لبنان: اليوم الأول من مناقشة البيان الوزاري لحكومة كرامي تميز بحملة انتقادات والمعارضة ركزت هجومها على العلاقات مع سورية

TT

لم تكن بداية جلسة الثقة النيابية سيئة تماماً على الحكومة اللبنانية الجديدة برئاسة الرئيس عمر كرامي، اذ نالت تأييد ستة نواب من اصل 11 تحدثوا في مستهلها قبل الظهر. بينما حجبها اربعة نواب واعلن آخر انه سيمتنع عن التصويت. وكان لقرار رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي النائب وليد جنبلاط التراجع عن كلمته التي كان وعد فيها بـ«كلام واضح» حول تهمة التآمر على سورية، اثر كبير في التقليل من «الاجواء المعادية» للحكومة. وقد غاب جنبلاط عن افتتاح الجلسة، ولكن علم ان ثلاثة من اعضاء كتلته (اللقاء الديمقراطي) سيلقون كلمات خلال انعقاد الجلسة.

مع هذا، نالت الحكومة حصتها من الانتقادات حتى من قبل الذين اعلنوا منحها الثقة، خصوصاً لجهة «نقص التمثيل» فيها. ووجه المعارضون سهام نقدهم الى العلاقات اللبنانية ـ السورية، مطالبين بتصحيح العلاقة مع دمشق ومنتقدين «سيطرتها على القرار اللبناني». وقد تدخل رئيس المجلس النيابي نبيه بري لدى القاء احد المعارضين كلمته لـ«يصوِّب» له رؤيته للقرار 1559 الداعي الى انسحاب القوات الاجنبية وحل الميليشيات، قائلاً ان رفض القرار 1559 هو موقف للمجلس النيابي والحكومة وان الذين دفعوا باتجاهه اتخذوا من تعديل الدستور لتمديد ولاية الرئيس اميل لحود «ذريعة». ولم يكن هذا القرار ـ كما قال بري ـ استجابة لطلبات المعارضين. كانت الجلسة قد استهلت بتلاوة البيان الوزاري للحكومة الذي «لا يعد بالمعجزات، انما بالعمل خلال عمرها القصير على تخفيف الازمة المعيشية والاجتماعية». وطرح البيان الذي تلاه الرئيس كرامي عناوين السياسة التي ستتبعها الحكومة وابرزها «القضاء على الفساد في الادارة وتعزيز استقلالية القضاء ووضع مشروع قانون جديد للانتخاب يعتمد معياراً واحداً يساوي بين جميع اللبنانيين ومتابعة تنفيذ اتفاق الطائف بالتعاون والتوافق مع الشقيقة سورية».

وكان وزير الاشغال العامة السابق، النائب نجيب ميقاتي، اول المتحدثين عن مضمون البيان الوزاري، واصفاً نفسه بـ«الناقد البناء». فدعا الى «رؤية موضوعية للحكومة» مذكراً بـ«دقة الوضع الاقليمي والضغوط الخارجية على لبنان وسورية لدفعهما الى تغيير الثوابت في قضية الصراع العربي ـ الاسرائيلي». وسجل للحكومة التزامها «الثوابت اللبنانية» في التعاطي مع القرار 1559، مؤكداً التمسك بـ«خصوصية العلاقة مع سورية» ومشدداً على تطبيق المعاهدة اللبنانية ـ السورية كناظم اساسي للعلاقة بين البلدين «ما يعفينا من اقحام سورية في المسائل الداخلية. ويجنبنا ان يستقوي احد بها لتغطية سياسات خاطئة». واعلن منح نواب كتلة الشمال التي ينتمي اليها الثقة للحكومة.

أما النائب مخايل ضاهر فقد شجب محاولة اغتيال الوزير السابق النائب مروان حمادة الشهر الماضي. ورحب باشراك المرأة في الحكومة، لكنه رأى ان ما خفف من وهج هذه المشاركة «هبوط وزراء بالمظلة» معتبراً ان مواجهة الظروف القائمة كانت تقتضي وصول «ممثلين حقيقيين لكل المناطق». وشدد على انجاز قانون عادل للانتخاب، معلناً انه سيمنح الحكومة الثقة.

واعتبر النائب نعمة الله ابي نصر ان «الكل مسؤول عما وصلنا اليه، اهل الحكم عبر اساءة استعمال السلطة واهل المعارضة لفشلهم في ايجاد البديل». وطالب الحكومة بالاستقالة فوراً والاتيان بحكومة اتحاد وطني على غرار ما طلبه من حكومة الرئيس رفيق الحريري عندما اتت الى المجلس في ابريل (نيسان) 2003 لنيل الثقة. كما طالب بالعفو عن قائد «القوات اللبنانية» المحظورة سمير جعجع المسجون منذ 10 سنوات وبعودة العماد ميشال عون من منفاه في الخارج.

واستبعد ابي نصر ان تكون الحكومة قادرة على مواجهة التحديات التي فرضها القرار 1559، مشيراً الى انه «اذا كانت سورية تريد اظهار اللبنانيين بمظهر العاجزين عن حكم انفسهم لتبرير سيطرتها عليهم، الا انها فشلت في الوقت نفسه في اثبات قدرتها على مساعدة اللبنانيين في بناء دولتهم من خلال التفويض الاميركي لها في لبنان» مشيراً الى انه لا يستغرب رهان البعض على القرار 1559 والتدخل الخارجي ومحذراً بشدة من تحول لبنان «كرة تتقاذفها المصالح الدولية والاقليمية» واعلن انه سيمتنع عن منح الحكومة الثقة.

