بوش ليس ريغان ولن يليّن سياسته الخارجية في ولايته الثانية

TT

تواجه الرئيس بوش سلسلة من القضايا المستعصية في فترة رئاسته الثانية، لكن المسؤولين في الادارة والخبراء، يقولون ان من غير المحتمل ان يغير المناهج الدبلوماسية الشرسة التي اثارت غضب اقرب الحلفاء وألقت مزيدا من الزيت على نار العداء لاميركا المشتعلة في كل انحاء العالم.

ويقول مسؤولو الادارة انهم يفكرون حاليا في بعض التغييرات في ما يتعلق بالاسلوب، وانهم سيمدون اياديهم للحلفاء الذين دفعوهم بالامس الى مواقع العداء. فبعد ان خلفوا الانتخابات وراء ظهورهم يأمل هؤلاء المسؤولون في ان تتغير مواقف كثير من الدول، التي كانت تحجم عن المساعدة او المشاركة، متوقعة ان يخسر بوش في انتخابات الرئاسة.

وستعتمد بعض هذه التغييرات في المواقف على احتمالات ازاحة اللاعبين الاساسيين في فريق بوش في فترته الرئاسية الاولى، مثل كولن باول ودونالد رامسفيلد، او بقائهم. فاذا حلت وجوه جديدة محل هؤلاء فان مراجعة السياسات تصبح امرا ممكنا، مع ان الاتجاه الاساسي سيحدده بطبيعة الحال الرئيس بوش ونائبه ديك تشيني، الشخصية ذات النفوذ العميق في السياسة الخارجية.

ومن الواضح ان التوتر مع الدول الاوروبية ما يزال مستمرا، ان لم يكن متصاعدا. فبعد يوم واحد من اعلان نتائج الانتخابات اعترفت ادارة بوش، على جناح السرعة بجمهورية مقدونيا، وهي واحدة من الدول الحليفة في العراق، متجاهلة موقفا دبلوماسيا اتخذ قبل 13 سنة لارضاء اليونان التي لم ترسل قوات الى العراق.

ويوم الجمعة غادر الرئيس الفرنسي جاك شيراك، الذي كان قد ارسل رسالة خطية لتهنئة الرئيس بوش على فوزه في الانتخابات، قمة اوروبية قبل الموعد المضروب لنهايتها، لاستقبال رئيس الوزراء العراقي اياد علاوي في باريس، مما اعتبر لطمة دبلوماسية للاخير.

وقال ريتشارد هاس، مدير السياسة الخارجية بوزارة الخارجية الاميركية خلال السنتين الاوليين من ادارة بوش، ان من النادر جدا ان يواجه رئيس اميركي مشاكل بهذا التعقيد في السياسة الخارجية. وقال انه بالاضافة الى وجود 135 الف جندي اميركي يخوضون الحرب في العراق، فإن على بوش ان يواصل الحرب ضد «القاعدة»، وان يواجه احتمالات حصول ايران على قنبلة نووية وان تتمكن كوريا الشمالية من تعزيز ترسانتها النووية، وان يعيد تقييم النزاع العربي ـ الاسرائيلي، بوضع الاعتبار لوفاة الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات، وان يجد حلا ما للتطهير العرقي في دارفور بالسودان.

واضاف هاس، وهو يعمل حاليا مديرا لمجلس السياسة الخارجية، ان بوش ستكون امامه خيارات محدودة، نسبة للعجز الهائل في الميزانية والاستدانة القياسية من الاقطار الاجنبية «وهو ما يعرف بالعجز الجاري في الميزانية»، وكذلك لأن جزءا هائلا من القوات الاميركية موجود حاليا في العراق. وعلق هاس قائلا: «الحرب الاختيارية في العراق قللت كثيرا من الخيارات المتاحة للسياسة الخارجية في اماكن اخرى من العالم، وخاصة المقدرة على اشعال حرب جديدة».

وكان الرئيس ريغان مكروها في العالم نسبة لمواقفه المتشددة من الاتحاد السوفياتي. لكنه غير موقفه اثناء الفترة الرئاسية الثانية ليتخذ موقفا اكثر مرونة وتسامحا. ويقول بعض الخبراء ان بوش، الذي يريد ان يخلد اسمه في التاريخ، سيكون اكثر براغماتية وخاصة في ما يتعلق بالمشاكل المنبثقة عن حرب العراق.

