عرفات قوبل بالأسئلة البوليسية في الدول العربية باستثناء السعودية حيث تلقى من عاهلها الراحل الملك فيصل التشجيع والدعم المالي

رحلة أبو عمار.. من طفولة القدس إلى الشباب في القاهرة.. وحياة العزلة في «المقاطعة» (5)

TT

يا دامي العينين، والكفين! إن الليل زائل لا غرفة التوقيف باقية ولا زرد السلاسل! نيرون مات، ولم تمت روما..

بعينيها تقاتل! وحبوب سنبلة تجف ستملأ الوادي سنابل! بالفعل وكما يقول محمود درويش انطلقت فتح لتملأ كوادرها المخيمات والأرض المحتلة والدول العربية وعواصم أوروبا.. فبعد أن اقتنع العدو الصهيوني بأنه قضى على المقاومة تماماً بالنفي والطرد والسجن والاغتيالات وتجفيف المنابع بحصار الفدائيين داخل وخارج الأرض المحتلة انطلقت فتح.. وبدأت في انتهاج سياسة جديدة ونجح ياسر عرفات في رسم خطوطها العريضة بفضل ابتساماته الدائمة وقدرته على تجاوز الخلافات فهو رائد العلاقات العامة في الثورة الفلسطينية منذ نشأتها.. وبفضل رؤيته هذه بدأت فتح في مد جسور من التعاون مع الأنظمة العربية.. فقد سعى أبو عمار لأن تكون مصر في قلب الصورة مما يحدث.. مستنداً بذلك على بيان بعنوان «حركتنا» الصادر عن اللجنة المركزية العليا والذي ينص على أن الحركة: «ستقبل العون غير المشروط من المصادر النظيفة.. وستمضي في طريقها مستنيرة بآراء المخلصين في دنيا العرب غير تابعة.. ولا خاضعة أو موجهة.. مدعومة بقوة الشعب العربي في كل مكان».

وعلى الرغم من الاتصالات التي قام بها أبو عمار مع العديد من الأنظمة العربية إلا أن حالة التوجس من هذه الحركة ظلت قائمة.. وكان أبو عمار قد أجرى بعض اللقاءات في مصر لما له من رصيد قديم لدى بعض رجال الحكومة المصرية حتى تكون القيادة المصرية على معرفة بالتيار الوطني المتمثل في حركة فتح.. فلا تختلط معرفتها بتفسيرات بعيدة عن الحقيقة.. وهذا ما تم في سورية والعراق.. ولبنان والأردن وكانت الاتصالات تتم على مستويات مختلفة رسمية وغير رسمية.. وجاءت النتائج غير مشجعة في البداية.. ورغم كل المحاولات العربية التي بذلت لاستقطاب تنظيم حركة فتح إلا أن حركة فتح كبرت بانضمام كثير من التنظيمات الأخرى إليها خاصة حين تبين تمسكها بوجهها الفلسطيني ولأنها بدت وكأنها الوحيدة القادرة على المواجهة المسلحة ليس بالشعارات ولكن بالممارسة الحقيقية.. ويؤكد هاني الحسن على قوة عرفات في مواجهة هذه الصراعات حين يقول: «.. هنا برزت بقوة من جديد قوة ياسر عرفات في أخذ زمام المبادرة عندما نزلت الدورية الأولى في 31/12/1964 (صباح 1/1/1965) إلى الأراضي المحتلة.. وكان يخطط لها ويعدها ويسلحها ياسر عرفات بنفسه ومعه أبو يوسف النجار ودار بينه وبين ياسر عرفات والشهيد محمد شرف قائد المجموعة حوار حول بساطة القنبلة التي كانوا يعدونها مع هذه الأسلحة البسيطة.. وهل يمكن بمثل هذا السلاح الضعيف أن نبدأ تحرير فلسطين.. وكان رد ياسر عرفات ان هذه القنبلة البسيطة ستأتي بالقنبلة الكبيرة وهذه ستأتي بالرشاش الذي سيأتي بالمدفع والمدفع يأتي بالدبابة.

