مسؤولون ومتخصصون: أميركا غير مستعدة لهجمات إرهابية بيولوجية رغم مضاعفة الاعتمادات إلى 7 مليارات دولار

TT

قال مسؤولون حكوميون وأخصائيون في قضايا الارهاب البيولوجي والصحة العامة ان الولايات المتحدة تبقى مع الأسف غير مستعدة لحماية الناس من الارهابيين الذين يستخدمون المركبات البيولوجية على الرغم من الزيادات الدراماتيكية في الانفاق على قضايا الدفاع البيولوجي من جانب ادارة بوش وتحقيق تقدم كبير على كثير من الجبهات.

وعلى الرغم من ان مسؤولين في الادارة تحدثوا بين حين وآخر حول مخاطر الارهاب البيولوجي فانهم أكثر تحذيرا مما عبروا عنه علنا، وفقا لما قاله مسؤولون أميركيون. وكما فعل الرئيس بيل كلينتون فان الرئيس بوش ونائبه ديك تشيني قد اقحما نفسيهما بعمق في هذه القضية.

وقال ريتشارد فالكنراث، الذي كان حتى مايو الماضي مساعد مستشار الأمن الداخلي لدى الرئيس بوش وهو الآن باحث في معهد بروكنغز انه «ليس هناك مجال في الأمن الداخلي حققت فيه الادارة تقدما اكبر مما حققته في مجال الارهاب البيولوجي».

وعلى خلاف الكثير من مجالات الدفاع الداخلي التي تتركز في ايدي وزارة الأمن الداخلي فان المسؤولية عن الدفاع البيولوجي متوزعة على وكالات مختلفة. ويجري التنسيق فيها من جانب مساعد في البيت الأبيض غير معروف كثيرا هو كينيث برنارد الذي يتمتع بسلطات محدودة.

وقد تصاعدت أهمية الهجمات البيولوجية والنووية ارتباطا بكونها الهجمات الارهابية من النوع الأخطر الذي يخشاه المسؤولون. وبسبب الصعوبات التكنيكية في تطوير مثل هذه الأسلحة فانهم يقدرون ان فرص القيام بهجوم مدمر في الوقت الحالي فرص محدودة. ولكن عواقب ضربة بيولوجية كبيرة يمكن أن تكون عواقب كارثية، ويضع التقدم الحاصل في العلوم تطوير هذه الأسلحة حتى في متناول الطلاب الدارسين.

وأخذا بالحسبان للمخاطر المتصاعدة فان الكثير من الخبراء في مجال الصحة العامة والارهاب البيولوجي وأعضاء في الكونغرس وبعض كبار المسؤولين في ادارة بوش يعبرون عن قلق متزايد بشأن ما يعتقدون أنه نقاط ضعف في الدفاعات البيولوجية للبلاد:

ـ الغالبية العظمى من المستشفيات في الولايات المتحدة ووكالات الصحة العامة في الولايات والمدن ستكون منغمرة في عملها في محاولة القيام بلقاحات واسعة أو توزيع مضادات السموم بعد حدوث هجوم بيولوجي كبير. واذ تعاني من أعباء ثقيلة في ميزانياتها وأزمات يومية، فان الكثير من المؤسسات الصحية العامة تقول انها لا يمكن أن تلبي الطلبات الملحة للمسؤولين الفيدراليين بغرض التكيف لمكافحة الارهاب البيولوجي.

ـ تخطي الصلاحيات القضائية بين الوكالات الفيدرالية العاملة في الدفاعات البيولوجية ـ بما في ذلك وزارات الأمن الداخلي والخدمات الصحية والبشرية ـ يؤدي الى ارتباك داخل وخارج الحكومة حول من هو المسؤول عن الاستعدادات وردود الفعل على الهجمات البيولوجية.

ـ في سياق بعض الممارسات تكشف الاجراءات الخاطئة التي يتخذها مسؤولون كبار في الادارة عن أن هناك حاجة الى مزيد من العمل للتخطيط للكيفية التي يتعين بها على الحكومة أن تتواصل مع الجمهور بعد الهجوم وادارة عمليات السفر المحتمل جوا ربما لملايين الناس من مراكز المدن.

