها من الأجرة. وداخل كلية الادارة والاقتصاد كانت الطالبات بانتظار بدء المحاضرات مع زملائهن الطلبة، عندها قالت لنا الطالبة وعد عبد الخالق ان «امورا كثيرة تغيرت داخل الجامعات. بعضها نحو الاسوأ والبعض الآخر نحو الأحسن، فحرية الكلام والتعبير عن الرأي التي توفرت الآن هي من الحسنات، فيما الكتابة على الجدران بلغة تخلو من الادب والاحترام هي من السيئات الكبرى داخل الحرم الجامعي». واشارت ايضا الى ان طالبات المحافظات تركن الدراسة في بغداد لعدم توفر النواحي الأمنية في الطرقات الخارجية، اضافة الى عدم توفر اقسام داخلية مناسبة في العاصمة. طوابير السيارات امام الجامعات لا حصر لها وأهالي الطلبة والطالبات يعانون الأمرين للوصول الى أبنائهم في الوقت المناسب، خصوصا أن زحام الشوارع يحول دون هذا الوصول. يقول ابو احمد ان له ابنتين في الجامعة وهو يعاني يوميا من قضية ايصالهما الى كليتيهما في الوقت المناسب، وهذا الامر أدى الى تقصير واضح في عمله الذي يصله متأخرا بشكل دائم، ولكنه مستعد لخسارة عمله مقابل الحفاظ على ابنتيه كما يؤكد.

اما السيدة هالة فقد اصرت على ان تتحمل ابنتها «مسؤولية الحفاظ على نفسها وعدم الخوف من الشائعات التي ستجر وراءها الكثير من المشاكل والإحباط. فالمرأة العراقية معروفة بقوة شخصيتها واصرارها على تحدي الصعاب ونأمل جميعا أن نصل الى بر الأمن والسلام». الزحام كان على أشده ونحن نودع آلاف الطالبات الجامعيات المنتظرات على ابواب حياتهن الجديدة المشوبة بالقلق والترقب.