* أحمد موسى أول الشهداء

* اكتسبت فتح منذ اللحظة الأولى احترامها ومصداقيتها أمام العالم كله لما قدمته من تضحيات جسيمة.. ويكفي أن نشير إلى أن حركة فتح ظلت تعتز دائماً بأنها قدمت أكثر من نصف أعضاء لجنتها المركزية العليا كشهداء في المواجهة المستمرة مع العدو الصهيوني.. بالإضافة إلى مئات الكوادر الأخرى وقيادات من الصف الأول والثاني وآلاف من المقاتلين والفدائيين وأعضاء وكوادر التنظيم وميليشياته الشعبية.. فحافظوا على ديمومة الثورة بدمائهم الطاهرة الزكية.

وكان الشهيد البطل أحمد موسى هو أول هؤلاء الشهداء الذين قدمتهم فتح في أول عملية تطلقها.. وأعلن عن هذه العملية البلاغ العسكري رقم (1) الصادر عن القيادة العامة لقوات العاصفة وكان نصه: «اتكالاً منا على الله. وايماناً منا بحق شعبنا في الكفاح المسلح لاسترداد وطنه المغتصب. وايماناً منا بواجب الجهاد المقدس.. وايماناً منا بمؤازرة أحرار وشرفاء العالم.. لذلك فقد تحركت أجنحة من القوات الضاربة في ليلة الجمعة 31/12/1964 وقامت بتنفيذ العمليات المطلوبة منها كاملة ضمن الأراضي المحتلة.. وعادت جميعها إلى معسكراتها سالمة.. وأننا لنحذر العدو من القيام بأية اجراءات ضد المدنيين الآمنين العرب أينما كانوا... لأن قواتنا سترد على الاعتداءات باعتداءات مماثلة.. وسنعتبر هذه الاجراءات من جرائم الحرب... كما أننا نحذر جميع الدول من التدخل لصالح العدو بأي شكل كان.. لأن قواتنا سترد على هذا العمل بتعريض مصالح الدول للدمار أينما كانت.. عاشت وحدة شعبنا .. وعاش نضاله لاستعادة كرامته ووطنه 1/1/1965

* القيادة العامة لقوات العاصفة»

* والعجيب في الأمر أن فتح كانت حريصة على ألا تعلن عن حقيقة اليد الخفية التي اغتالت الشهيد أحمد موسى الذي أسرته وحدات من الجيش الأردني أثناء عودته سالماً لقواعده بعد أن نفذ عملية (عيلبون).. ولم يمهلوه لحظة فتمت تصفيته واغتياله داخل المناطق الآمنة.. وكانت فتح حريصة على أن تقول أن أحمد موسى استشهد على يد أعدائه.. وليس على يد أخوانه(!!) وهذه واحدة من الظواهر العجيبة التي تتمتع بها أمتنا العربية(!!) .. ولكن رغم ذلك توالت العمليات.. وانطلقت بيانات حركة «فتح» تؤكد جديتها واصرارها على طريق الكفاح المسلح.

ولكن الأعجب من ذلك أن أجهزة الاعلام العربي استقبلت أخبار العملية الأولى بالصمت التام في البداية.. ثم تسابقت وسائل الاعلام في القدح والسب.. فاتهمت بعض الصحف منفذي العملية بأنهم اخوان مسلمون متعصبون، عملاء للاستعمار ولوكالة الاستخبارات المركزية الأميركية «سي آي ايه» في حين اتهمتهم أخرى بأنهم عملاء للشيوعية الدولية(!!) أو بـ«ثوريين عروبيين!!».. أما رئيس منظمة التحرير الفلسطينية «أحمد الشقيري» فراح يندد بهم كأعداء لحركة التحرير الفلسطينية.. ثم قرر انشاء منظمات مسلحة (وهمية!!) حتى لا تنفرد فتح بساحة الكفاح المسلح وحدها.. أما الحكومة السورية وحزب البعث فقد اعتبروا «فتح» منظمة انفصالية.. وتفاقم الوضع في سورية وازداد تعقيداً عندما قامت السلطات باعتقال قادة «فتح» الذين تصادف وجودهم في دمشق لحادث وقع لفلسطينيين موالين لسورية.. وأودع في سجن المزة كل من: ياسر عرفات، وأبو جهاد، وأبو علي إياد، وأبو صبري.. وكذلك سبعة أعضاء آخرين من «فتح» وجرموا جميعاً بتهمة الاغتيال.. ولم يتم الافراج عنهم إلا عندما توجه كل من صلاح خلف وفاروق القدومي ويوسف النجار إلى دمشق والتقوا بوزير الدفاع السوري الجديد «حافظ الأسد».. ودخلوا في مفاوضات مضنية حتى يفرجوا عن رفاقهم.. واتخذ قرار رادع من قيادة فتح: «بتجميد نشاط الأشخاص المفرج عنهم» ارضاء للحكومة السورية. ولم يحتمل ياسر عرفات هذا الأمر فهو لا يستطيع أن يبقى ساكناً ومجمداً لاثبات حسن النية للسوريين فقرر أن يقوم بعملية فدائية داخل اسرائيل حتى لو كلفته حياته.. فإذا نجح فقد أفاد الحركة وإذا فشل فقد تخلص من حالة الجمود هذه.. فانطلق مع مجموعة من الفدائيين باتجاه الحدود اللبنانية الاسرائيلية.. ولكن لسوء حظه اعترضته دوائر الأمن اللبنانية.. وراح اثنان من ضباط المكتب الثاني يتبادلان استجوابه.. وقد ارتابوا في أبو عمار معتقدين أنه ينتمي للمخابرات المصرية .. خاصة أنه يتقن اللهجة المصرية.. ومرة أخرى يتدخل أبو أياد وأبو اللطف لدى السلطات اللبنانية ومارسوا ضغوطاً سياسية حتى تم الافراج عن ياسر عرفات.