ـ وعلى الرغم من التقدم الكبير الذي تحقق منذ هجمات 2001 فان المعاهد القومية للصحة، التي تمارس الدور الأساسي في البحث في لقاحات الحرب البيولوجية تبقى مرتبطة الى حد كبير بدورها التقليدي في القيام بأبحاث أساسية وهي لا تنتج ما يكفي من الأدوية الجديدة. ولا تتميز شركات الأدوية الكبرى باهتمام كبير بانتاج اللقاحات والعلاجات المضادة للارهاب البيولوجي.

ـ وبسبب التعقيدات العلمية ليست هناك تكنولوجيا لاكتشاف هجوم بيولوجي عند حدوثه. وفي اطار البرنامج الحالي الأكثر تقدما والذي يحمل اسم «المراقبة البيولوجية» يأخذ المختصون فلترات من وحدات معرضة للهواء في ما يقرب من 30 مدينة مرة واحدة في اليوم وينقلونها الى مختبرات لتحليلها كومبيوتريا بحثا عن 10 عوامل بيولوجية.

وبهذه الطريقة يمكن اكتشاف هجوم بيولوجي في غضون يوم. وبدون برنامج «المراقبة البيولوجية» لا يمكن لأحد أن يعرف عن هجوم بالجدري مثلا ما لم تظهر الأعراض الأولى بعد عشرة أيام.

وعلى الرغم من الكثير الذي ينتظر ان تحققه فان ادارة بوش صعدت من جهودها في مجال الدفاع البيولوجي. وزاد الانفاق 18 مرة منذ هجمات الحادي عشر من سبتمبر 2001 ليرتفع من 414 مليون دولار في السنة المالية 2001 الى 7.6 مليار دولار في السنة الحالية، وفقا لدراسة قام بها مركز الأمن البيولوجي في المركز الطبي بجامعة بيتسبيرغ.

ويقول مسؤولون في الادارة انه في كل مجال حيث يرى النقاد نقاط ضعف فانهم حققوا تقدما، مشيرين الى أنه لا مجال للمقارنة بين الوضع الحالي وما كان عليه الحال قبل الحادي عشر من سبتمبر، حيث كان هناك 90 ألف جرعة من لقاح الجدري في ذلك الوقت بينما تتوفر اليوم ثلاثة ملايين جرعة.

وقال أنتوني فوسي المسؤول في المعهد القومي للصحة العامة والذي يترأس فريق الدفاع البيولوجي ان "الناس الذين يقولون اننا لم نحقق تقدما لا علم لهم بما يتطلبه تطوير لقاح، مشيرا الى تطوير لقاحات جديدة بعد الحادي عشر من سبتمبر.

كما أن الحكومة شرعت بمبادرات أخرى. وإحداها تعطي المسؤولين انذارا مبكرا عن هجوم بيولوجي عبر الربط بين المعطيات الصيدلانية حول مبيعات أدوية السعال والارتفاع في اعراض الحمى المرتفعة مثلا والاندفاع الذي يمكن ملاحظته نحو العيادات الطبية. وتدعو خطة أخرى الى استخدام وسائل بريدية لنقل الأدوية وتوزيعها بعد الهجوم.

ويقول مسؤولون في الادارة ان معظم الفجوات في الدفاعات البيولوجية في الولايات المتحدة ناجمة عن الحجم الهائل للمهمة المطروح، وهي التحويل الجذري لقطاعات من المجتمع بأسرها الى قطاعات دفاعية. وهم يشيرون الى الحاجة لتحفيز صناعة الأدوية على الاستثمار في البحث في مجال الحرب البيولوجية، وتحدي اعادة توجيه المستشفيات والمؤسسات الصحية المحلية التي تعاني من ضائقة مالية الى المجال غير المألوف لرد الفعل الواسع على الاصابات.

وفي عصر مخاطر الارهاب البيولوجي الراهن باتت نقاط الضعف التي جرى التساهل بشأنها لفترة طويلة في نظام الرعاية الصحية في الولايات المتحدة مجالات سهلة لهجوم جدي على الأمن القومي.

* خدمة «واشنطن بوست» ـ خاص بـ «الشرق الأوسط»