تجربة متسلل يمني إلى الفلوجة

TT

في المرة الأولى حاول الوصول الى العراق في ابريل 2003، عندما فرضت الولايات المتحدة سيطرتها على البلاد ووجد الجهاد موقعا له على الخارطة.

وقال أبو ثار الذي بدأ الرحلة من عاصمة بلده اليمن، عبر شبه الجزيرة العربية «أردت المجيء والقتال في سبيل الاسلام. التقيت بتاجر أردني وفر لي بطاقة السفر الى سورية ومئات الدولارات. بل وأوصلني الى المطار بسيارته».

ووصل أبو ثار الى المطار في العاصمة اليمنية صنعاء مع مجموعة من الطلاب اليمنيين الآخرين، ممن يريدون أن يكونوا جهاديين، وشكلوا طابورا منتظما في دائرة الهجرة. كان أبو ثار يرتدي اللباس العربي التقليدي ويضع عمامة صغيرة على رأسه.

وقال «عندما سألني رجال الشرطة عن سبب ذهابي الى دمشق، أجبت «لغرض العمل». وسألوني عن نوع العمل فقلت «العمل من اجل خلاص روحي»، وقد اعادوني».

وأوضح انه في هذه المرة تعلم الدرس وارتدى الملابس الغربية التي ساعدته على ان يصل الى طريق المهربين الى العراق.

واذا كان المقاتلون الجانب هم السبب المعلن لشن 10 آلاف من القوات الأميركية اضخم عملية قتالية منذ سقوط بغداد، فان رحلة ابو ثار تلقي اضواء نادرة على وجودهم في الفلوجة. فقد تدفق المقاتلون العرب عندما حاصر المارينز في المرة الاولى المدينة في ابريل الماضي. وفي ذلك الوقت رحب كثير من اهالي الفلوجة بالمقاتلين الأجانب كداعمين للموقف ضد قوة الاحتلال التي شعر كثيرون بأنها تعاقب المدينة بأسرها على أفعال قلة ممن شوهوا أجساد المتعاقدين الأميركيين قبل ايام من ذلك. ولكن في الأشهر الستة التالية نشأ نوع من الفتور بين المضيفين والضيوف. فالعرب يلامون على عمليات قطع الرؤوس والسيارات المفخخة التي تقتل المدنيين وفرض ممارسات دينية صارمة على السكان المحليين الذين لديهم تقاليدهم الخاصة.

وفي النهاية أعاق الوجود العنيد للمقاتلين الأجانب جهود اعادة السيطرة على الفلوجة الى الحكومة العراقية المؤقتة. وبحلول ليلة الاثنين وعندما دخلت الدبابات الأميركية الى المدينة التي خلت الى حد كبير من سكانها المدنيين قدر القادة العسكريون الأميركيون ان المقاتلين العرب يشكلون ما لا يقل عن 20 في المائة من المقاتلين الباقين في المدينة والبالغ عددهم ثلاثة آلاف. ولم يكن ممكنا التصديق مباشرة بما رواه أبو ثار في البداية غير ان معلومات مستقاة من متسللين عرب آخرين جعلتها اقرب الى التصديق. وقد روى أبو ثار، وهو اسم مستعار، قصته والظروف التي ادت بأقرانه في الفلوجة الى اختياره للصلاة في الجماعة واحتلال موقع القيادي.

وقال انه في اليوم التالي لمنعه من السفر في المطار عاد الى عملة كسائق سيارة اجرة في العاصمة اليمنية. وكانت رغبته دراسة الشريعة الاسلامية. ولكن توقف المساعدة الأجنبية للجامعة الدينية حرمه من تلقي المساعدة التي كانت قيمتها 50 دولارا شهريا فعمل كسائق.

ومر عام وبلغ ابو ثار الثلاثين من العمر، وربما لم يكن له ان يصل الى العراق لولا ظهور الصور عن انتهاكات سجن ابو غريب. وقد شجعته زوجته، وهي طالبة دين ايضا، على ترك كل شيء والتوجه الى العراق لخوض معركة الجهاد. وكانت حاملا في طفلها السادس.

