انتخابات 2004 كرست انقسام المجتمع الأميركي

TT

بغض النظر عما ان كان جورج بوش قد تمكن بعد اربع سنوات، اتسمت بالاضطراب والعنف من توسيع قاعدة مؤيديه، فقد أحدث انقساما في الولايات المتحدة ازاء الكثير من القضايا، مثلما حدث في انتصاره المثير للجدل على منافسه السابق آل غور في انتخابات الرئاسة لعام 2000.

وباستمرار سيطرة الجمهوريين على مجلس النواب والشيوخ يصبح بوش في موقف يمكنه من المضي قدما في تنفيذ اجندته بقوة. ولم تختلف النتيجة كثيرا في ما يبدو عن الفارق الضئيل في انتخابات عام 2000. وعند حساب كل الاصوات، أشارت النتائج الى ان هناك ثلاث او اربع ولايات تحولت عن موقفها السابق منذ تلك الانتخابات.

وأول من أمس كانت الخارطة الانتخابية منقسمة بالتساوي تقريبا الى الاحمر (الجمهوري) والازرق مع سيطرة بوش على الجنوب والسهول العظمى وماونتين ويست، بينما تركز تأييد كيري، مثلما حدث مع آل غور عام 2000، في ولايات الشمال الشرقي وساحل المحيط الهادي. وكانت ولايات الغرب الاوسط الاكثر سخونة لكنها حسمت ـ كما هو متوقع ـ للجمهوريين.

السباق الرئاسي اكد اذن قوة الخلافات الاقليمية والثقافية التي تؤدي دورا في صياغة السياسة الاميركية المعاصرة. فبعد خسارته لأصوات جمهور الناخبين عام 2000، أصبح بوش هذه المرة أول رئيس اميركي منذ عام 1988 يتعدى عتبة الـ50 في المائة من الأصوات. إلا ان استطلاعات للرأي اجريت مع الناخبين عقب الاقتراع أشارت الى انه على الرغم من ان بوش لا يزال يتمتع بتأييد واسع من قاعدة الناخبين المحافظين، فإنه لم يحرز سوى تقدم محدود في الوصول الى ناخبين آخرين خارج دائرة المحافظين. وقد نجح بوش في حشد ائتلاف واسع من الناخبين، كما حدث عام 2000، يضم المحافظين وناخبي الريف فضلا عن اشخاص لهم اهتمام بموقف ادارة بوش إزاء تصاريح اصحاب الاسلحة بالاضافة الى الذين يترددون على الكنائس بانتظام. وفي الجهة الأخرى فإن ائتلاف مؤيدي كيري في كل هذه الجبهات يمثل الوجه المقابل لبوش. فقد وجد قبولا أكبر وسط العزاب، وسكان المدن وأولئك الذين لا يملكون أسلحة شخصية ولا يؤمون الكنيسة بصورة منتظمة. ووجد كيري كذلك دفعة كبيرة من المصوتين لأول مرة، وأغلبهم من الشباب الذين انحازوا إليه بصورة واضحة.

منذ عام 2000 استطاع بوش أن يحقق بعض المكاسب وسط بعض الفئات الاجتماعية، وخاصة اللاتينيين والنساء اللائي لم يحصلن على دراسة جامعية. لكن اتضح انه فقد بعض الاصوات وسط الناخبين الجامعيين والشباب. ومع تحول هذه الفئات بدت البلاد وكأنها تنقسم على اسس ثقافية، بصورة أكثر وضوحا مما كان عليه الأمر في الانتخابات الأخيرة. وفي الحملة الانتخابية التي أثبت فيها بوش صلابة عزيمته، تمسك مؤيدوه في الدوائر المضمونة وغير المضمونة بقوة القيادة باعتبارها الشرط الأكثر أهمية في تحديد مواقفهم. وفي استطلاعات الرأي القومية، ذكر أكثر من نصف مؤيدي بوش أن الصفات الشخصية المهمة في تحديد قرارهم هي القدرات القيادية والأمانة والاستقامة.

والأمر المدهش هو أن مؤيدي كيري لم يتمسكوا كثيرا بالصفات الشخصية في تحديدهم لمواقفهم. ولم يردد مؤيدو كيري أي صفة مركزية بنفس التواتر الذي كرر بها أتباع بوش صفة القيادة. وفي الاستطلاعات القومية كانت الصفة التي أشار إليها مؤيدوه هي مقدرته على التعاطف، وهي صفة تقليدية من صفات الديمقراطيين. لكن ربع المؤيدين فقط هم الذين أشاروا إليها. وقال بعض هؤلاء أن كيري سيزيد نسبة الاحترام العالمي لأميركا.

وأغلب هؤلاء الناخبين كانت أعمارهم بين 18 و28 سنة عام 2000. وبينما كان نصيبهم من مجموع الاصوات 1 من 6 عام 2000 فإن نصيبهم صار في هذه الانتخابات 1 من كل 5. ومع أن الشباب كانوا يتوزعون على المرشحين بنفس نسبة التصويت لدى الكبار، فقد مالوا هذه المرة شيئا ما نحو كيري أكثر مما فعل الكبار.

بعض الانقسامات الأخرى وسط هذه الأمة لم تكن سافرة تماما. فقد جاء الانقسام على أساس الجنسية ضئيلا نسبيا حسب الاستطلاعات التي أجرتها «لوس انجليس تايمز». وكشف الاستطلاع أن بوش حقق واحدا من الأهداف الإستراتيجية الخاصة به وهو نيل مزيد من الأصوات وسط اللاتينيين. وواحد من الاتجاهات المثيرة هو ميل الناخبين للاستقطاب على اسس ثقافية بدلا من اقتصادية. فقد بنى كيري على ما حققه آل غور، فحسن وضعه وسط خريجي الجامعات. ومن الناحية الأخرى حقق بوش أغلبية وسط أولئك الذين لم ينالوا تعليما جامعيا.

وبالمقارنة مع عام 2000 فإن مكاسب بوش واضحة وسط النساء المتزوجات، من غير ذوات التعليم الجامعي، واللائي تجاوبن مع فلسفته في تحقيق السلام عن طريق القوة، ورسالته الاجتماعية المحافظة.

* خدمة «لوس انجليس تايمز» ـ خاص بـ«الشرق الأوسط»