روسيا تصر على تدخل مجلس الأمن في التحقيق حول المتفجرات المفقودة

البنتاغون يلمح لاحتمال اختفائها خلال حكم صدام ومسؤول عراقى يؤكد «استحالة» ذلك

TT

تفاعلت ازمة اختفاء نحو 400 طن من المتفجرات العراقية من قاعدة عسكرية جنوب البلاد، اذ بعدما حاولت الادارة الاميركية التقليل من وقع الفضيحة داخليا وخارجيا، سعت امس الى التنصل منها تماما، مشيرة الى ان المتفجرات قد تكون اختفت خلال حكم الرئيس العراقي المخلوع صدام حسين، كما رفضت مشاركة الامم المتحدة في التحقيقات التي قررت فتحها حول الفضيحة. غير ان عالما عراقيا قال امس انه من المستحيل ان تكون المتفجرات سرقت قبل سقوط صدام في ابريل (نيسان) 2003، محذرا من تعرض مواقع اخرى مماثلة لعمليات نهب مشابهة. ومن ناحيتها، شددت موسكو امس على ضرورة مشاركة مجلس الامن الدولي في التحقيقات حول الموضوع. وقالت وزارة الدفاع الاميركية (البنتاغون) ان المتفجرات اختفت في ربيع 2003، مشيرة الى ان فترة الاختفاء تقدر بأسابيع قبل سقوط بغداد فى يد الاميركيين واسابيع بعد سقوطها. واوضح مسؤولون في البنتاغون ان التحقيقات التي بدأتها واشنطن حول الموضوع تشير الى ان المتفجرات قد تكون اختفت خلال حكم صدام. وتتعارض هذه التصريحات مع ما سبق واكده مسؤولون عراقيون من ان الاسلحة اختفت بعد سقوط بغداد وخلال عمليات النهب التي انتشرت في هذه الاسابيع المضطربة. ومن ناحيته، قال جون دانفورث سفير الولايات المتحدة في الامم المتحدة، ان هناك ضرورة فورية لمعرفة متى اختفت المتفجرات وماذا حدث لها. غير انه قال ان أفضل شيء هو أن يوكل هذا الامر الى مجموعة «مسح العراق»; وهي قوة مهام بقيادة وكالة الاستخبارت المركزية الاميركية «سي. اي. ايه» كانت قد اخفقت في العثور على اسلحة الدمار الشامل في العراق التي كانت ذريعة رئيسية للغزو الذي قادته الولايات المتحدة العام الماضي. وقال دانفورث انه فيما يتصل بفكرة مناقشة مجلس الأمن للموضوع «اعتقد انه من الاجدى الان للموضوع تتبع الحقائق بدلا من مجرد اجراء مناقشة بشأنها». وآخر مرة اثبتت فيها الوكالة الدولية للطاقة وجود كميات مختزنة من المتفجرات في منشأة القعقاع كانت في يناير (كانون الثاني) عام 2003 .

وكانت الوكالة تراقب المتفجرات كجزء من مسؤولياتها للتأكد من أن العراق لا ينشط أي برامج للاسلحة النووية أو الكيماوية أو البيولوجية. وقال مسؤول اميركي ان القوات الاميركية التي بحثت الموقع بعد ذلك باربعة شهور فتشت 32 مستودعا و 87 مبنى آخر ولكنها لم تعثر على متفجرات عليها ختم الوكالة. وقال المسؤول «من المحتمل أن يكون العراقيون اخرجوا المواد ووزعوها أو انها نهبت. من الصعب في هذه المرحلة القطع بشيء». ومنعت الوكالة من دخول معظم انحاء العراق منذ الحرب وتراقب من بعيد المواقع النووية التي كانت تراقبها بينما يسلبها الناهبون.

غير ان روسيا قالت امس ان مجلس الأمن يجب ان يباشر الموضوع. واوضح اندريه دينيسوف سفير روسيا في الامم المتحدة «انها مسألة يجب أن يتناولها مجلس الأمن»، داعيا المجلس الذي يضم 15 دولة الى مناقشة المتفجرات المفقودة وعودة مفتشي الامم المتحدة الى العراق. وقال دينيسوف «يتعين علينا ان نبحث امر اختفاء المتفجرات في العراق ورغبة البعض على الاقل من المسؤولين العراقيين في استئناف عمليات التفتيش». وروسيا مثل الولايات المتحدة عضو دائم في مجلس الأمن الدولي ولها حق النقض. ومن ناحيته، قال محمد الشرع من دائرة الرقابة في وزارة العلوم والتكنولوجيا العراقية امس، ان «المسؤولين في موقع القعقاع اكدوا انهم كانوا موجودين فيه قبل السقوط ولم يتسرب منه حتى ورقة وقد تحدثت معهم بهذا الخصوص بعد» السقوط. واضاف «هناك شهادات رسمية صدرت بعد السقوط وقوات الائتلاف على علم بها.ان هذه المواد كانت موجودة في الموقع قبل السقوط».

