روسيا: اليمين يريد كيري نكاية في الرئيس بوتين والعراق يحدد ملامح المواقف العامة من الانتخابات

TT

تتباين مواقف اطراف الساحة الروسية تجاه احتدام الانتخابات الرئاسية الاميركية بقدر تقديرات هذه الاطراف لسياسات الماضي وملامح الحاضر. فبينما يبدو المحافظون وقد حددوا مواقفهم تجاه احتمالات انتخاب الرئيس الأميركي من منظور تاريخ تعاون الديمقراطيين مع الرئيس الروسي السابق بوريس يلتسين، يبدو اليمين الروسي اقرب إلى تأييد المرشح الديمقراطي جون كيري.

وتتضارب تعليقات المراقبين وممثلي عدد من دوائر صناعة القرار في الساحة الروسية حول سير الحملة الانتخابية الرئاسية في الولايات المتحدة. كما ان العملية العسكرية ضد العراق والحرب ضد الارهاب الدولي تظلان في صدارة عناصر تقديرات ممثلي اليمين واليسار معا تجاه كل من المرشحين، جورج بوش وجون كيري. و كان الرئيس فلاديمير بوتين اول من رفع النقاب صراحة عن انحيازه للمرشح الجمهوري بوش حين قال ان «الهجمات التي تشنها مجموعات الارهاب الدولي في العراق لا تستهدف في الظروف التي نشهدها اليوم النيل من قوى التحالف بقدر ما تستهدف الرئيس الأميركي جورج بوش شخصيا».

وأضاف بوتين انه «اذا استطاع الارهابيون الدوليون الحيلولة دون انتخابه لفترة رئاسية ثانية، فإن ذلك يعني انهم سيحتفلون بتحقيق النصر على أميركا وعلى كل قوى التحالف العالمي، وهو ما لا بد ان يسفر عن تصعيد نشاط الارهاب الدولي». ولعل مثل هذه التصريحات تفسر طبيعة انحياز الكرملين إلى المرشح الجمهوري وارتباط ذلك بالحرب ضد الارهاب الدولي الذي قال العسكريون الروس انه «اعلن الحرب ضد روسيا». وقد صرح الكسندر تسيبكو، القيادي الحزبي السوفياتي السابق واحد نجوم المحافظين الجدد، لـ«الشرق الأوسط» بقوله ان موسكو «طالما ارتبطت بالجمهوريين الاميركيين بعلاقات طيبة بينما نسب كل ايجابي في العلاقات الأميركية ـ السوفياتية ثم الأميركية ـ الروسية إلى «سنوات التعاون الجاد مع الجمهوريين» في الوقت الذي ألقى فيه باللائمة على سنوات التعاون مع الديمقراطيين. وقال تسيبكو ان الرئيس الاميركي السابق بيل كلينتون «يقف وراء الكثير من التنازلات التي قدمها نظيره الروسي بوريس يلتسين على صعيد السياسة الخارجية، ابان تولي اندريه كوزيريف حقيبة الخارجية الروسية». واشار تسيبكو إلى سلبيات سياسة التخصيص واستيلاء رموز الاوليغاركيا الروسية (كبار الأثرياء النافذين) على ثروات الدولة الروسية ومقدراتها ابان تلك الحقبة. وفي تصريحات أخرى لـ«الشرق الأوسط»، اشار بافيل فوشانوف، اول متحدث صحافي باسم الكرملين خلال سنوات حكم الرئيس يلتسين، إلى ارتباط رموز الاوليغاركيا ـ وفي مقدمتهم ميخائيل خودوركوفسكي وفلاديمير جوسينسكي وبوريس بيريسوفسكي ـ بالديمقراطيين الاميركيين. ويكفي ان يشار إلى ان هؤلاء الثلاثة يظلون في خصومة مباشرة مع الكرملين اذ يقبع الاول في سجون روسيا تحت ذمة قضية شركة «يوكوس» النفطية المعروفة بينما هرب الآخران إلى الخارج وفشلت موسكو في استعادتهما عبر جهاز شرطة الانتربول. اما سيرغي ماركوف، مدير معهد الدراسات الاستراتيجية في موسكو، فقد قال ضمن تصريحاته إلى هذه الصحيفة ان الديمقراطيين الاميركيين «يعاودون محاولاتهم الرامية إلى تخريب علاقات موسكو بحلفائها في الفضاء السوفياتي السابق». وقال ان رمزا في السياسة الخارجية الأميركية، مثل مادلين اولبرايت وزبيجنيف بجيزينسكي وريتشارد هولبروك، «يجوبون عواصم الجمهوريات السوفياتية السابقة للتحذير مما يسمونه «الخطر الروسي الاكبر!» ولعل ذلك كله يمكن ان يكون وراء انتعاش ممثلي ما يسمى «اليمين الليبرالي الروسي» في موسكو وتجدد محاولاتهم الرامية إلى تصفية حساباتهم مع النظام الحالي. وكانت الشعارات التي رفعتها المظاهرات اليمينية في قلب موسكو يوم السبت الماضي ـ المناهضة للحرب في الشيشان والمطالبة بالديمقراطية وحرية الكلمة ـ تبدو حلقة في سلسلة تحركات اليمين الروسي المدعوم من جانب الديمقراطيين الاميركيين. وكان المراقبون قد اشاروا إلى ما تناوله برنامج الديمقراطيين حول ان مراعاة حقوق الانسان واعلاء شأن القانون وبناء المؤسسات الديمقراطية وضمان استقلالية اجهزة الاعلام تعتبر جزءا لا يتجزأ من تواصل تكامل روسيا مع المؤسسات الدولية والاقتصاد العالمي.