بعد هذه الوقائع قرر أبو عمار أنه لا يمكن لفتح أن تواصل نشاطها ومهامها إلا إذا أقامت علاقات طيبة مع الحكومات العربية.

* حركة فتح.. والحكومات العربية

* لم يكن الاتصال بالأنظمة العربية سهلاً أو مفروشاً بالورود أمام أبو عمار ورفاقه.. فأينما ذهب ياسر عرفات توجه إليه مجموعة من الأسئلة البوليسية مثل: من أنتم؟! ومن يمولكم؟! وأي اتجاه تمثلون؟! وعلى سبيل المثال نسرد هذه الواقعة التي رواها صلاح خلف (أبو أياد) للكاتب الفرنسي (ايريك رولو): «ذهبنا ثلاثتنا أبو عمار وأبو اللطف وأنا بعد أن تحدد لنا موعد للقاء رئيس المخابرات المصرية صلاح نصر.. فأصدر أوامره بالهاتف لكي تحجز لنا أجنحة فاخرة في فندق عمر الخيام بالزمالك وطلب من معاونيه أن يضعوا أنفسهم في خدمتنا.. وأن يزودونا بما نشاء. وأضاف موضحاً (بما في ذلك أجمل نساء القاهرة!!).. وقد صدمنا هذا السلوك.. فرد عليه فاروق القدومي بجفاء فظ قائلاً: اننا ممثلو حركة ثورية يرتبط بها مصير شعب بكامله.. لذلك لن تفلح في إقامة علاقات معنا إذا كنت تسعى إلى تأسيس هذه العلاقة بأسلوب الحظوة والغانيات.. وفوجئ صلاح نصر.. ثم تمالك نفسه وأكد أنه لم يقصد ذلك مطلقاً.. ولكنه يريد أن يعرف مقدماً: ما هي حركتنا؟! وكيف تعمل؟! وكم تضم وفي أي بلدان توجد؟! ومن أين نستمد مواردنا المالية؟! وكيف نشتري أسلحتنا؟! وهل بالامكان (أخيراً) معرفة أسماء الأشخاص الذين يشكلون قيادة فتح؟!.

