قائد القوات البريطانية: طالبان فشلت في تعطيل الانتخابات لأنها فقدت المصداقية وبن لادن يعيش في مكان بائس وسيعتقل يوما ما

كابل بعد الانتخابات: صواريخ عمياء لطالبان.. و9 آلاف مدرسة تعمل 3 فترات يوميا.. و«مجاهدون سابقون» يتعلمون الكومبيوتر وتصليح الساعات

TT

حتى قبل ساعة السفر الحاسمة من قاعدة «برايز نورتون» البريطانية العسكرية في ضواحي مدينة اوكسفورد على طائرة «دي سي 17» العملاقة التابعة لقوات الجو الملكية البريطانية المتجهة الى العاصمة الافغانية كابل ضمن مجموعة من ممثلي الصحافة بدعوة من الخارجية البريطانية، للتعرف على الاوضاع العامة بعد أول انتخابات رئاسية، كان الهاجس الأمني يسيطر على الرحلة، وكانت التعليمات الصادرة تقتضي بارتداء صديرية واقية من الرصاص وخوذة من الفولاذ تسلمناها من دين ماكلولخان، المتحدث باسم الخارجية البريطانية، قبل ركوب طائرة النقل المزدحمة بمعدات ومركبات عسكرية. وعندما حطت الطائرة «دي سي 17» في مطار كابل المدجج بالعتاد الاميركي، الذي تحول الى ما يشبه ثكنة بعد رحلة طيران تجاوزت اكثر من عشر ساعات، توقفت خلالها الطائرة في مطار طرابزون التركي، كانت سيارات ساكسون المدرعة والدبابات تنتظر تحت بطن الطائرة، وكانت تعليمات الكابتن اليكس باترسون الصارمة تقتضي بارتداء الصديرية الواقية من الرصاص والخوذة العسكرية داخل السيارة المصفحة التي باتت مثل الفرن، والبقاء داخل «الساكسون» اذا ما تعرض الموكب لأي هجوم. ولكن من خلال نوافذ السيارة المصفحة الضيقة، كانت شوارع كابل تستعد لاستقبال صباح جديد، وكان منظر الطلبة الصغار وهم يحملون الحقائب المدرسية ويسرعون الخطى في الشوارع المتربة للذهاب الى المدارس ابلغ دليل على عودة الحياة التدريجية، رغم صواريخ طالبان التي تمر فوق العاصمة الافغانية من حين لآخر باتجاه حي وزير اكبر خان، مقر قيادة قوات التحالف والسفارة الاميركية ومعظم السفارات الغربية في كابل. وهو نفس الحي الذي كانت تحتله قيادات «العرب الافغان»، وكان يقيم فيه ايمن الظواهري، الحليف الاول لبن لادن زعيم «القاعدة». وبعد رحلة السيارات المصفحة عبر شوارع كابل وسحب الغبار ترتفع خلفنا، وصل الموكب الى «كامب سوتر»، مقر القيادة البريطانية العاملة في افغانستان، وهو عبارة عن قلعة حصينة من الخرسانة والاسمنت المسلح ذات سواتر عالية لاتقاء أي هجمات من سيارات انتحارية. حتى سيارات التويوتا ذات الدفع الرباعي التابعة للجيش البريطاني كان يتم البحث أسفلها عن متفجرات قبل دخولها الى المعسكر. وقلعة «كامب سوتر» تضم ايضا قيادة القوات الدولية المكلفة بحفظ الامن والسلام في افغانستان (ايساف)، ومهمة تلك القوات مساعدة الحكومة المركزية على الوقوف على قدميها بعد عقدين من حروب «لوردات الحرب» التي حولت البلاد الى كومة من الدمار والخرائب. والتعليمات الأمنية الصارمة من الضابط تيجز دوفجلاس المصاحب لنا من لندن كانت لا تتوقف «لاتفعل ذلك. غير مسموح بذلك. انت لست في نزهة، حذار من التقاط صور فوتوغرافية على ممر الهبوط في مطار كابل لا نريد مشاكل انه يتبع الاميركيين. يا إلهي أين الصديرية الواقية من الرصاص والخوذة ؟ لا تخرج من السيارة. لا تبحلق في «المبرقعات» من السيدات الافغان. ارم بنفسك على الارض عندما تسمع صوت الرصاص». اما هو شخصيا، فهو مثال للانضباط العسكري المثالي، وخاصة من جهة الاستيقاظ المبكر وتنفيذ تعليمات البرنامح الموضوع بكل دقة. إلا ان حرارة الترحيب بابتسامة واثقة من الكولونيل رالف ارندويل من وزارة الدفاع البريطانية، قائد الفريق المكلف باصطحاب الصحافيين في رحلة التعرف على افغانستان بعد يومين من اول انتخابات رئاسية في البلاد، كانت تقلل كثيرا من مخاوفنا الامنية. ووصف ارندويل في اليوم التالي لوصولنا 5 صواريخ لطالبان مرت بالليل فوق رؤوسنا باتجاه حي وزير اكبر خان، بأنها «عمياء» وبدائية الصنع ولم تحقق اي خسائر وغير ذات تأثير على معنويات الافغان، الذين شاركوا بنسبة فاقت جميع التوقعات، وخاصة من النساء في الانتخابات. وفي لقاء لـ «الشرق الأوسط» مع الكولونيل شارلي دأرييل، قائد القوات البريطانية العاملة في افغانستان، أعرب عن سعادته البالغة لمشاركة ما بين 80 الى 90 في المائة من الشعب الافغاني في اول انتخابات رئاسية، رغم انسحاب 15 من المرشحين الرئاسيين.

