باراك أوباما الكيني الأصل نجم ديمقراطي يلمع بقوة في سماء السياسة الأميركية

مجلس الشيوخ الأميركي يستقبل عضوه الأسود الخامس

TT

متزامنا مع ردود الأفعال لأول مؤتمر صحافي لبوش سادت فيه روح سياسية وسطية، بدا الاهتمام واضحا بمستقبل المجلسين: الشيوخ والكونغرس بعد فوز الجمهوريين بهما. وبدأت أجهزة الاعلام تنقب في سيرة المقبلين الجدد الى المجلسين ومواقفهم. وتتحدث مجالس المهتمين بالشأن السياسي خاصة عن «ميلاد نجم جديد» في مجلس الشيوخ هو السناتور الديمقراطي باراك اوباما الذي يدخل كخامس أميركي أسود سناتورا عن ولاية الينوي في مجلس الشيوخ بعد تقاعد السناتور الجمهوري بيتر جي. فيتزجيرالد. ويكاد المراقبون يجمعون على أنه سيكون «نجم الشيوخ».

وما جعل فوز اوباما مثيرا أنه كان ينافس مرشحا جمهوريا أسود أيضا هو ألان كيز الذي طرح نفسه من قبل لينال ثقة حزبه ليكون مرشحه للرئاسة الأميركية عام 2000، والمعروف بتأييد المتدينين له في ولاية ايلينوي. وباتت البلاد تتابع هذه المعركة باهتمام كبير كون من يفوز منهما سيحل سناتورا خامسا في المجلس. وفاز اوباما على منافسه بـ70 في المائة مقابل 27 في المائة لكيز.

يتحدر السناتور الشاب باراك اوباما من أب مهاجر كيني الأصل وأم أميركية بيضاء من كنساس. وهو من مواليد هونولولو، هاواي، في 4 اغسطس (اب) 1961. تخرج في جامعة كولومبيا بنيويورك، ثم درس القانون في جامعة هارفارد رغم فقر اسرته. وعمل منذ تخرجه محاميا للحقوق المدنية. وتشهد له ايلينوي بمساهماته المؤثرة في مجال التعليم خاصة وسط الأطفال. وفي مؤتمر الديمقراطيين الأخير لمع نجمه كخطيب مفوه وواحد من الذين اعطتهم اميركا الفرصة لكي يحققوا ذواتهم وأحلامهم. في ذلك المؤتمر الذي عقد في بوسطن أواخر يوليو (تموز) الماضي، برز أوباما كسياسي حصيف، ويذكر له نقده للشبيبة السود «الذين يعتقدون أن مطالعة الكتب ما هي الا سلوك ابيض». وايضا وصفه لنفسه بقوله: «لست سوى صبي رفيع البنية يحمل اسما طريفا ويؤمن أن ثمة مكانا له في أميركا».

وسرعان ما تصدر الاخبار، حتى أن ديفيد بروكس، كاتب العمود المحافظ في صحيفة «نيويورك تايمز»، قال عنه في زاويته: «مثل هذا الحديث هو الذي يستحق أن تسعى لسماعه في المؤتمرات». ووصفته «يو اس ايه توداي» بأنه «تفجر في المشهد السياسي الوطني بعد خطبته التي اذنت لبزوغ نجم ديمقراطي حقيقي جديد».

أما منافسه الان كيز فهو من مواليد مدينة نيويورك، الابن الخامس لرقيب في القوات الأميركية. وتخرج في هارفارد أيضا بعد ان انتقل اليها من جامعة كورنيل. وفي هارفارد أنجز ايضا رسالة الدكتوراه في الشؤون الحكومية عام 1979. وعمل في السلك الدبلوماسي لبلاده في عدة دول منها الهند وزيمبابوي وعينه رونالد ريغان بدرجة سفير في الامم المتحدة.

