عسكريون أميركيون يصفون نهب المتفجرات من منشأة القعقاع: لم تكن لدينا أوامر بحماية الموقع والسراق كانوا أكثر

TT

في الأسابيع التي أعقبت سقوط نظام الرئيس العراقي المخلوع صدام حسين العام الماضي نقل نهابون عراقيون ذخائر شديدة الانفجار في شاحنات صغيرة (بيكاب) من منشأة القعقاع العسكرية، وفقا لما اكدته مجموعة من العسكريين الاحتياط في الجيش والحرس الوطني الأميركي كانوا شهودا على عملية النهب.

واوضح هؤلاء العسكريون ان ما يقرب من 12 من افراد القوات الأميركية كانوا يقومن بحراسة الموقع لم يستطيعوا منع أعمال السرقة لأن عددهم كان أقل من اللصوص. وقال العسكريون التابعون لوحدة مركز الدعم 317 الذي يتخذ من فيزبادن في ألمانيا قاعدة له انهم أرسلوا رسالة الى القادة العسكريين في بغداد طلبوا فيها مساعدتهم لحماية الموقع ولكنهم لم يتلقوا ردا.

وتدعم روايات الشهود لأعمال النهب، وهي الأولى التي يقدمها عسكريون أميركيون، المزاعم التي تقول إن الجيش الأميركي أخفق في حماية الاعتدة والذخائر الخطيرة المنهوبة. وفي الشهر الماضي أفادت الوكالة الدولية للطاقة الذرية والحكومة العراقية المؤقتة بأن ما يقرب من 380 طنا من المتفجرات العالية النوعية قد أخذت من منشأة القعقاع بعد سقوط بغداد في التاسع من ابريل (نيسان) 2003. وتعادل قوة انفجار هذه الذخائر قوة تفجير سلاح نووي.

وخلال الأسبوع الماضي عندما تحول الكشف عن المتفجرات الى قضية في حملة الانتخابات الرئاسية الاميركية، أشارت ادارة الرئيس جورج بوش الى أن الذخائر يمكن أن تكون قد نقلت من قبل قوات صدام حسين قبل أن تبدأ الحرب. وقال مسؤولون في وزارة الدفاع في وقت لاحق: ان القوات الأميركية دمرت مئات الأطنان من المتفجرات في منشأة القعقاع بعد سقوط بغداد.

وعندما سئلت عن تقارير الجنود، قالت المتحدثة باسم وزارة الدفاع روز آن لينتش أول من أمس: «نحن نأخذ ما ورد في التقارير عن المواد المفقودة على محمل الجد. ونحن نحقق في وقائع وظروف هذا الحادث».

ووصف العسكريون الاميركيون الذين ينتسبون الى وحدتين مختلفتين كيف ان العراقيين سرقوا متفجرات من المخابئ غير المحمية قبل التحرك بشاحنات صغيرة من طراز تويوتا.

وقال أفراد القوات الأميركية انه لم يكن لديهم ما يكفي لمنع نهب موقع الذخيرة الذي يقع على بعد 30 ميلا جنوب بغداد.

وقال احد الضباط غير المكلفين ممن كانوا في الموقع أواخر ابريل 2003 «كنا نركض من جانب من المجمع الى الجانب الآخر محاولين ابعاد الناس».

وأضاف انه «في آخر يوم لنا هناك كان هناك ما لا يقل عن 100 عربة بانتظارنا في الموقع للمغادرة، ولهذا كان بوسع السراق ان يدخلوا ويأخذوا الذخيرة».

وقال ضابط آخر «كانت فوضى عارمة. كان نهبا شبيها بما حدث في لوس انجليس خلال اعمال الشغب في رودني كين».

وقال هذا الضابط وعسكريون آخرون تحدثوا الى صحيفة «لوس انجليس تايمز» اشترطوا عدم ذكر هوياتهم، انهم يخشون الانتقام من وزارة الدفاع.

وقد بثت محطة تلفزيون في ولاية مينيسوتا الأسبوع الماضي شريط فيديو عن القوات الأميركية التابعة للفرقة 101 المحمولة جوا وهم يستخدمون آلات لقطع أختام سلكية تركتها الوكالة الدولية للطاقة الذرية في القعقاع، وهو دليل على أن متفجرات عالية النوعية بقيت داخل مخبأ واحد على الاقل لمدة اسابيع بعد بدء الحرب.

وكان تاريخ الشريط يوم 18 ابريل 2003 وقد سجل بينما كان جنود الفرقة 101 يفتشون القعقاع بحثا عن اسلحة كيماوية وبيولوجية. وكانت الوكالة الدولية للطاقة الذرية قد وضعت اختاما على تسعة من المخابئ في المجمع، حيث وجد المفتشون متفجرات عالية النوعية. واحتوت مخابئ اخرى على ذخيرة اكثر تقليدية.

وبعد فتح المخابئ، وبينها واحد يحتوي على متفجرات عالية النوعية، تركت القوات الأميركية المخابئ بدون حماية حسب ما أوردته المحطة التلفزيونية.

ووفقا لما قاله الجنود الأربعة، وهم منتسبو مركز الدعم 317 ومركز عمليات المناطق الخلفية 258، ووحدة الحرس الوطني التي تتخذ من أريزونا مقرا لها، فان اعمال النهب في القعقاع جرت خلال عدة أسابيع اواخر ابريل وأوائل مايو(ايار) من العام الماضي.

وكانت الوحدتان قرب القعقاع في قاعدة تعرف باسم منطقة الدعم اللوجستي. وقال جنود من الوحدتين انهم ذهبوا الى موقع الذخيرة مباشرة بعد مغادرة القوات القتالية التابعة للفرقة 101 الجوالة جوا.