وأشاد بشجاعة الرئيس حميد كرزاي وصلابته ضد المحاولات الارهابية. وقال ان طالبان فشلت في تعطيل الانتخابات لأنها فقدت مصداقيتها في الشارع الافغاني. واضاف ان الاولوية في المرحلة المقبلة للأمن والاستقرار وإعادة الحياة الى مجاريها في كابل بمساعدة قوات الجيش الافغاني استعدادا للانتخابات البرلمانية الربيع المقبل. واعتبر قائد القوات البريطانية في كابل، ان عمل 9 الاف مدرسة بنظام ثلاث فترات دراسية في اليوم الواحد، هو دليل على إقبال الشعب الافغاني على الحياة المدنية بعد سنوات من الحرمان في عهد طالبان. وأعرب عن تفاؤله بقرب خروج الافغان من ظلال الصراعات والحروب التي أتت على الاخضر واليابس لأكثر من ثلاثة عقود من الزمان، ولذلك فقد جعلت الامم المتحدة والقوات الدولية قضية نزع السلاح واحدة من اولوياتها في افغانستان. وتشكل هذه الأسلحة، إلى جانب الألغام المضادة للأفراد، أهم المشكلات التي تعترض الأمن والسلام في البلاد; إذ لا يعرف العدد الحقيقي لقطع السلاح المنتشرة في أفغانستان; في حين يقدر عدد الألغام بنحو عشرة ملايين لغم. وقال الكولونيل دأرييل، ردا على سؤال لـ «الشرق الأوسط»، انه لا يعرف حقيقة ان كان بن لادن على قيد الحياة، او انه يعيش في افغانستان او في باكستان، إلا انه متأكد اذا كان بن لادن على قيد الحياة، فهو يعيش حياة موحشة بائسة خوفا من المطاردة والملاحقة باعتباره المطلوب الأول أميركيا.

وأشاد بالجهود الكبيرة التي يبذلها الرئيس الباكستاني برويز مشرف ضمن الحرب على الارهاب في مطاردة عناصر «القاعدة» وطالبان في الشريط الحدودي.