وكرر النائب نسيب لحود (رئيس حركة «التجدد الديمقراطي» المعارضة) وصف الحكومة بانها «حكومة تمديد للأزمة والنهج المدمر الذي قاد البلاد الى هذا المستوى»، معتبراً انه «لن يشفع بها شخص رئيسها الذي نحترمه ولا مزايا بعض اعضائها». ثم قال: «ان المشكلة الاساس هي ان مجلس الوزراء ليس السلطة التقريرية في البلاد منذ اكثر من 10 سنوات (...) فهو بات واجهة شكلية للسلطة الحقيقية الموجودة في مكان آخر» معتبراً «ان النظام الامني ـ السياسي ـ القضائي الذي انقلب على الطائف (...) يستظل النفوذ السوري والوجود العسكري والامني في لبنان». ورأى ان هذا «يلحق ضرراً كبيراً بلبنان وسورية». وتابع «ان هذا التداخل يجعل جزءاً كبيراً من القرارات الاساسية التي يجب ان يتخذها اللبنانيون انفسهم من مسؤولية دمشق اولاً» معتبراً ان تعديل الدستور ثلاث مرات خلال 10 سنوات مثال على هذا.

وانتقد لحود «ضيق الرؤية للادارة السورية للبنان حيث يطغى الشأن الاقليمي على اي شيء آخر». ورأى «ان هذا النمط من العلاقات اللبنانية ـ السورية لا يتمتع بأي مناعة او حصانة حيال التقلبات في العلاقات الدولية»، مشيراً الى ان هذا النمط من العلاقات الثنائية اصبح عبئاً ثقيلاً على سورية ومبعث ادانة دولية وذريعة ضغط وتهديد وعزلة كما في القرار 1559».

ثم طالب لحود بـ«الانتقال من ادارة سورية للبنان الى ادارة لبنانية للبنان (..) بالوسائل الديمقراطية والحوار بين اللبنانيين (..) وبالتفاهم مع سورية بما يكفل مصالحها الاستراتيجية المشروعة ويمهد لشراكة استراتيجية فوق الشبهات». ودعا الى اعادة الاعتبار لاتفاق الطائف ووقف «الانحراف القائم حالياً نحو نظام رئاسي في المظهر وامني في الجوهر» مشدداً على «اننا نريد انتخابات حرة ونزيهة فعلاً وليس قولاً، تحت اشراف نزيه ومحايد». واعلن ان كتلته ستحجب الثقة عن الحكومة.

ووجه النائب سليم سعادة (الحزب السوري القومي الاجتماعي) انتقادات عنيفة للمعارضة، معلناً باسم كتلته اعطاء الثقة للحكومة «بدون تردد».

وفي المقابل، رأى النائب فارس سعيد (عضو «لقاء قرنة شهوان» المسيحي المعارض) ان السلطة «تحطم صورة لبنان داخلياً وخارجياً»، رافضاً «تهشيم المؤسسات لتبرير الوصاية السورية». واشار الى ان «البعض يؤله المقاومة اليوم ويبحث عمن يصفيها غداً، فيما نحن نريد مساعدتها والأخذ بيدها للانتقال الى مرحلة اخرى تجنبها الاستهداف الخارجي».

وعرض النائب وجيه البعريني الاوضاع الاقليمية والدولية الضاغطة على لبنان وسورية، مشدداً على «تعميق التنسيق مع سورية في كل المجالات». واعلن تأييده لما ورد في البيان الوزاري ومنح الحكومة الثقة «نظراً للظروف التي تمر بها البلاد».

ورأى النائب سامي الخطيب (كتلة البقاع الغربي) ان البيان الوزاري «لافت بصراحته وشموليته ويستند الى رؤية ثاقبة للواقع السياسي والاقتصادي والامني والمالي». مشدداً على ان «اهم واخطر قضية تواجهها هي استعادة ثقة الناس بالدولة ومؤسساتها» معلناً منحه الثقة للحكومة.

ووصف النائب ناظم الخوري البيان الوزاري بانه «طموح» لكنه اخذ على الحكومة «النقص التمثيلي على تنوعه»، معتبراً ان «قوى سياسية عدة غيبت .. ونحن في امس الحاجة للجميع للنهوض بالبلد». وشدد على علاقة «متينة وطبيعية» بين لبنان وسورية، رافضاً «حشر سورية في زواريبنا الداخلية واستقواء فريق لبناني بالسوريين على فريق آخر». واعلن انه لن يمنح الحكومة الثقة.

واعتبر النائب جمال اسماعيل ان «الحكومة دخلت معركة غير متكافئة» وان المهمة امامها «صعبة للغاية» معلناً منحها الثقة. وانتقد اسماعيل بشدة «المراهنين على الخارج» مشيداً بالدور السوري في لبنان، ومعتبراً ان العلاقات بين لبنان وسورية «ليست شأناً دولياً».

ورأى النائب المعارض بيار الجميل ان الحكومة الجديدة هي محاولة للنهوض بالبلد بالطريقة نفسها القائمة منذ 14 سنة (بعد انتهاء الحرب) والتي ادت الى الخراب، منتقداً تعديل الدستور لتمديد ولاية الرئيس اميل لحود، ومعتبراً ان هذه الممارسات «أدت الى الركود الاقتصادي وانتشار الفساد في كل مكان». وقال الجميل: «ان لبنان لا يزال يدار من الخارج بالطريقة نفسها التي كان يدار بها» معتبراً انه «دولة معطلة السيادة حتى اشعار آخر». واعلن انه لا يرى في هذه الحكومة «ما يبشر بالخير». واعلن حجبه الثقة عنها.