واندهش ياسر عرفات بشدة من سيل الأسئلة البوليسية ورفضنا بالطبع الاجابة.. وعدنا بخيبة أمل عميقة واشمئزاز.. وكانت هذه الواقعة في صيف عام 1966 .. وبعد بضعة أشهر في ديسمبر (كانون الأول) 1966.. كرر أبو عمار ورفاقه المحاولة.. ولكن هذه المرة التقوا بوزير الحربية الأسبق شمس بدران.. وعرض عليه أبو عمار أن يساعد حركة فتح في تشكيل خلايا فدائية في النقب تكون مهمتها انهاك الجيش الاسرائيلي.. وكان شمس يصغي بصمت المتعجرف المتعاظم.. ثم أجاب بسخرية أن مشروعهم مثير للاهتمام.. ولكن لا بد أن يعرف أولاً مع من يتحدث، ومن هم قيادات فتح .. و... و.. وتوالت سلسلة الأسئلة البوليسية نفسها التي سألها صلاح نصر من قبل.. ومن غرائب الأمور أن أول لقاء حار بين أبو عمار ورفاقه مع القيادة المصرية تم في منزل الرئيس الراحل جمال عبد الناصر وامتد لأكثر من سبع ساعات.. وكان بصحبتهم محمد حسنين هيكل.. ولكن بعد هزيمة يونيو (حزيران) 1967.. وبعد محاكمة صلاح نصر.. وشمس بدران وايداعهم السجن.. وبعد معركة الكرامة التي خاضها 300 فدائي ضد أكثر من 15 ألف جندي اسرائيلي في الأردن. واستمرت علاقة أبو عمار وحركة فتح بعبد الناصر وبمصر أكثر من ثلاث سنوات وهي في عصرها الذهبي إلى أن قبل عبد الناصر بمبادرة روجرز عام 1969 .. والجدير بالذكر أن هذه الأسئلة البوليسية التي وجهت لياسر عرفات ورفاقه لم تنفرد بها مصر.. فقد وجهت أسئلة مشابهة لهم من كافة أجهزة الحكم في البلاد العربية باستثناء لقائهم بالعاهل السعودي الراحل الملك فيصل الذي شجعهم وعاونهم بالمال وقرر بناء على طلب ياسر عرفات خصم ما قيمته 7 في المائة من رواتب المواطنين الفلسطينيين العاملين بالمملكة العربية السعودية لصالح منظمة التحرير.. ولكنه حذرهم بشدة من العناصر اليسارية والماركسيين المندسين بين الفدائيين.. وكذلك النظام الجزائري.. وكان الرئيس أحمد بن بيلا أول زعيم عربي يسمح بفتح مكتب لحركة فتح في الجزائر.. ولكنه رفض أن يمدهم بالسلاح.. ولكن جاء خلفه هواري بومدين ليقدم لهم وبسخاء ما طلبوه من أسلحة.

* أبو عمار.. والشقيري والمنظمة

* حتى بداية الستينات لم يكن هناك كيان فلسطيني له حق التمثيل.. ولم يكن لفلسطين وجود رسمي على الساحة الدولية إلا ما عرف باسم: «الهيئة العربية العليا لفلسطين» والتي كانت تابعة لجامعة الدول العربية وكان يرأسها الحاج أمين الحسيني الذي نفته سلطات الاحتلال الاسرائيلي إلى مصر.. وكانت هناك «حكومة عموم فلسطين المحتلة» في جامعة الدول العربية وكان يرأسها أحمد حلمي.. وقد رأت الدول العربية وخاصة مصر أن يكون للفلسطينيين كيان خاص يمكنه أن يضطلع ادارياً بتلبية احتياجات الفلسطينيين المنتشرين في الدول العربية والذي كان وجودهم يسبب قلقاً للحكومات العربية.. لذلك تقدمت الخارجية المصرية بالمذكرة تلو المذكرة لمجلس الجامعة العربية لانشاء (الكيان الفلسطيني) .. ولم يتخذ أي قرار بهذا الشأن حتى عام 1963 حيث بحثت الموضوع دورة الجامعة الأربعون لتعين خلفاً لأحمد حلمي الذي توفي في نفس العام.. وتقرر تعيين أحمد الشقيري في هذا المنصب وكان عبد الناصر غير شغوف بمفتي القدس السابق الحاج أمين الحسيني فقد منحه (حق اللجوء السياسي) إلى مصر ولكنه منعه من القيام بأي نشاط يذكر وكان تقدير الرئيس عبد الناصر أنه رمز كالهرم ولكنه يعبر عن ماض ولى وإلى الأبد.. وكان يفضل عليه أحمد الشقيري الذي كان محامياً محترفاً ومتحدثاً لبقاً وخطيباً مفوهاً.. كما أنه فوق كل ذلك كان قد اكتسب خبرة وتجربة من الحياة الدولية عندما كان ممثلاً للسعودية في الأمم المتحدة.

وهكذا تم تكليف أحمد الشقيري في شهر سبتمبر (أيلول) 1963 بالبحث عن وسائل تأكيد وجود الكيان الفلسطيني.. فكان عليه أن يتشاور مع الحكومات العربية لهذا الغرض.. بهدف عقد مؤتمر فلسطيني يؤسس منظمة تمثيلية.