واعاد هؤلاء ما قاله البروفيسور سيرغي روغوف، مدير «معهد الولايات المتحدة وكندا» التابع لـ«اكاديمية العلوم الروسية» من ان فوز كيري في الانتخابات المرتقبة «قد يكفل زيادة الدعم الأميركي لروسيا مقدار ثلاثة اضعاف مثيله في عهد الرئيس الحالي بوش». ومع ذلك فقد عبر عن مخاوفه ازاء احتمال تدهور العلاقات بين البلدين. وقال روغوف في حديث صحافي ادلى به إلى صحيفة «موسكوفسكي كومسوموليتس» ان وصول الديمقراطيين الأميركيين إلى السلطة «يمكن ان يسفر عن برود في العلاقات القائمة بين البلدين. فبعد احداث 11 سبتمبر (ايلول) أعلن الرئيسان بوتين وبوش «الشراكة الاستراتيجية» قائلين انها «تستند بالدرجة الاولى إلى العلاقات الشخصية بين الرئيسين». واذ اشار روغوف إلى ان علاقة بوش مع بوتين «تبدو افضل من علاقته مع نظيره الفرنسي شيراك»، قال بعدم منطقية ذلك في ظل غياب العلاقات الاقتصادية المتبادلة. وتوقع اهتزاز العلاقة بين البلدين في حال فوز كيري في الانتخابات المرتقبة. واكد روغوف ما قاله تسيبكو زفوشاموف وماركوف لـ«الشرق الاوسط» من ان الديمقراطيين في حال فوزهم «سيحاولون العودة إلى سياسات بيل كلينتون والتدخل في شؤون روسيا الداخلية ومحاولات املاء توجهاتهم حول اجراء الاصلاحات الاقتصادية وكذلك في مجالات حقوق الانسان وهو ما لا تعيره ادارة بوش اهتماما يذكر».

إلا ان روجوف لا يستبعد بطبيعة الحال احتمالات تسوية العلاقات لاحقا في حال فوز كيري معيدا إلى الاذهان ما حدث بين البلدين في اعقاب فوز الرئيس الديمقراطي السابق جيمي كارتر. فقد أشار إلى احتمالات ان يكون فوز كيري «في مصلحة روسيا بسبب الاتفاق في وجهات النظر حول عدد من قضايا السياسة الخارجية مثل الانتقاد المشترك من جانب روسيا والديمقراطيين الأميركيين لاصرار ادارة بوش على الاعتماد على القوة سبيلا إلى حل القضايا الدولية وكذلك التركيز على القرارات الاحادية الجانب».