لكن فيليب غوردون، احد كبار الخبراء بمعهد بروكنغز، يقول انه لا يعتقد ان بوش سيحذو حذو ريغان، لأنه يعتقد ان تغيير هذا الاخير لموقفه كان ناتجا عن ظهور نمط جديد من الرؤساء السوفيات تمثل في ميخائيل غورباتشوف. ويضيف: «ما يفعله هذا الرئيس هو ما قال انه سيفعله. وقد اوضح رؤيته للعالم بصورة كاملة، ولا اعتقد ان من الصواب الاعتقاد انه سيغير تلك الرؤية للعالم من اجل تحسين العلاقة مع اوروبا او من اجل اي شيء آخر».

ولاحظ غاري شميت، مدير «مشروع القرن الجديد»، وهو مركز ابحاث يعبر عن وجهة نظر المتشددين داخل الادارة، ان بوش «لم يلطف خطابه حتى اثناء الانتخابات». واسترسل يقول: «في ما يتعلق بالقضايا السياسية الكبرى لا ارى تغييرا جوهريا. ربما تكون اكثر لطفا في بعض المواقع، ولكنها في نفس الوقت اكثر ابتعادا عن اللياقة في اماكن اخرى».

ويقول بعض المسؤولين الاميركيين انهم يتوقعون قدرا اكبر من التعاون من الحلفاء، بعد ان يكونوا قد تأقلموا مع حقيقة ان بوش سيكون رئيسا للاربع السنوات المقبلة. ولكن غوردون يقول ان بوش «مكروه بعمق في اوروبا وينافس الشيطان من حيث التغطية الصحافية والاعلامية المعادية والشائهة، ولذلك فلن يكون من السهل على القادة الاوروبيين ان يتعاونوا معه».

وهناك قضيتان لا تستسلمان للحلول العسكرية بسهولة ولذلك فإن حلهما يقتضي تعاون الحلفاء، وهما الاسلحة النووية في ايران وفي كوريا الشمالية. وفي حال وفاة عرفات، ستسنح فرصة حسنة للادارة التي دخلت في خلافات حادة مع حلفائها الاوروبيين حول ضرورة التعامل مع عرفات ودوره في حل القضية الفلسطينية. وبينما قطع بوش كل علاقة له مع الرئيس الفلسطيني، فقد كان القادة الاوروبيون على صلة معه. وبموت عرفات سيكون هذا النزاع قد حسمه سيف الزمن.

وخلال فترة الرئاسة الاولى لبوش، حالت الخلافات الحادة بين وزير الدفاع دونالد رامسفيلد ووزير الخارجية كولن باول دون استقرار الادارة على سياسة واضحة تجاه ايران وكوريا الشمالية والشرق الاوسط. ويبدو ان ايران تقف حاليا على بعد سنتين فقط من انتاج المكونات الرئيسة للقنبلة النووية. ونسبة للانقسامات الحادة داخل الادارة، حول ما ان كان المنهج الصحيح هو مواجهة ايران ام التعامل معها، فانها قد تركت التفاوض حول هذه القضية ليمارسه نيابة عنها حلفاؤها الاوروبيون، كما تقول جيسيكا ماثيوز، رئيسة «وقف كارنيغي للسلام العالمي».

وقال مارتن انديك، مساعد وزير الخارجية الاميركي لشؤون الشرق الادنى في ادارة الرئيس بيل كلينتون، وهو يتأمل المخاطر المحتملة، ان ايران وكوريا الشمالية والازمة الاسرائيلية ـ العربية «تمثل الامل الاقوى من اجل سياسة خارجية تجلب الامل وتخلف وراءها ارثا من السلام والاستقرار والديمقراطية». لكنه قال ان هذه القضايا نفسها « تنطوي على مخاطر حقيقية، اي ان تتحول الى ارث من الدماء وعدم الاستقرار واسعار النفط المتصاعدة والنزاعات والارهاب».