معتقلو غوانتانامو يمنحون 3 ساعات فقط لإقناع المحكمة ببراءتهم تذهب غالبيتها في طلب شهود لا يمكن توفرهم

TT

على كراسٍ ذات مساند خلفية قوية، يجلس سجناء تنظيم «القاعدة» وحركة طالبان موثوقي الأيدي بقيود متدلية حتى الأرض، في جلسة هي الفرصة الوحيدة التي تمنح لهم لإثبات براءتهم. وكان بعضهم قد قضى نحو ثلاث سنوات في سجن غوانتانامو الأميركي، وبعضهم الآخر خائف بشكل واضح في الغرفة الصغيرة التي يحتشد فيها مسؤولون عسكريون، بينما كان البعض الثالث يجمع بين الغضب والتحدي.

وتظهر التسجيلات أن مصعب عمر علي المودواني، الذي يشتبه في انه من «القاعدة» وتلقى تدريباً في أفغانستان، كان يتضرع متوسلا، ويستعطف المسؤولين العسكريين قائلا: «انظروا الى الأدلة بنزاهة».

ومن جهته، تساءل سعيد أحمد الصارم، الذي اعتقل أثناء القتال في منطقة تورا بورا الأفغانية، مرارا عن سبب «الانغلاق والقمع» اللذين يتميز بهما النظام القضائي العسكري الأميركي، وقال: «هل سيكون هناك محامون؟ هل سنكون قادرين على الاتصال بعائلاتنا؟»، ثم اضاف متأوها: «لن يتغير شيء».

أما علي حسين عبد الله التيس، الذي كان مرة في بيت بأفغانستان يتردد عليه أسامة بن لادن، فقد انفجر أمام سجانيه صارخا: «لماذا تسألونني أيها الأميركيون عن هذا، لماذا تعتبرون هذا من شأنكم، قولوا لي ما هو شأن الأميركيين؟».

وفي الأشهر الثلاثة الأخيرة كان مسؤولون عسكريون في قاعدة غوانتانامو بكوبا، حيث يوجد سجن «دلتا»، يديرون محاكم لمراجعة حالة المقاتلين تستمر جلساتها لمدة ثلاث ساعات. وقد بدأت الجلسات يوم 30 يوليو (تموز) الماضي بعد أن قضت المحكمة العليا الأميركية بأنه لا يمكن اعتقال السجناء لفترة غير محددة، واعتبرت أن من حقهم تحدي اعتقالهم.

ويحصل كل سجين الآن على جلسة استماع، تعد فرصته الوحيدة لإقناع المسؤولين الأميركيين بأن حالته لا تنطبق على وصف «المقاتلين الأعداء».

وقالت الكابتن بيسي برينتون، المتحدثة باسم وزارة الدفاع (البنتاغون): «اننا نتخذ خطوات اضافية للتأكد من أن السجناء يفهمون العملية وأنهم يمنحون فرصة جيدة للدفاع عن أنفسهم».

وفي جلسات الاستماع تقدم الحكومة في الغالب أدلة تشير الى صلات مباشرة مفترضة للسجناء مع «القاعدة» وأنهم تلقوا تدريبا في معسكرات بأفغانستان وأن كثيرين منهم ألقي القبض عليهم خلال الحرب التي شنت لإطاحة نظام طالبان بعد هجمات 11 سبتمبر (أيلول) 2001.

واعتبر معتقل مساعدا مقربا لأحد منفذي هجمات 11 سبتمبر. وألقي القبض على آخر وبحوزته رقم الهاتف الجوال الخاص بأبو زبيدة، المسؤول السابق عن عمليات «القاعدة» والمعتقل حالياً لدى الأميركيين.

واعتبر آخرون من الحراس الشخصيين لابن لادن. وأشير الى أن احدهم كان مع زعيم «القاعدة» قبل فترة قصيرة من اختفائه في كهوف تورا بورا.

وتفيد التسجيلات بأن المعتقل ممدوح إبراهيم أحمد حبيب، أبلغ المحققين الأميركيين بأنه ساعد على تدريب «عدد من منفذي هجمات سبتمبر على الفنون العسكرية وانه قد خطط لخطف طائرة» بنفسه.

ورغم ثقل مثل هذه الاتهامات، فان في الوثائق ما يشير الى أنه ليس لدى السجناء الكثير من المصادر في محاولتهم دحض تلك الاتهامات.

وفي بداية الأمر يسمح للسجناء بطلب إفادة من شهود ممن يمكن أن يقدموا لهم عونا، لكن الوثائق تظهر أن مثل تلك الطلبات غالبا ما ترفض باعتبارها «غير ذات صلة بالموضوع». كما أن الأدلة التي يمكن أن تبرئ السجناء، مثل سجلات المستشفى والأمور المتعلقة بالتأشيرة وجواز السفر، غالبا ما يتعذر العثور عليها من قبل السلطات الأميركية أو تعتبر من الأشياء غير المسموح بها.

