الحكومة اللبنانية الجديدة تسعى لتجاوز أزمة «الثقة الضعيفة» ووزراء يهاجمون «الإسفاف السياسي»

تجتمع اليوم برئاسة كرامي في غياب الرئيس لحود لأول مرة منذ 4 سنوات

TT

تعقد الحكومة اللبنانية الجديدة اليوم اول اجتماع لها بعد نيلها ثقة وصفت بانها «ضعيفة» من مجلس النواب السبت الماضي، وتسعى الى تجاوزها عبر التركيز على اقرار ملفات حياتية تخفف من الضغوط المعيشية والاقتصادية على المواطنين. ولن يحضر رئيس الجمهورية اميل لحود الجلسة الاولى للحكومة التي ستجتمع برئاسة الرئيس عمر كرامي خلافاً لما كان يبديه (لحود) من حرص على ترؤس كل الجلسات خلال تولي الرئيس رفيق الحريري رئاسة الحكومة منذ العام 2000.

وعلى جدول اعمال جلسة اليوم عدد من الموضوعات المستعجلة بدءاً من تثبيت سعر صفيحة المازوت وحل قضية الاساتذة المتعاقدين. ويستبق كرامي الجلسة باجتماعين سيعقدهما مع وزير الطاقة والمياه موريس صحناوي ورئيس مجلس ادارة مؤسسة كهرباء لبنان كمال حايك لبحث قضية تأمين مادة الفيول لمعامل توليد الطاقة الكهربائية.

وفي موازاة انطلاقة العمل الحكومي، لم تغب تداعيات جلسة الثقة النيابية وما تخللها من انتقادات للحكومة. وأكد مرجع نيابي لبناني لـ«الشرق الأوسط» ان الثقة التي نالتها الحكومة كانت اكثر من مقبولة، فهي نالت 59 صوتاً مقابل 24، باعتبار ان المادة 85 من النظام الداخلي لمجلس النواب تنص على عدم احتساب الممتنعين عن التصويت.

وتمنى البطريرك الماروني نصر الله صفير على الحكومة اللبنانية الجديدة «ان تتحسس الفراغ الناجم عن سوء الحال والتخلف والهجرة وان تعمد الى التخطيط لمداواته بدءاً من قانون انتخابي يمكّن اللبنانيين من انتخاب من يرون فيه الكفاءة بحرية تامة».

وقال صفير في عظة الأحد التي القاها امس «نحن نشكو ما نشكو منه سوء حال وتخلف وهجرة تجرف الادمغة الخلاقة في صفوف اجيالنا الطالعة. ولا ندري ما اذا كان سيقدر لها ان تعود الى لبنان وعسى ان تتحسس الحكومة الجديدة هذا الفراغ فتعمد الى التخطيط لمداواته بدءاً من وضع قانون انتخابات يمكّن اللبنانيين من انتخاب من يرون فيه الكفاءة بحرية تامة ويعرف هو في الوقت ذاته بأن هناك محاسبة تطاوله في حال اساءته الامانة».

ونصح الرئيس السابق للحكومة الدكتور سليم الحص كرامي بأن يجعل في مقدمة برنامج عمل الحكومة نقطتين، «المبادرة فوراً الى وضع مشروع قانون انتخاب يكون في مستوى الانجاز الوطني الحقيقي، والدعوة الى اجراء الانتخابات النيابية في 31 مارس (آذار) 2005، اي في اقرب وقت ممكن، مع تبني مشروع قانون معجل بتقصير ولاية المجلس بحيث تنتهي في 8 ابريل (نيسان) 2005، اي بعد خمسة اشهر من اليوم بدلاً من نحو سبعة اشهر كما هي الحال، ويجب ان يكون انجاز الحكومة الاكبر اجراء انتخابات نزيهة وعادلة».