وقال انها ابلغتني انه «اذا كانوا يفعلون هذا بالرجال فتخيل ما الذي يحدث للنساء الآن. تصور أن شقيقاتك وأنا نتعرض الى الاغتصاب على يد الخنازير الأميركيين الكفار».

ومن التاجر الأردني حصل على البطاقة ومن احد كبار رجال الدين اليمنيين حصل على اسم رجل في حلب لينظم له عملية دخوله عبر الصحراء الى العراق.

وقال انه لم يبلغ احدا باستثناء زوجته. وقد زار أمه وطلب مغفرتها هي وأبيه. وعندما سألته عما اذا كان متوجها الى بغداد نفى ذلك. غير انها احتضنته وبكت.

وكانت عينا أبو ثار تغرورقان بالدموع وهو يروي قصته ويتذكر اطفاله، ولكنه قال «هذه الذكريات هي من فعل الشيطان الذي يحاول اغرائي واعادتي الى وطني».

وعندما أبلغه أحد الزائرين قائلا «سنأتي يوما ما لرؤيتك وعائلتك في اليمن» تحول الهدوء الذي يتسم به الى غضب وهو يقول «المكان الوحيد الذي اذهب اليه من هنا هو الجنة».

وعند وصوله الى سورية انتظر أبو ثار أسابيع متنقلا من بيت آمن الى آخر، وعاش في غرف فنادق رخيصة في دمشق وحمص وحلب، وأحيانا في احد الجوامع. وفي كل مكان كان يلتقي بآخرين يستعدون للتوجه الى العراق. وأخيرا وصل الى حلب. وهناك التقى برجل دين شاب وعد بمساعدته، وقضى اسبوعين في بيت صغير مليء بجهاديين آخرين، وكل واحد منهم كان لديه منسق في بلاده هو عادة مسؤول عن جامع. وقد أثار أبو ثار الذي وصل وحده نوعا من الشكوك في البداية لم تنته الا بعد الاتصال بأستاذه في المدرسة الدينية في اليمن.

وفي احدى الليالي أخذ الى قرية على الحدود السورية. وقد دفع مالا لشرطة الحدود للمساعدة في العملية، وقال ابو ثار «جاءوا ليقولوا انهم سيعبرون الحدود في ذلك اليوم، وكانت رحلة مخيفة. فقد تعين علينا ان نتمدد ساكتين في الصحراء اذا ما سمعنا اصوات طائرات الهليكوبتر الأميركية».

واضاف «قضينا ليلتين في قرية على الحدود ثم نقلنا الى قرية اخرى لغرض التدريب العسكري».

وقال انه «بعد ايام قليلة جاءوا وقالوا: نريد مقاتلين للذهاب الى مدينة هيت».

وفي مدينة هيت الواقعة على الفرات وجد أبو ثار نفسه في خندق الى جانب مقاتلين عرب آخرين، معتقدا أن حلمه بالشهادة بات قريب المنال. ولكن حدث وقف لاطلاق النار ونقل العرب الى باص صغير وهربوا باتجاه الشرق. وكانت احدى العربتين اللتين تستخدمان للنقل ليلا سيارة شرطة.

وفي الفلوجة التحق أبو ثار بجماعة التوحيد والجهاد التي يتزعمها أبو مصعب الزرقاوي ونسب الى مجموعة تضم 11 رجلا بينهم ثلاثة عراقيين فقط. وقد وضعوا في بيت آمن في حي الجولان بالفلوجة. وقبل يومين من المعركة كان أبو ثار يقرأ بصوت عال آيات من قرآن صغير في غرفة نصف مضاءة جدرانها خالية الا من صورة لمكة. ولم يكن هناك شيء سوى سجادة صلاة موضوعة لتكون باتجاه القبلة. وعلى الجدار اسندت بندقية كلاشنيكوف وحزام من العتاد. وعندما انتهى من القراءة رفع يديه بالدعاء الى الله لتحقيق «النصر على الكفار وأميركا».