فرضوان خالد مثلا، مواطن فرنسي ألقي القبض عليه بعد أن قضى صيف عام 2001 في بيت قرب كابل. ومن بين خمسة شهود أراد خالد الاتصال بهم، اعتبر واحد فقط «متيسرا»، في حين كان الأربعة الباقون، وهم من أقرانه السجناء السابقين، قد أعيدوا الى فرنسا.

وطلب خالد بعد ذلك أن يعرض في دفاعه جواز سفره والتأشيرة وتذكرة العودة من أفغانستان الى لندن التي كان يحملها عندما ألقي القبض عليه، على أساس أن ذلك يعزز موقفه من أنه لم يكن يعتزم البقاء في أفغانستان والمشاركة في القتال، غير أن القضاة أشاروا ببساطة الى أنه «جرى البحث عن هذه المواد في غوانتانامو ولم يعثر عليها».

وتحتوي الملفات أيضا على رسائل من أفراد العائلة تؤكد أن ذويهم ليسوا إرهابيين وتلتمس الإفراج عنهم. لكن ليست هناك مؤشرات على أنه كان ينظر الى الرسائل بجدية من قبل اللجنة العسكرية التي تضم ثلاثة عسكريين.

وقالت عائلة عدنان فرحان عبد اللطيف، اليمني الذي اعتقل في باكستان، انه جرح في حادث عام 1994 مما أدى الى كسور في الجمجمة وفقدان إحدى عينيه وفقدان السمع في إحدى أذنيه. وقالوا إنهم تلقوا ما يقرب من 12 رسالة قصيرة منه منذ اعتقاله، وأنه وصف في واحدة منها غوانتانامو باعتبارها «جزيرة جحيم».

ويبدو أن هيئات المحاكم لا تثق بمصداقية الشكاوى التي يتقدم بها المعتقلون والتي يشيرون فيها الى أنهم تعرضوا الى التعذيب من قبل الاستخبارات الأميركية وحراس السجن.

وقال ياسين قاسم محمد إسماعيل، اليمني الذي أشير الى انه كان برفقة بن لادن عندما أفلت زعيم «القاعدة» من الاعتقال، انه «كلما تحدثنا الى المحققين كنا نواجه العقاب». وأضاف: «كنا نتعرض الى الضرب والتعذيب. لم أتعرض الى الضرب وتلقي اللكمات فقط بل إنهم كسروا أنفي. وقد فعل الأميركيون ذلك بي. وعندما وصلت الى كوبا ضربت على وجهي في المكان الذي نتناول فيه الطعام، وضربت على كتفي وكان ذلك مؤلما جدا».

لكن اسماعيل كان يعرف ان اللجنة لن تصدقه، فقال لاعضائها: ««هذه اللجنة ليست قانونية. انها هيئة عسكرية، ولا يهم ما اقول. انها عسكرية وليس هناك قضاة».

وكان الصارم خائفا من أن يوضع في زنزانة خاصة يمكن أن يتعرض فيها الى الاذى. وأبلغ اللجنة العسكرية قائلاً: «ان حالتي العاطفية الآن تعكس مزاجي المتوتر عصبيا. إن وجودي في السجن يمنعني من قول ما أريد قوله. إنني اتحدث إليكم الآن وأنا خائف من أنكم قد تأخذونني الى جناح روميو أو الى أي من الأجنحة الأخرى». وهناك تدخل أحد أعضاء اللجنة قائلا: «هذا ليس غرضنا هنا. غرضنا هو التوصل الى الحقيقة». فقال له الصارم: «تلك هي الحقيقة».

لكن الجيش عبر عن قلق كبير من أن الكثير من السجناء لا يزالون يشكلون تهديدا للولايات المتحدة وحلفائها. وكان سلمان يحيى حسن محمد رعبيل، قد ألقي القبض عليه مع أفراد مجموعة أخرى من معسكر تدريب «الفاروق» في أفغانستان. وتظهر الوثائق أنه في التحقيقات التي أجراها معه ضباط استخبارات أميركيون «أبلغهم» بأنه لا يزال يقصد إيذاء أميركا، غير أنه في إفادته أمام المحكمة أنكر ذلك، وقال: «هذا افتراء بالكامل. انه أمر مثير للغضب. لم أقل مطلقا شيئا من قبيل إنني سأسبب الأذى أو التهديد للولايات المتحدة».

وتظهر الوثائق أن السجين الوحيد الذي أطلق سراحه حصل على حريته في سبتمبر الماضي، لكن وزارة الدفاع الاميركية ترفض الحديث عن اسمه أو سبب إطلاق سراحه من دون غيره من السجناء.