المخابرات المركزية الأميركية تنقل معتقلين إلى خارج العراق خرقا لمعاهدة جنيف

أخفت الأمر عن الصليب الأحمر الدولي واستندت إلى مذكرة غير قانونية

TT

بطلب من وكالة المخابرات المركزية الاميركية (سي آي ايه)، أصدرت وزارة العدل الاميركية مذكرة سرية تفوض الوكالة بنقل معتقلين الى خارج العراق من اجل استجوابهم، وهي ممارسة يقول خبراء القانون الدولي انها تتعارض مع معاهدات جنيف. وقال مسؤول استخباراتي مطلع على العملية، ان وكالة المخابرات المركزية استخدمت مذكرة اولية اعدت في مارس (اذار) الماضي كسند قانوني للقيام بنقل سري لما يزيد على عشرة معتقلين الى خارج العراق في الأشهر الستة الماضية. وقد أخفت الوكالة المعتقلين عن اللجنة الدولية للصليب الأحمر وجهات أخرى، حسب هذا المسؤول.

وتشير المذكرة التي أعدها مكتب المستشار القانوني في وزارة العدل يوم 19 مارس الماضي الى مواطنين عراقيين وأجانب في العراق ممن تقول عنهم المذكرة أن معاهدة جنيف تشملهم بحمايتها. وهي تسمح لوكالة المخابرات المركزية بنقل عراقيين الى خارج البلاد لاستجوابهم «لفترة قصيرة ولكن ليست غير محددة». كما تقول ان بوسع وكالة المخابرات المركزية أن تنقل، على الدوام، اشخاصا يعتبرون «أجانب غير قانونيين» بموجب «قانون الهجرة المحلي».

ويقول بعض المتخصصين في القانون الدولي ان المذكرة تصل الى اعادة تفسير الحقوق الأساسية التي ينص عليها البند 49 من معاهدة جنيف الرابعة التي تحمي المدنيين خلال فترة الحرب والاحتلال، بمن فيهم المتمردون ممن هم ليسوا جزءا من الجيش العراقي.

ووصف خبراء القانون الدولي الذين جرى الاتصال بهم في هذا الشأن التبرير القانوني الذي تضمنته مذكرة وزارة العدل، بانه غير تقليدي ومثير للقلق.

ورفضت وكالة المخابرات المركزية ومعد المذكرة جاك غولدسميث، المدير السابق لمكتب المستشار القانوني، التعليق على الموضوع.

ولم يكشف مسؤولو وكالة المخابرات المركزية عن هويات ومواقع المعتقلين العراقيين للجان الكونغرس المعنية ومحققي وزارة الدفاع أو وكالة المخابرات المركزية الذين يقومون بمراجعة اجراءات الاعتقال، وفقا لاثنين من المسؤولين الحكوميين الأميركيين المطلعين على القضية ورسالة إلكترونية سرية اطلعت عليها «واشنطن بوست».

ورفض مسؤولو البيت الأبيض فكرة أن تفسير غولدسميث للمعاهدة كان غير مألوف على الرغم من أنهم لم يبينوا سبب ذلك. وقال المتحدث باسم البيت الأبيض شين ماكورميك ان «معاهدات جنيف تطبق على النزاع في العراق وتقضي سياستنا بالتقيد بمعاهدات جنيف».

وقال احد المسؤولين الأميركيين المعنيين بالمناقشات القانونية ان وثيقة 19 مارس التي حصلت عليها «واشنطن بوست» مختومة بكونها «مسودة» ولم تجر صياغتها بصورة نهائية. غير أن المذكرة أرسلت الى المستشارين العامين في مجلس الأمن القومي ووكالة المخابرات المركزية ووزارتي الخارجية والدفاع.

وقال مسؤول استخباراتي ان «المذكرة ضوء اخضر. وان وكالة المخابرات المركزية استخدمت المذكرة لنقل أشخاص آخرين من العراق».