وكانت هذه مناورة لادخال حركة فتح في حظيرة جامعة الدول العربية لتشرف عليها الحكومات العربية.. وسرعان ما اكتشف أبو عمار ورفاقه خطورة هذه المنظمة على مجمل الحركة الوطنية الفلسطينية.. وكان ياسر عرفات قد تعرف على أحمد الشقيري في مطلع الخمسينات في فترة اتحاد الطلاب الفلسطينيين.. فلما التقى به في القاهرة بعد قيام منظمة حركة فتح حاول أبو عمار أن يفسر له أن أي منظمة ستشكل بقرار فوقي ستكون منظمة غير فعالة إذا لم تتمتع بدعم من (القاعدة).. وعرض عليه التنسيق السري بين نشاطاته العلنية وبين العمل السري والمنخرطون فيه وبهذا تصبح منظمة التحرير الفلسطينية الواجهة الشرعية للكفاح المسلح الذي يقوم به مناضلو فتح .. وفي هذه الحالة يمكن للشقيري أن يعين بعض (كوادرنا) في عضوية اللجنة التنفيذية للمنظمة المزمعة اقامتها.. وبعد أن أصغى الشقيري لأبو عمار طلب مهلة للتفكير.. ورفض الفكرة بحجة أن هذا الاتفاق سيضر باستراتيجية جامعة الدول العربية التي لديها مهام قوامها منع اسرائيل من تحويل مياه نهر الأردن لصالحها.

ويؤكد أبو عمار في حوارات صحافية عديدة اجريت معه بعد ذلك على أن أحمد الشقيري كان مجرد أداة للجامعة العربية التي كانت تسعى لتدميرنا.. فالفريق علي علي عامر الذي كان يشغل في تلك الحقبة منصب قائد القوات العربية الموحدة وجه مذكرة إلى كافة الحكومات العربية طالباً فيها قمع نشاطاتنا بشدة لعدم اعطاء اسرائيل ذريعة لمهاجمة البلدان العربية.. وانشئت منظمة التحرير بقرار واعتراف كل الدول العربية عام 1964.

ويحدثنا أبو عمار معلقاً على اعلان قيام المنظمة: «لم نعبأ - كحركة فتح - كثيراً بتأسيس منظمة التحرير لأننا كنا قد أعلنا عن برنامجنا للكفاح المسلح.. وكانت شعبيتنا تتزايد.. ورغم ذلك فقد اشتركنا - كفتح - في أعمال المجلس الوطني الفلسطيني الذي عقد في القدس في 18 مايو(ايار) 1964 .. حتى لا نغيب عن الساحة السياسية».

وتزايدت بعد فترة الانتقادات الموجهة للشقيري بسبب انفراده بالقيادة دون الرجوع للجنة التنفيذية أو المجلس الوطني.. وتعالت الأصوات لاقصائه وكان الشقيري يريد أن يسلم المنظمة إلى حركة فتح.. ولكن بقية القادة كانوا يرون أن منظمة التحرير تمثل جبهة شاملة لكل الفصائل الفلسطينية .

ويؤكد أبو عمار هنا على أن «فتح» رفضت أن تستغل هذه الفرصة لأنها كانت ترى أن المنظمة يجب أن تمثل كل الشعب الفلسطيني في المنفى.. حتى تصبح بعد ذلك هي الممثل الشرعي الوحيد للشعب الفلسطيني.. وكانت فتح لا تريد أن تكون المنظمة ممثلة لحركة فتح وحدها فيتم احتواء «فتح» داخل المنظمة وتتحول إلى مؤسسة بيروقراطية خاملة.

وتؤكد «هيلينا كومان» أنه: «في أول ممارسة ديمقراطية عربية فعلية تم تنحية أحمد الشقيري في اجتماع اللجنة التنفيذية.. واستولت المنظمات الفدائية على قيادة المنظمة من خلال توزيع عضوية المجلس الوطني على كل التنظيمات تمهيداً لدخولها اللجنة التنفيذية.. وكان النصيب الأكبر فيها لحركة فتح.. وكان ياسر عرفات قد ظهر قبل ذلك كناطق رسمي بلسان فتح فانتخب رئيساً للجنة التنفيذية لمنظمة التحرير.

واستمرت الأوضاع على هذا النحو إلى أن وقعت أحداث حرب 1967 .. وجاءت الهزيمة لتسحق الجميع.. وتنقلب الأوضاع.. ولتفرض الهزيمة نفسها على الواقع العربي وتكون سبباً لكل ما سيحدث بعد ذلك.. وهذا ما سيأتي ذكره في حلقة الغد.