وشن امس وزير الدولة ألبير منصور هجوماً عنيفاً على منتقدي الحكومة وما ادلى به عدد من النواب في جلسات الثقة، مشيراً الى انه «اذا كانت هناك مآخذ كثيرة على عهد رئيس الجمهورية اميل لحود، فإن حسنة كبيرة سجلت له بعد تمديد ولايته وهي اخراج الحرامية (اللصوص) خارج الحكم ولو لستة اشهر»، وهو عمر الحكومة الجديدة التي يرأسها عمر كرامي. واستغرب منصور كلام النائب باسم السبع عن وجود عشرة وزراء في الحكومة تخصصوا في كتابة التقارير وتوزيع النسخ عنها على غير جهاز من الاجهزة الامنية، مشيراً «الى انه (أي السبع) امضى سنوات في الحكم، وربما يعرف من الذي يكتب التقارير»، مستطرداً بأن «جميع الذين يحملون اليوم على الاجهزة الامنية امضوا 12 سنة في السلطة وكانوا مثل «الواوية» (ابناء آوى) امام هذه الاجهزة». كما لم يوفر منصور الوزير السابق النائب فارس بويز في ردوده، اذ علق على ما قاله الأخير بأن من الافضل ان تشكل حكومة من رؤساء الاجهزة الامنية وكتبة التقارير، متسائلاً «من أتى ببويز الى الحكم.. هل هي القوى الشعبية؟».

وقال منصور في حديث تلفزيوني امس انه «كان بالامكان الرد على النائب السبع حين تحدث في البرلمان عن وجود اشباه وزراء في الحكومة بالقول ان هناك ايضاً اشباه نواب، وصلوا الى النيابة بواسطة المحادل والحافلات» في اشارة الى التحالفات في الانتخابات النيابية. وتمنى على وسائل الاعلام عند الحديث عن حصول الحكومة على ثقة هزيلة لم تتعد الـ 59 صوتاً ومعارضة 50 ان يقال «ان اثنين عارضاها هما رئيس الحكومة السابق رفيق الحريري ورئيس الحزب التقدمي الاشتراكي النائب وليد جنبلاط، باعتبار ان البرلمان تتوزعه خمس كتل رئيسية هي بالاضافة الى كتلتي الحريري وجنبلاط، كتلة رئيس البرلمان نبيه بري، وكتلة «حزب الله»، وكتلة نواب الشمال التي تضم وزير الداخلية سليمان فرنجية». ولفت الى انه «سعيد بأن يكون تسعة وخمسون نائباً قد منحوا الثقة فقط».

وأوضح منصور «ان الدولة الامنية التي يحكى عنها لم تبدأ مع عهد لحود بل بدأت من العام 1992 حين تم الانقلاب على الطائف»، لافتاً الى «انعدام المصداقية عند الذين عارضوا التمديد للرئيس لحود اليوم فيما عملوا وجهدوا للتمديد لرئيس الجمهورية السابق الياس الهراوي، وكذلك للعماد اميل لحود حين كان قائداً للجيش لابقائه في منصبه».

وفيما شدد منصور على «ان هدف الحكومة الأول هو اقرار نظام انتخابي عادل يطبق على الجميع من دون استثناء«، معتبراً «ان هذا الامر هو اساس الاصلاح السياسي في لبنان»، تطرق الى موضوع موازنة الدولة المالية للعام 2005 آخذاً على وزير المال السابق فؤاد السنيورة «ان يلحظ في الموازنة التي وضعها قبل استقالة الحكومة التي كان عضواً فيها بالغاء الصناديق كصندوق المهجرين، ومجلس الجنوب، ومجلس الانماء والاعمار، وهيئة الاغاثة العليا»، معتبراً «ان شعور السنيورة بقرب رحيله جعله يستفيق على هذه الصناديق بعد ان جرت الاستفادة منها طيلة سنوات». متهماً وزراء في الحكومة السابقة بصرف أموال من وزاراتهم خلال الشهر الذي سبق اعلان الحكومة الجديدة يوازي ما صرفوه خلال 12 شهراً».

واستعار منصور زحف الجراد الذي اجتاح مناطق لبنانية في الايام الماضية ليقول «إن الجراد الذي حكم 12 سنة أكل الأخضر واليابس وحين جاء الجراد اليوم لم يجد شيئاً ليأكله».