وحذر الشرع من تعرض مواقع قريبة تحوي مواد مماثلة للنهب ايضا، مشيرا الى «شركة الميلاد في الاسكندرية ومواقع حطين واليرموك التي قد تكون نهبت ايضا». وتقع منشأة القعقاع قرب اللطيفية (45 كم جنوب بغداد) في شمال محافظة بابل، حيث بلدات المحمودية والاسكندرية التي كانت تشكل مجمعا عسكريا صناعيا ابان النظام السابق. يشار الى ان هذه المنطقة تشكل ما يطلق عليه اسم «مثلث الموت» حيث تكثر عمليات الخطف والقتل. وختم الشرع قائلا «قد يكون فات الاوان لتخليص هذه المواقع حيث يكثر فيها السارقون وقطاع الطرق بعيدا عن سيطرة القوات العراقية».

الى ذلك، ابلغ المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية محمد البرادعي مجلس الامن الدولي خطيا باختفاء المتفجرات. وقال البرادعي ان الوكالة الدولية تبلغت هي نفسها في العاشر من اكتوبر (تشرين الاول) من قبل وزير العلوم والتكنولوجيا العراقي بـ«اختفاء المتفجرات بعد التاسع من ابريل (نيسان) 2003 من خلال سرقة ونهب المنشآت الحكومية بسبب عدم توفر الحماية اللازمة للمتفجرات القوية التي كانت تؤمن لها الوكالة الدولية للطاقة الذرية هذه الحماية». واوضح ان المواد المسروقة هي «195 طنا من مادة اتش ام اكس التي كانت تحت اشراف الوكالة الدولة للطاقة الذرية و141 طنا من مادة ار دي اكس وستة اطنان من مادة بي اي تي ان، التي كانت الوكالة الدولية للطاقة الذرية تؤمن الحماية لمستودعاتها». وكانت الوكالة تأكدت من وجود هذه الكميات في الموقع في يناير (كانون الثاني) 2003 .

وقال خبراء في الاسلحة ان هذه المتفجرات التي يمكن استخدامها كمفجر لقنبلة نووية أو لنسف طائرة، يخشى استخدامها في الهجوم على القوات التي تقودها الولايات المتحدة أو القوات العراقية في العراق أو يتم تهريبها خارج البلاد لتباع الى ارهابيين أو دول لها تطلعات نووية مثل دولة ايران المجاورة.

وعلى صعيد ذي صلة، أعلنت شبكة «سي بي إس» الأميركية عزمها تخصيص حلقة من برنامج «ستون دقيقة» الشهير لتسليط الضوء على اخفاق إدارة الرئيس بوش في مسألة اختفاء المتفجرات. وقال جيف فاغر المنتج المنفذ للبرنامج في بيان، إن الحلقة ستبث مساء الحادي والثلاثين من الشهر الجارى اى قبل يوم واحد من انطلاق الانتخابات الرئاسية. ولم يعرف بعد ما سيقدمه البرنامج من جديد عن القضية التي نشرت معظم تفاصيلها صحيفة «نيويورك تايمز». ورأى معلقون سياسيون أميركيون في شبكات تلفزيون أخرى ان توقيت بث البرنامج وتزامنه مع ما نشرته صحيفة «نيويورك تايمز» عن القضية ذاتها وهي الصحيفة التي أعلنت تأييدها للمرشح الديمقراطي جون كيري، لم يأت من باب الصدفة، بل في سياق السعي الحثيث لإسقاط الرئيس بوش وإيصال كيري إلى البيت الأبيض، خصوصا أن الصحف والمحطات الكبرى باستثناء عدد قليل منها لا تحظى بعلاقات ودية مع الإدارة الحالية.

وقالت مصادر إعلامية أميركية إن قصة اختفاء المتفجرات في منشأة القعقاع العراقية وصلت في البداية إلى محطة «سي بي إس» المعروفة بتحقيقاتها المثيرة للجدل، ولكن القصة كانت قيد الإعداد عندما وجدت طريقها إلى صحيفة «نيويورك تايمز».

ومن ناحيته، كشف المحلل السياسي الأميركي كليف ماي عن حرب تدور في الخفاء بين إدارة الرئيس بوش ومدير الوكالة الدولية للطاقة الذرية. ونقل كليف ماي في حوار تلفزيوني عن مصدر حكومي اتهاما للبرادعي بأنه يقف وراء نشر تقرير «كاذب» عن قضية اختفاء المتفجرات في العراق. وأضاف ماي الذي يعمل رئيسا لمؤسسة «الدفاع عن الديمقراطية» المعروفة بروابطها القوية مع الجمهوريين، أن المصدر الحكومي وصف البرادعي بأن لديه روحا عدائية تجاه الولايات المتحدة.

وفسر ماي تسريب البرادعي المزعوم لنبأ اختفاء تلك المواد في وقت حرج من الحملة الانتخابية الأميركية، بأنه لا يرغب في بقاء الرئيس بوش في الرئاسة لفترة ثانية لأنه على حد تعبير ماي وجد معارضة أميركية قوية للتجديد له في منصبه مديرا للوكالة الدولية للطاقة الذرية.