مرض عرفات ووفاته ما زالا لغزا يحير الأطباء

الأطباء البريطانيون يجهلون الأسباب وطبيبه الخاص يطالب بتشريح الجثة

TT

ما زالت أسباب وفاة الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات بعد مرضه الاخير تحير الشارع الفلسطيني والعربي، خاصة إثر رفض الاطباء الفرنسيين إصدار أي تصريحات حول سبب وفاته الحقيقي، أو تشخيص المرض الحقيقي الذي أودى بحياته، كذلك رفض الاختصاصيون البريطانيون في أمراض الدم التكهن بسبب المرض نظرا لجهلهم بطبيعته. أما الطبيب الخاص للرئيس الراحل الدكتور أشرف الكردي فطالب بتشريح الجثة بعدما أكد ان الفحوصات التي أجراها فريقه أسقطت ثلاث فرضيات لتكسر الصفائح الدموية من أصل أربع منها التسمم. لقد كانت الشكوك الاولى في أن الرئيس الفلسطيني مصاب بسرطان الدم، خاصة بعدما اظهرت الفحوصات انخفاضا حادا في عدد الصفائح الدموية في جسمه، وهي المكونات الاساسية عن تجلط الدم مقابل ارتفاع الكريات البيضاء، وخاصة ايضا أن التاريخ العائلي للرئيس عرفات يشير الى هذه الناحية، بعدما قضى العديد من أقربائه المقربين بالمرض المذكور، رفض الاطباء الفرنسيون هذا التشخيص لدى نقله الى مستشفى بيرسي العسكري قرب باريس وقالوا إنه على الارجح مصاب باليرقان نظرا لشحوبه وضعف جسمه، ثم عادوا وقالوا إنه مصاب بالتلاسيميا، وبادروا فورا الى إخضاعه لعملية نقل دم.

ومما زاد في تعقيدات الموقف وغموض الحالة، ان السجل الصحي للرئيس الفلسطيني بات معقدا، خاصة بسبب إصابته بمرض الرعاش العصبي الذي كان يسبب له رجفة في يديه وشفتيه، وهي حالة شرعت تظهر عليه منذ حادث سقوط طائرته في إبريل (نيسان) 1992 وخضوعه لعملية جراحية في الدماغ في عمان لاستئصال خثرة دموية. كذلك ترددت أنباء أنه يعاني من مشاكل في القلب رغم نفي المسؤولين الفلسطينيين ذلك، كذلك تردد انه يعاني من حصى في المرارة ومن نزلات معوية حادة متكررة. لكن هؤلاء أقروا بانه كان يعيش تحت وطأة ضغوط عمل شديدة في مقر إقامته المهدم والمحاصر في رام الله، وفي جو بعيد عن الظروف الصحية والبيئية المناسبة.

وربما ساهمت كل هذه الاشياء مجتمعة في إضعاف جهازه المناعي تدريجيا وجعلت الامور تختلط بعضها ببعض مؤدية في النهاية الى تدهور حالته الصحية بسرعة وبالتالي الى وفاته. وهذا ما جعل الاطباء الفرنسيين الذين أشرفوا على علاجه في باريس يرجحون في البداية أيضا إصابته بالتلاسيميا وهو مرض يصيب الدم ايضا. لكن سرعان ما عاد هؤلاء الى نفي ذلك وقالوا إنه نوع آخر من أمراض الدم لا يستطيعون فك لغزه. وسواء استعصى الامر على الاطباء الفرنسيين، أو إنهم اكتشفوا السبب الحقيقي لمرضه لكنهم تكتموا عليه لاسباب لا نعرفها، إلا أن نبيل شعث وزير خارجية السلطة الفلسطينية رفض في مؤتمره الصحافي الذي عقده في باريس أن تكون في الامر مؤامرة تسمم، ناقلا ذلك عن أطبائه الذين أشرفوا عليه في الساعات الاخيرة.

ولكن ماذا يقول الاختصاصيون في بريطانيا عن هذا اللغز الذي قيل أن سهى زوجة عرفات قد تكشف عن بعض جوانبه في الايام المقبلة؟

«الشرق الأوسط» اتصلت بالعديد من الاطباء والاختصاصيين الذين أنكروا معرفتهم بالسبب الحقيقي للمرض الذي أودى بحياة الرئيس عرفات، بل أنهم حتى رفضوا التكهن بالسبب الذي قد يكمن وراء وفاته.

الدكتورة ماري كلارك المتخصصة في أمراض الدم في مستشفى سانت هيلير وسانت أنطوني في لندن رفضت التعليق على أسباب الوفاة، وحتى التكهن باسبابه لأنها بكل بساطة لا تعلم أي شيء عن حالته. أما الدكتور زيد عبودي المستشار في أمراض الدم في مستشفى كينغستون، وهو بريطاني من أصل عراقي فقال «لا أعرف. اسألوا الاطباء الفرنسيين الذين عالجوه، فإذا كان هؤلاء لا يعلمون الاسباب، أو ربما يرفضون الكشف عنها فما بالنا نحن؟».

الدكتور اشرف الكردي قال من جهته انه عندما وصلنا الى الرئيس عرفات وجدناه في حالة سيئة جدا وقد نقص وزنه الى النصف كما ضعفت شهيته ولكن درجة وعيه كانت جيدة وكان يجيب على معظم الاسئلة التي تطرح عليه ويداعبنا بين فترة واخرى.