* من «الساكسون» إلى التويوتا المدججة بالسلاح

* وفي اليوم الثاني بـ« كامب سوتر» في الطريق الى السفارة البريطانية في كابل، تغيرت وسيلة التنقل من عربات مصفحة الى عربات تويوتا ذات الدفع الرباعي، ولكن بداخلها كانت التعليمات تقتضي بارتداء الصديرية الواقية من الرصاص، وداخل كل سيارة ضباط مدججون بالسلاح الآلي «اس 80» والمسدسات المربوطة عند الركبة. وقالت الدكتورة روزالين مارسدن، سفيرة بريطانيا في كابل، في لقاء معها، ان اقبال ابناء الشعب الافغاني بجميع طوائفه على الانتخابات هو خطوة كبيرة نحو ترسيخ الديمقراطية والتخلص من العصبيات التي حكمت الشعب الافغاني لعقود من الزمن قبل مرحلة الانتخابات النيابية بداية العام المقبل. واضافت انها منذ ان وصلت الى العاصمة كابل لتولي مهام منصبها في شهر يناير (كانون الثاني) الماضي، وهي تشعر ان الحياة تتقدم نحو مزيد من الأمن والاستقرار. ويعترف دبلوماسيون غربيون في العاصمة كابل بأن اول انتخابات رئاسية في افغانستان هي بمثابة ترسيخ لسلطات الرئيس حميد كرزاي. ويقول دبلوماسي غربي في كابل لـ «الشرق الأوسط»، كنا نتوقع مزيدا من القلاقل من عناصر حركة طالبان المخلوعة، ولكن لم يحدث شيئا يذكر. وكشف ان بعض السفارات الغربية في كابل مارست ضغوطا على جبهة المرشحين المنسحبين من الانتخابات بقيادة المرشح عبد الستار سيرات. وبعد السفارة البريطانية، توجهت بعثة الصحافيين الى مركز التدريب المهني بكابل المدعوم من مؤسسات المانية وبريطانية، الذي يديره خالد نور زاد واحمد سروار، ومهمته تأهيل اللاجئين الافغان على حرف جديدة، مثل الكومبيوتر والانترنت وتعلم اللغة الانجليزية ومهن المعمار وكيفة ادارة الاعمال الخاصة. والمركز له فروع في هراة ومزار شريف وجلال اباد. وبدأ المركز في استقبال الافغان العائدين من باكستان وايران واوروبا في شهر مايو (ايار) 2002. ويقدم المركز مرتبات تشجيعية للمقبلين نحو 3 دولارات في اليوم الواحد. وتعرفت «الشرق الأوسط» على عدد من المجاهدين السابقين في صفوف التحالف الشمالي، من بينهم سيد عبد الله احد قادة المجاهدين من وادي بانشير، علامات الزمن ما زالت مرسومة على وجهه، وهو متخصص في تصليح الساعات، ولكنه بعد دورة التدريب المهني يأمل اليوم في ادارة متجر لبيع الهواتف الجوالة، وكذلك سيد نصير من وادي وارداك الذي يواظب على دورة في علوم الكومبيوتر.

ويقول أحد اللاجئين الافغان في مركز التدريب المهني: «لقد عدنا من باكستان بعد ان استمعنا الى نداء الرئيس كرزاي، ولكن حتى الآن، فإن أكثر الوعود لم تتحقق». ويضيف: «بعد الانتخابات الرئاسية نعرف ان هناك فرقا كبيرا بين وعود الناخبين وبين قدرتهم على تحقيق تلك الوعود على ارض الواقع». ويوضح: «ليس لدينا تلفزيون او راديو لنستمع الى البرامج الانتخابية للمرشحين للانتخابات». الا انه يرد على سؤال لـ «الشرق الأوسط» بأنه اعطى صوته مثل الآلاف غيره من اللاجئين الافغان المقبلين من ايران وباكستان الى الرئيس كرزاي.

اما ابرز القصص الانسانية المؤثرة في مركز التدريب المهني في كابل، فهي للاجئ افغاني وطالب لجوء السياسي في بريطانيا اضطرته ظروف الحرب للفرار من قبضة حركة طالبان لدفع 13 الف دولار للحصول على جواز سفر مزور للقدوم الى بريطانيا، حيث عمل في محل لبيع البيتزا بمدينة ليدز، الا ان وزارة الداخلية البريطانية رفضت طلبه للجوء السياسي بعد سقوط حركة طالبان بسبب انتفاء الاسباب التي قدم بسببها الى بريطانيا.

ويعترف محمد قاسم، انه كان عليه العمل في ليدز لأكثر من عامين ونصف لتوفير الـ 13 الف دولار قبل ان يفاجأ بقرار الداخلية البريطانية برفض طلبه.

وتبدو على وجهه علامات الالم، وهو يقص الرحلة الطويلة التي قادته من افغانستان الى موسكو ومنها الى بلجيكا حتى تم تهريبه في بطن احدى الشاحنات الى داخل الاراضي البريطانية. ولا يشعر محمد قاسم، احد مجاهدي صبغة الله مجددي، وهو اول رئيس للبلاد بعد نجيب الله، بالحزن لترحيله من بريطانيا، لأنه كان بعيدا عن اطفاله، وآجلا او عاجلا كان سيعود، وايضا لان معظم اللاجئين الافغان في بريطانيا رفضت طلباتهم بعد سقوط حركة طالبان في نهاية عام 2001 .