لهذه الأسباب عاد جورج بوش إلى البيت الأبيض

TT

* كيف تمكن الرئيس بوش والحزب الجمهوري من ذلك الفوز؟ هنا بعض الافكار السريعة حول الاسباب التي ادت الى ذلك:

* أولا: العراق

* لم يتمكن مرشح الديمقراطيين السناتور جون كيري من تحويل الموقف في العراق الى القضية التي تحدد الانتخابات. فقد كان واضحا لمن تابع استطلاعات الناخبين عقب اقتراعهم انه اعيد انتخاب بوش، ليس بسبب، ولكن بالرغم من، حرب العراق. فقد قال حوالي 55 في المائة ممن سئلوا ان الحرب لم تجعل أميركا اكثر امنا، وصوتت الاغلبية العظمى منهم لكيري. وبالرغم من ان العراق سيطر على نشرات الاخبار العام الحالي، فقد عجزت حربه عن تدمير بوش سياسيا. لماذا؟

وبعد الاقتراع لصالح قرار الحرب، بدأ كيري حملة الانتخابات الديمقراطية التمهيدية لاختيار مرشح الحزب بتبرير اسباب تصويته لقاعدة ديمقراطية متشككة. وبذلك دخل الانتخابات وهو غير قادر علي طرح سياسة سهلة الفهم مقابل سياسة الرئيس بوش حول هذا الموضوع. وأدركت الحملة الجمهورية على الفور الوضع المشوش الذي اصبح فيه مرشح الديمقراطيين. وفي النهاية ادى موضوع العراق الى تعقيد موقف كيري وحد بالتالي من قدرته على انتقاد الرئيس.

ولو كان كيري قد لجأ الى القول ان الذهاب الى الحرب في العراق هو الشيء الصحيح، فإنه يكون بذلك قد تنازل عن الحجة المضادة لصالح بوش. ولو كان قد جادل بأن ذلك كان قرارا خاطئا، يكون بذلك قد عرض نفسه للانتقادات القائلة انه شخصية مترددة وتفتقر الى قناعات.

وفي الوقت الذي جادل فيه كيري طوال فصل الصيف بأن بوش فشل في مهمة التخطيط لما بعد الحرب في العراق، فقد انتظر حتى مؤتمر الحزب الديمقراطي ليشير الى ان بوش خدع الامة بالذهاب الى الحرب في المقام الأول. وبحلول ذلك الوقت اصبحت امام كل من الرجلين مشكلة تتعلق بالحرب ـ وإن كانت مختلفة بالنسبة لكل منهما ـ وألغت سلبيات كل منهما ايجابيات الطرف الاخر.

* ثانيا: الشخصية والاتزان

* يمكن تلخيص حملة بوش في شيء واحد: قدم الاستراتيجيون والمنظمون الجمهوريون بوش على أنه «مرشح الشخصية والقيم» وقالوا ان معارضه يفتقر هذه الصفة. وعندما كان بوش مرشحا ضد آل غور عام 2000، سعى على الفور الى اضعاف امانة نائب الرئيس عبر وصفه بـ «الرجل الذي لا يتورع عن قول أي شيء من اجل ان ينتخب».

وفي اللحظة التي اصبح فيها من الواضح ان كيري سيصبح المرشح الديمقراطي، شنت حملة بوش هجوما بأنه شخصية مترددة لا تلتزم بموقف واحد. وتصرف كيري وكأن لا احد سيصدق هذا، فتجاهل الامر الى ان بدأ الكوميديون على التلفزيون القاء النكات عن الشخصية المترددة. وعندما يبدأ مثل هذا النموذج في الانتشار في اوساط الثقافة الشعبية، يصبح من المستحيل وقفه. وعقب ذلك جاءت حملة «جماعة القوارب السريعة من اجل الحقيقة» لتشكك في بطولة كيري في حرب فيتنام وتتهمه بالكذب في ما يتعلق بجراحه فيها. ومرة اخرى تأخر ترك المرشح الديمقراطي في الرد الفوري الحاسم وسمح للحدث بأن يتسرب الى عقول الناخبين قبل ان يتدخل للرد عليه.

* ثالثا: القيم الاخلاقية

* بينما تركز جدل المحللين على أثر الحرب في العراق والاقتصاد الاميركي على الانتخابات الاخيرة، كان قطاع كبير من الناخبين يشعر بالقلق إزاء ما كانوا ينظرون اليه كونه انهيارا اخلاقيا في الولايات المتحدة. ورغم انه لم يتحدث أو يكتب عن هذه القضية سوى بضعة صحافيين فقط، فقد اشارت نتائج استطلاعات الرأي التي اجريت على الناخبين عقب الاقتراع الى ان مسألة القيم الاخلاقية كانت الاكثر اهمية لدى الناخبين الجمهوريين، اذ كانت في نظرهم تحظى بمرتبة اعلى من وضع الاقتصاد الاميركي والعراق. وبإلقاء نظرة على الخارطة الانتخابية نلاحظ ان الولايات الحمراء (تلك التي صوتت للجمهوريين) تمتد عبر الجنوب وتغطي تقريبا كل وسط الولايات المتحدة، فهذا اللون الاحمر يعكس في واقع الامر مجموعة من القيم المشتركة بين الناخبين المحافظين. سم ذلك ما شئت: سمه الحق ـ او عدمه ـ في امتلاك السلاح، او سمه مسألة زواج المثليين او سمه دور الكنيسة... لا يهم، لأن الناخبين على اساس القيم الاخلاقية خرجوا فرادى وجماعات الى مركز الاقترع وصوتوا للجمهوريين. ويبدو ان هذا الخط الفاصل الثقافي اصبح عميقا على نحو ابعد كثيرا مما تصوره الديمقراطيون وغيرهم.

* الديمقراطيون الى أين؟

* إلقاء نظرة اخرى الى ما فعله الحزب الديمقراطي يوضح ان المساومة على مواقفه في ما يتعلق بالاجهاض وابحاث الخلايا الجذعية وحقوق المثليين لم تكن كافية لإصلاح الانقسام او معالجته. وعندما وجد الحزب الجمهوري نفسه ايضا أقلية في فضاء ايديولوجي واسع، تفرغ لإصلاح الأمر حتى نجح في نهاية الامر في عرض افكاره وطروحاته بصورة اكثر فعالية وتأثيرا. وربما تشهد السنوات القليلة المقبلة عملية تحليل وامتحان للذات وسط الديمقراطيين.. وربما يعود الحزب اكثر قوة وإقناعا في الانتخابات النصفية لعام 2006 وانتخابات الرئاسة المقبلة عام 2008 . لكن الوقت الحالي ملك للجمهوريين.