زهوة .. أغلى ما كان لعرفات تغيب عن جنازته في القاهرة

ارتدت سترة مضادة للرصاص بعد 3 أيام من ولادتها في المدينة التي توفي فيها والدها

TT

الدنيا المنشغلة برحيل الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات، نسيت أعز ما كان لديه بين البشر في حياته قبل الوفاة: ابنته الوحيدة زهوة، أو الطفلة التي بقيت حتى الآن برعاية السيدة ليلى بن علي، حرم الرئيس التونسي زين الدين بن علي، لتتابع من تونس عبر شاشات التلفزيون جنازته اليوم في القاهرة نحو مثواه الأخير في رام الله، وهي التي لم تقع عيناها عليه منذ 4 سنوات.

ولدت زهوة في المدينة التي توفي فيها والدها فجر أمس. أبصرت النور في حي «نو ويلي» بباريس حيث تقع مستشفى الولادة، وكان ذلك في يوم دموي بالشرق الأوسط، ففي 24 يوليو (تموز) 1995 قام فلسطيني بإلقاء قنبلة على حافلة للركاب في حي رامات غام في تل أبيب، وقتل من قتل، لذلك رد مجهول بعد 3 أيام من ولادتها واتصل بالمستشفى ليحذر من قنبلة وضعت هناك مستهدفة ابنة عرفات، فأسرعوا وألبسوها سترة مضادة للرصاص احتياطا، ثم راحوا يبحثون عن القنبلة، ولم يعثروا لها على أثر.

يكتبون ويقولون عن زهوة الصغيرة بأن عرفات لم يرها إلا بعد يومين من ولادتها، إذ طار من تونس إلى باريس، وعندما خرج من العيادة سألوه عنها، فضحك وقال: «نفس الشيء»، لكنه لم يشرح عبارته، وما إذا كان يعني شبهها به أو بوالدتها.

يروون عن زهوة أيضا بأن والدتها، سهى الطويل، مصابة بهاجس من الخوف الدائم عليها، إلى درجة أنها أسرعت في ليلة من العام 1999، حين دبت في زهوة حرارة من التهابات مفاجئة شبيهة إلى حد ما بعوارض الملاريا، الى نقلها على عجل إلى مستشفى في غزة، ثم نقلتها بعد يومين بطائرة خاصة إلى المستشفى العسكري في القاهرة، ومن بعدها بطائرة خاصة إلى مستشفى آخر في باريس، حيث بدأت الاشاعات تتنقل من هناك كغيوم الجراد من أنها تعاني مرضا مستعصيا، ووصل صدى الاشاعات إلى عشاب عراقي في بغداد، اسمه سعد جليل، فقام بما لا يصدقه أحد: كتب في مجلة «صوت الطلبة» الصادرة في العاصمة العراقية، وفي عدد مارس (آذار) 2000، علاجا للطفلة، وأرسل مواصفاته وطرق استخدامه إلى السفير الفلسطيني ببغداد، عارضا عليه مع الوصفة خدماته العشبية لمعالجة زهوة، ومرفقا موجبات وحيثيات ملخصها أن 86 شخصا شفوا تماما على يديه، من بينهم 33 متسرطنا بالغدد اللمفاوية.

لكن اتضح أن زهوة لم تكن تعاني شيئا على الإطلاق، سوى من قلق والدتها عليها ومبالغاتها في مراقبة صحتها.

زهوة عرفات لم تر والدها منذ بداية الانتفاضة الفلسطينية في سبتمبر (أيلول) العام 2000، لأن والدتها جزعت عليها حين أصاب أحد الصواريخ الإسرائيلية منزل العائلة في غزة خلال قصف على مجمع أمني مجاور لحرس عرفات، من دون أن يصيب الطفلة ووالدتها بأذى، فقامت الأم وطلبت من زوجها السماح لها بالسفر إلى باريس لقضاء بضعة أيام «ريثما تنتهي المشاكل»، لكنها بقيت تقيم بين تونس وفرنسا مع طفلتها الصغيرة إلى الآن.

وحين تدهورت صحة عرفات قبل 3 أسابيع وصلت زوجته إلى رام الله لتزوره وتقف على مجريات علاجه، من دون أن تصطحب معها ابنتها الصغيرة التي بقيت مع والدتها ريموندا الطويل في تونس. ومن مقر عرفات اتصلت بابنتها وأخبرتها بأنها سترى والدها أخيرا في باريس. كذلك تحدث الرئيس الفلسطيني عبر الهاتف أيضا إلى زهوة ووعدها بأن يلتقي بها في العاصمة الفرنسية، التي ما أن وصل إليها حتى اتصلت بها والدتها في اليوم التالي من غرفته في المستشفى، ووعدتها بأنها ستراه بعد 4 أيام، أي أول من أمس. ومن الغرفة في المستشفى تحدث عرفات أيضا إلى ابنته الصغيرة، ودمدم لها على الهاتف أغنية «فريرو جاك» (الأخ جاك) الفرنسية الشهيرة، ووعدها باللقاء به بعد أيام، «فكانت زهوة سعيدة، خصوصا عندما قال لها إنه سيلتقي بها في باريس»، وفق ما ذكرته سفيرة فلسطين لدى فرنسا، ليلى شهيد، لكن الانهيارات السريعة في صحة عرفات حملت زوجته على إبقاء طفلتها في تونس، فغاب عرفات عن دنيا انشغلت برحيله ونسيت أغلى ما كان لديه.