وقد دافع كيز عن سياسة ريغان الداعية الى عدم مقاطعة جنوب افريقيا اقتصاديا كعقاب على التفرقة العنصرية الأمر الذي يحسب ضده كثيرا في اوساط المجتمع الافريقي الاميركي. وبعد استقالته من السلك الدبلوماسي ترشح لمجلس الشيوخ في ولاية ميريلاند عام 1988 ونال 38 في المائة من أصوات الناخبين، وخسر أمام الديمقراطي بول ساربانيز.

وبعد عام واحد خسر ايضا أمام السناتورة الديمقراطية باربرا ميكوليسكي. وانتقد في تلك الانتخابات بشدة حين ظهرت تقارير تقول إنه كان يعطي نفسه مرتبا شهريا من أموال حملته قدره 8500 دولار. وتنافس مع بوش وجون ماكين للفوز بثقة الحزب ليكون مرشحه للرئاسة الأميركية عام 2000 . من جهته لفت أوباما، نجم الديمقراطيين الجديد، الانظار بمواقفه الثابتة والقوية والصريحة في آن. فهو مثلا يؤيد بشدة خفض الصرف على الدفاع ويعارض الدفاعات الصاروخية، ويؤيد قوانين التحكم في الاسلحة الشخصية، ويعارض الضرائب التي فرضها بوش ويدعو الى الغائها. لكنه غير من موقفه اخيرا إذ بات يرى ضرورة الابقاء على بعض الضرائب التي تستفيد منها الطبقة الوسطى. كما انه ينتقد اتفاقية أميركا الشمالية للتجارة الحرة «نافتا» داعيا الى تضمينها نصوصا توفر الحماية للعمال الأميركيين وتحافظ على البيئة العالمية.

ولعل الديمقراطيين محظوظون ان يرافق اوباما سيناتوراتهم المتألقين في مجلس الشيوخ وعلى رأسهم هيلاري كلينتون أبرزهم حضورا وتناولا للقضايا ودفاعا في حوارات و«مشادات» المجلس. ويتوقع المراقبون «ثنائيا» ديمقراطيا من اوباما وهيلاري يقلل من غلو الاكتساح الجمهوري لعضوية المجلس. ويكتسب هذا الأمر اهمية خاصة بعد خسارة السناتور توم داشيل زعيم الديمقراطيين بعد معركة انتخابية شرسة فاز بها مرشحهم الجمهوريين، جون ثون، بأغلبية 51 في المائة مقابل 49 في المائة لداشيل الذي اصبح غيابه كزعيم لزملائه الديمقراطيين خسارة وصدمة كبريين.

وقد انتقلت الانتخابات الأميركية بكل مهرجاناتها وضجيجها من الميادين الكبرى والحواري والقاعات الكبرى الى ساحات البحث والتقييم في قاعات الجامعات وكبريات الصحف ومحطات التلفزيون والاذاعة. ويتركز الاقبال على تحليل الانقسام السياسي والثقافي العميق، الذي أثبتته نتيجة الانتخابات، في مدن الشمال والشمال الشرقي وأقصى الغرب الأميركي، خاصة في المدن ذات التاريخ والصيت في السياسة والحقوق والثقافة والفنون مثل نيويورك وواشنطن وبوسطن وفبلادلفبا وديترويت ولوس انجليس وسياتل وغيرها.

وهي المدن نفسها التي جاءت نتائج التصويت فيها معبرة عن صحة الدراسات القائلة بتفوق البرنامج الليبرالي للديمقراطيين في كبريات المدن (العاصمة واشنطن دي سي صوتت بـ 90 في المائة لكيري و9 في المائة لبوش وواحد في المائة لنادر، وأيضا نيويورك المدينة الأكثر معارضة لكل حروب الولايات المتحدة). وهذا يعني انحسار البرنامج نفسه في الأرياف ومناطق الانتاج الزراعي في سهول الوسط والغرب الأوسط الأميركي والولايات التي يختارها المتقاعدون مسكنا أخيرا مثل فلوريدا، التي يقصد ريفها كبار المديرين والأثرياء، ونيوهامشير الولاية الشمالية الشرقية التي فاز فيها كيري بصعوبة (50 في المائة وبوش 49 في المائة ونادر واحد في المائة).