ووفقا لمسؤولين حاليين وسابقين في وكالة المخابرات المركزية، فان لدى الوكالة سياسة تسليم تسمح لها بنقل عدد غير معلوم من المشتبه في انهم ارهابيون ممن يلقى القبض عليهم في بلد معين الى ايدي أجهزة الأمن في بلدان أخرى تتميز بسجل يحتوي على انتهاكات لحقوق الانسان. ولا يتمتع هؤلاء الأفراد وسواهم من الموجودين في مراكز اعتقال وكالة المخابرات المركزية بأية حقوق قانونية.

وأدت فضيحة سجن أبو غريب والتحقيقات وجلسات الاستماع في الكونغرس التي اعقبت ذلك الى الكشف عن جدالات جرت خلف أبواب مغلقة في وزارة الدفاع وعن القواعد السرية لعمليات الاعتقال والاستجواب في خليج غوانتانامو وفي أفغانستان والعراق. وقد استدعي عدد من كبار مسؤولي وزارة الدفاع غير مرة لتفسير سياساتهم والدفاع عنها أمام الكونغرس. ولكن سياسات وممارسات وكالة المخابرات المركزية تظل محاطة بالسرية.

وتتعامل مذكرة وزارة العدل التي صاغها غولدسميث مع فئة من الأشخاص غير معروفين سابقا، وهم الذين نقلوا من العراق.

ومن غير الواضح ما الذي يجعل وكالة المخابرات المركزية تشعر بالحاجة الى نقل معتقلين من العراق لغرض استجوابهم. وقال مسؤول في الحكومة الأميركية مطلع على ممارسات وكالة المخابرات المركزية في مجال الاعتقال انه من المحتمل أن ينقل بعض المعتقلين الى دول أخرى لأن «لدى الوكالة هناك الأشخاص والخبرة وتسهيلات الاستجواب».

ويرتبط اصل مذكرة وزارة العدل مباشرة بالمعتقل الشبح الوحيد المعترف به علنا، وهو هيوا عبد الرحمن رسول الذي يحمل اسما مستعارا هو «إكس».

وقد اعتقل جنود اكراد (بيشمركة) هيوا، المشتبه في انتمائه الى جماعة «أنصار الاسلام» الارهابية العراقية في يونيو (حزيران) أو يوليو (تموز) 2003 وسلم الى وكالة المخابرات المركزية التي نقلته الى أفغانستان لاستجوابه.

وفي أكتوبر (تشرين الاول) من العام الماضي طلب المستشار في البيت الأبيض ألبرتو غونزاليس من مكتب المستشار القانوني صياغة مذكرة بشأن «الأشخاص المحميين» في العراق وقاعدة قانونية حول حالة هيوا، وفقا لمسؤول حكومي اميركي آخر معني بالمناقشات.

وقرر غولدسميث الذي كان مديرا للمكتب في حينه، أن هيوا «شخص محمي» بموجب معاهدة جنيف الرابعة وبالتالي ينبغي اعادته الى العراق، وفقا لما قاله عدد من المسؤولين في الاستخبارات والدفاع.

ولم تكن وكالة المخابرات المركزية مرتاحة لذلك القرار وفقا لما ذكره اثنان من المسؤولين الاستخباراتيين. وأعادت هيوا، على الفور، الى العراق وأوقفت عمليات النقل الأخرى الى خارج البلاد.

وفي الوقت ذاته، وعندما أعيد هيوا الى العراق طلب جورج تينيت، مدير وكالة المخابرات المركزية يومئذ، من وزير الدفاع دونالد رامسفيلد عدم اعطاء هيوا رقم سجين واخفاءه عن مسؤولي الصليب الأحمر الدولي.

وكـ «معتقل شبح» ضاع هيوا في نظام السجن لفترة سبعة أشهر. ولم يوضح رامسفيلد السبب الذي جعله يلبي طلب تينيت. وأشار مسؤولون في الدفاع والاستخبارات الى ان هيوا لم يستجوب منذ عودته الى العراق، ويتميز وضعه الحالي بأنه غير معروف.

وبعد القرار الذي اصدره غولدسميث طلبت وكالة المخابرات المركزية وغونزاليس من مكتب المستشار القانوني مذكرة قانونية أكثر اكتمالا حول «الأشخاص المحميين» في العراق، وشرعية نقل الأشخاص الى خارج العراق لأغراض الاستجواب.

* خدمة «واشنطن بوست» ـ خاص بـ «الشرق الأوسط»