وبين الدكتور الكردي لـ«الشرق الأوسط» انه وبعد مقابلة الرئيس عرفات طلبنا مقابلة الطاقم الطبي الذي كان موجودا من الاطباء المصريين الذين غادروا ثم عادوا وكذلك الفريق الطبي التونسي والاطباء الفلسطينيين والاردنيين وطلبت منهم شرحا مفصلا عما وجدوه في حالة الرئيس عرفات الصحية وتبين بعد شرح مفصل انه يعاني من نقص في الصفائح الدموية، وعندما استعرضنا الاسباب التي تؤدي الى نقص الصفائح الدموية وجدناها اما ان تكون ناتجة عن ادوية معينة او التهاب فيروسي او بكتيريا او نقص في المناعة او اصابته بالتسمم.

واوضح الدكتور اشرف الكردي انه وزملاءه راجعوا الفحوصات التي اجريت للرئيس عرفات وتبين انه لم يتناول ادوية غير معتادة، كذلك لم يظهر عليه اي اثر للعدوى ولم تكن هناك لوكيميا «سرطان دم» وعندما طلبنا اجراء مزيد من الفحوصات تبين ان التقنية المطلوبة لمثل هذه الفحوصات غير متوفرة، فقررنا جميعا سفره على الفور الى الخارج وتمت كتابة تقرير بهذا الامر ووقع عليه جميع الاطباء الحاضرين بعدها ذهبت الى الرئيس عرفات شخصيا واخبرته بانه يجب عليه ان يغادر الى الخارج من اجل العلاج وله الاختيار فقرر «فرنسا» وعلى الفور اتخذت جميع الاجراءات وارسلت طائرة عسكرية مجهزة بمستشفى متنقل من اجل سفره للعلاج في فرنسا.

وبين الكردي انه لم يظهر الاطباء الفرنسيون لغاية الان اي تشخيص لمرض الرئيس عرفات وبقي الوضع في فرنسا كما كان عليه في رام الله. وطالب الدكتور الكردي الفريق الفرنسي بضرورة اجراء المزيد من الفحوصات الطبية لمعرفة ما اذا كان الرئيس عرفات تعرض لحالة تسمم، كما يجب اجراء تشريح للجثة لمعرفة الاسباب الحقيقية التي تؤدي الى تكسير الصفائح الدموية، كما يجب احضار تقرير طبي من لجنة مختصة ساعة الوفاة.

واستغرب الكردي عدم دعوته لمعاينة الرئيس الفلسطيني علما بانه كان مريضا قبل ثلاثة اسابيع من سفره الى فرنسا من اجل المعالجة. وقال اننا سمعنا ان وفدا طبيا مصريا حضر الى رام الله وبعد اربعة ايام من المعاينة توصلوا الى ان عرفات مصاب بانفلونزا... كما علمنا بان سهى عرفات وهي تسكن في تونس اجرت اتصالات مع المسؤولين التونسيين لارسال وفد طبي تونسي من اجل زيارة عرفات ولم يكن لدينا علم بهذا الامر.

واشار الكردي الى ان احدا من مرافقي الرئيس الفلسطيني لم يطلب منه مرافقة عرفات في رحلة علاجه الى فرنسا، علما بانني اتصلت عدة مرات بالاطباء والمرافقين في باريس واخبرتهم بانني جاهز للحضور وكان الجواب في كل مرة لا داعي.

كما اخبرت فاروق القدومي ومنيب المصري واتصلا بسهى عرفات وكان جوابها لا داعي، علما بانها وخلال الـ25 ساعة التي سبقت لم تحضر ولم تسأل عن صحة الرئيس عرفات سواء اكان مريضا او غير مريض، كما ان سهى فضلت ان يرافقها الطاقم الطبي التونسي واصطحبت أحدهم معها في الطائرة وبعدها لم نسمع اي شيء بعد ذلك.

وقال انه وبعد اخذ موافقة الرئيس عرفات للمغادرة من اجل العلاج طلبت مقابلة القيادة العليا الفلسطينية وامين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير محمود عباس ورئيس الحكومة الفلسطينية احد قريع ورئيس المجلس التشريعي الفلسطيني روحي فتوح وكبار رجال فتح ووضعتهم في الصورة الكاملة لحالة الرئيس عرفات الصحية وطلبت موافقتهم على ارسال الرئيس للخارج من اجل العلاج فوافقوا جميعا. وبعدها ذهبت الى الرئيس عرفات واخبرته ان كل الاجراءات تمت وانه سينقل بعد فترة قصيرة. واشار الى انه بعد ذلك لم يخبرنا احد بالبقاء او السفر مع الرئيس وعليه فقد غادرنا رام الله ولم نتسلم اي جواب او نتلقى اي اتصال من الاطباء الفرنسيين رغم اننا زودناهم بتقارير مفصلة عن حالة الرئيس، كما لم نتسلم اي تقارير من الجهات الفلسطينية.

وبين الكردي ان عرفات كان قد مر بعدة حوادث سيئة، منها حادثة سقوطه بالطائرة في صحراء ليبيا وبعد مرور زمن كاف عليه في تونس لم يتمكن الاطباء من تشخيص حالته، وحضر الى الاردن وتم تشخيص الحالة بالنزيف العنكبوتي في جانبي الدماغ، حيث اجرى له الدكتور عادل الشريدة عملية جراحية لازالة الدم المتجمع، ولم نسمع او نرى وقتها ان احدا ارسل وفدا طبيا الى الاردن من اجل معاينة عرفات.