ولم يستطع العسكريون الذين قابلتهم الصحيفة تأكيد أن متفجرات فعالة تعرف باسم اتش إم إكس وآر دي إكس كانت من بين الذخيرة التي نهبت. وقال أحد الجنود: ان القوات الأميركية كانت تراقب شاحنات اللصوص وهي تحمل بصناديق وضعت عليها علامة «هيكسامين»، وهو عنصر أساسي بالنسبة لمادة اتش إم اكس وقد نقلت بعيدا عن الموقع. وبسبب كونها غير متأكدة مما يعنيه «هيكسامين» بحثت القوات في وقت لاحق عن ذلك في الإنترنت وتعرفت على قوتها التفجيرية. وقال الجندي «اكتشفنا ان هذا كان من المواد التي يمنع التدخين قربها».

ووفقا لقائمة «نقاط مناقشة» وزعتها وزارة الدفاع الأسبوع الماضي، فانه عندما قام المفتشون العسكريون الأميركيون عن الأسلحة بزيارة القعقاع يوم 8 مايو 2003 وجدوا أن الموقع قد تعرض الى النهب والاخلاء والتخريب. ولم يعثر على مواد كانت تراقبها الوكالة الدولية للطاقة الذرية وفقا لما ذكرته «نقاط المناقشة».

وأكد مسؤول عسكري استخباراتي أميركي كبير بعض الجوانب التي ذكرها الجنود الأربعة. وقال المسؤول الذي كان يتابع المواقع التي يعتقد انها تحتوي على أسلحة كيماوية وبيولوجية، لم يوجد أي منها في العراق، ان موقع القعقاع كان «واحدا من المواقع الـ 200» المشتبه فيها في بداية الحرب، وعلى الرغم من المخزونات لم تكلف قوات أميركية على وجه التحديد بحراسة موفع القعقاع بعد أن غادرت الفرقة 101 الجوالة جوا.

وصادف أفراد من مركز عمليات المناطق الخلفية 258، المسؤول عن الأمن في قاعدة قريبة، عمليات النهب في القعقاع خلال دوريات الحراسة التي كانوا يقومون بها. وشاركت الوحدة المؤلفة من 27 جنديا في مساعدة قوات الدعم 317 على حماية الموقع، وفقا لما قاله الجنود.

وقال المسؤول الاستخباراتي الكبير انه لم يكن هناك أي امر لأية وحدة للقيام بحماية القعقاع، مضيفا انه كان لذلك العمل ان يلهي المصادر القتالية عن التقدم باتجاه بغداد.

وقال الضابط ان «الأمر كله يتعلق بالقوة القتالية، وكنا قوة قتالية محدودة». واضاف انه «اذا ما كان لدينا 150 ألفا فانني لست واثقا من أنه كان بوسعنا حماية مثل تلك المواقع التي تتطلب الوجود على مدار الساعة، وكان يعتقد ان مواقع قليلة في بغداد ضمنت مثل ذلك الأمن».

وقال ضابط في الحرس الوطني انه «لم يكن بوسعنا ان نقوم بمهمة الدفاع عن الموقع ما لم تكن لدينا القوات التي تنفذ تلك المهمة، ولم تكن لدينا مثل تلك القوات. ولم تكن مسألة حماية او عدم حماية القعقاع جزءا من المعادلة في الواقع. فلم تكن تلك المنطقة منطقة اهتمام عاجل».

وحدث بعض الارتباك في اواخر ابريل 2003 عندما أعاد القادة العسكريون الأميركيون في بغداد تكليفات بالمسؤولية العسكرية عن المنطقة المحيطة بالقعقاع ونقلها من وحدات الجيش الى فرقة المارينز الأولى التي كانت قد شاركت في الهجوم على بغداد واستولت أخيرا على الكثير من مناطق جنوب العراق.

ووفقا لمصادر المارينز فانه عندما تولت فرقة المارينز الأولى المهمة فان الوحدة القتالية لم يكن لديها ما يكفي من القوات لحماية مخازن الذخيرة المنتشرة وسط وجنوب العراق. وقالوا ان منشأة القعقاع تتسم بأهمية خاصة.

وقال ضابط كبير عمل في قيادة المارينز ببغداد في ذلك الوقت ان «ذلك الموقع ترك من جانب الفرقة 101 الجوالة جوا، ولم يكن هناك تسليم فعلي للمهمة من الفرقة 101 الى المارينز. ونحن نعرف ان هذه المواقع كانت تنهب ولكن لم يكن باستطاعتنا فعل شيء بشأن ما كان يجري من أعمال نهب».

وخلال الفترة نفسها وجد المارينز مستودع ذخيرة هائلا آخر قرب مدينة الديوانية الواقعة في الجنوب، وفقا لما قاله الضابط الكبير. وارسلوا رسالة الى مقر القيادة الأميركية في بغداد يطلبون فيها توجيهات بشأن كيفية الحفاظ على الموقع من أعمال النهب.

وأجاب القادة في بغداد ان على المارينز أن يحاولوا تفجير المستودع. وأجاب ضباط المارينز ان الموقع كان كبيرا جدا الى حد انه لم يكن ممكنا تدميره.

وقال الضابط ان القادة العسكريين في بغداد «لم يبدوا استجابة جيدة للموضوع. ولم تكن هناك خطة لمنع استخدام هذه الأسلحة ضدنا بعد عام من ذلك».

* خدمة «لوس انجليس تايمز» ـ خاص بـ«الشرق الأوسط»