واعتبر وزير المهجرين طلال ارسلان «ان المستوى الاخلاقي للخطاب السياسي داخل المؤسسات وخارجها، يجعلنا نترحم على الماضي وعلى الاخلاق السياسية، فالصراع على السلطة كان يومها صراع افكار لا صراع اوكار، لأن لبنان كان مرتع الفكر ومنارة الشرق، لا اوكار للتحريض والتحريف والتجني المجاني والنعرات والنفور».

ورأى في تصريح ادلى به امس «ان ما نسمعه على بعض الالسنة داخل المجلس النيابي وخارجه، يخرج عن الاصول البرلمانية العريقة في لبنان ويخرج عن آداب اللياقة، فكلمة نعم كما كلمة لا، وكلمة الموافقة كم كلمة الرفض يجب ان تترافق بالتبرير والبرهان والقرينة، لا بالاسفاف والابتذال»، لافتاً الى « ظاهرة طلب رئيس المجلس النيابي شطب اقاويل وتعابير عن محضر الجلسة المخصصة للثقة، بعد ان خرقت قواعد اللياقة والكياسة وبروتوكول التعاطي الحضاري». وقال: «ان مستوى الخطاب السياسي السائد حالياً في لبنان اشبه بالقصف وهو اشد ايلاماً على المجتمع من قذائف الحرب المشؤومة، وما لم يعمد بعض المعنيين به الى وقف اطلاق النار بالالسنة، فإن لهيب الخطاب التحريضي سيناسب من يريد التلاعب بالامن اللبناني والاستقرار اللبناني في هذا الزمان الصعب».

وشدد على انه سيعمل «على عودة كريمة للمهجرين»، وقال: «ونحن بذلك لا نرد على نهج ولا على سياسة سابقة ولا على اخطاء سابقة، بل نعكس ما نؤمن به وما نريده فعلاً، لأننا اذا حبسنا سياستنا في ردات الافعال، لا سمح الله، وقعنا ضحية المنافسة وضحية السباق الانتخابي».

وتحدث ارسلان عن «رفض البعض الدخول في الدولة لأن الدولة ليست على مزاجه السياسي» وقال: «الدولة والنظام والمؤسسات لا تسير بحسب الامزجة السياسية لبعض القوى السياسية، وخروج هذه القوى لا يعني اخراج الدولة واحراجها».

وبدوره ابدى وزير البيئة وئام وهاب (المقرب من ارسلان) ملاحظات حول النقاشات التي شهدها مجلس النواب والتي انتهت بالتصويت على الثقة للحكومة فأسف لـ «خلو معظم المداخلات النيابية لا سيما المعارضة منها من اي اقتراح جدي او عملي يتعلق بحل مشاكل الناس او يرشد الحكومة في العناوين الاقتصادية والاصلاحية التي تضمنها البيان الوزاري»، معتبراً ان «التصويت على الثقة يبين بوضوح صدقية القرار السوري بعدم التدخل في الشأن اللبناني الداخلي»، مشيراً الى ان «التصويت يبين ان الحكومة تمثل اكثرية نيابية واضحة وهي اطلقت اللعبة البرلمانية والسياسية في البلد لأنها لم تأت على شكل الحكومات السابقة صورة طبق الاصل للبرلمان وكتله الكبرى وهو ما كان يعطل العمل البرلماني والحياة السياسية»، مستغرباً ان «يسارع بعض ناقدي الحكومات السابقة من حزب القرار 1559 الى الهجوم على الحكومة الحالية من دون ان يسجلوا لها هذه الميزة التي طالبوا بها مراراً».

واعلن وزير الاشغال العامة والنقل ياسين جابر ان الحكومة «ستسعى لتحقيق المطالب الملحة للمواطنين وللمعلمين». وقال: «طبعاً ان جلسة الثقة النيابية اثبتت ان الديمقراطية في لبنان حية وبألف خير، وعلى كل حال اليوم فإن الرد بالافعال وليس بالاقو»، مشيراً الى انه امام الحكومة «مهمات صعبة والعمل في هذه الحكومة بالذات ليس وجاهة بل هو تضحية وفترة صعبة».