المغرب: جلسات علنية بحضور الإعلام لقضايا انتهاكات حقوق الإنسان في الماضي ومعالجة خاصة لملف بن بركة

TT

تشرع هيئة الانصاف والمصالحة (هيئة حقوقية استشارية لدى العاهل المغربي الملك محمد السادس) في عقد جلسات استماع عمومية ابتداء من منتصف شهر يناير (كانون الاول) المقبل. وسيقدم متضررون سابقون شهادات شفوية عن انتهاكات حقوق الانسان التي عرفها المغرب خلال الفترة الممتدة ما بين 1956 و1999، وذلك بشكل علني بحضور الهيئة ومنظمات حقوقية جمعوية وممثلي وسائل الاعلام المغربية والدولية، وستنقل الاعترافات والشهادات عبر وسائل الاعلام المرئية والمسموعة.

وستعقد اول جلسة استماع بالرباط، ويتواصل عقد باقي الجلسات وفق برنامج يمتد على عشرة اسابيع ويشمل مدن الدار البيضاء وخنيفرة والحسيمة وطانطان والسمارة والراشيدية وفكيك وفاس وتطوان.

وقال ادريس بنزكري رئيس هيئة المصالحة ان اعضاء الهيئة انجزوا تحقيقات وأبحاثا حول المختفين المتوفين واخرى تهم ضحايا ماضي الانتهاكات الماسة بحقوق الانسان في بعدها الفردي والشخصي وفي بعدها الجماعي واجراء تحريات حول ظروف وقوع تلك الاحداث لمعرفة سياقها.

واكد بنزكري، الذي كان يتحدث الى الصحافة بالرباط مساء اول من امس، ان الهيئة احترمت المعايير الدولية، عند اجراء ما تمت دراسته والتشاور حوله. ويرى بنزكري ان الغرض من اجراء تلك الجلسات المفتوحة الفردية هو ان يعبر الافراد عن معاناتهم لتصل الى الجمهور الواسع باشراك الإعلام المرئي والمسموع والمكتوب والكشف عن الحقيقة وضمان عدم تكرار ما جرى في الماضي.

واعتبر بنزكري، ان دولا عديدة استطاعت طي صفحة الماضي بالانصاف والمصالحة دون اللجوء عمليا الى تقديم شهادات علنية كما هو الشأن بالنسبة الى الارجنتين، مسجلا ان الاهم هو الاعتراف بالخروقات في مجال حقوق الانسان ومعاناة المجتمع المغربي جراء تلك التعسفات.

ووصف بنزكري، هذه الخطوة، بالقطيعة الرمزية مع الماضي، موضحا ان المعتقلات السرية او ما يصنف في حكمها يمكن تحويل مقارها لاغراض حقوقية او تربوية او متحفية، حسب ما يريده ويختاره سكان تلك المناطق، مشيرا الى ان الهيئة تعاملت مع هذا الأمر استنادا على وثائق ومعطيات ومعلومات المصالح الامنية المغربية، و لم تجد اية صعوبة في الحصول عليها.

ومن جهته قال عبد الحي المودن عضو الهيئة ان اختيار المشاركين في جلسات الاستماع العمومية سيتم بناء على القبول المنسق من قبل الضحايا واقاربهم، سواء الذين تتوفر هيئة الانصاف والمصالحة على ملفاتهم او الذين اقترحتهم منظمات للدفاع عن حقوق الانسان، وسيراعى في الاختيار ضمان التوازن بين الجنسين والتناسب في التنمية حسب الجهات والأحداث التاريخية ونوع الانتهاك ومراكز الاعتقال، والشهادات التي تتسم بالوضوح والعمق والاستعداد النفسي للضحية.

وأوضح المودن أن تلك الجلسات ستعقد على شكل سلسلة من الحصص الزمنية، تقدم في كل حصة منها الضحية الواحدة شهادتها بشكل فردي. وحسب التقديرات الأولوية فانه من المرجح مشاركة 200 متضرر في هذه الجلسات، كما لا تخضع الشهادات لسؤال ولا تعقيب لا من طرف لجنة الاستماع ولا من طرف الجمهور. ويمكن ان يتدخل رئيس الجلسة او من يخول له الرئيس ذلك في حالات استثنائية، بهدف مساعدة المشارك على تقديم أو متابعة شهادته.

وأضاف المودن أن هيئة الانصاف ستستعين بأطباء نفسانيين لمرافقة المشاركين، كما ستحرص على عدم المساس بكرامتهم وعدم التمييز بينهم وتمتيعهم بحقوقهم في استعمال اللغة التي يرتضونها كما يمكنهم اصطحاب بعض أفراد عائلتهم وأقاربهم .

وبالموازاة مع جلسات الاستماع الفردية ستنظم الهيئة، يؤكد المودن، جلسات حول مواضيع تنصب على قضايا وثيقة الصلة بالانتهاكات التي عرفها المغرب في أبعادها القانونية والتاريخية والنفسية والسياسية، ويدعى للمشاركة شهود فاعلون في مجال حقوق الانسان وشخصيات من ذوي الخبرة المعرفية والميدانية.

وستركز الهيئة في جلسات المواضيع على قضايا مختلفة من قبيل «المختفون العائدون» و«أحداث الأطلس 1973» و«أحداث الريف» و«التعذيب» و«الاختفاء القسري» و«الاعتقال التعسفي» و«المرأة وماضي الانتهاكات» و«الاغتراب» و«أحداث الصحراء» و«مراكز الاحتجاز السرية» و«الأحداث الاجتماعية» و«عائلات المختفين».

وقال الوديع الاسفي عضو الهيئة ان الاستماع لم يكن وليد اليوم بل ناتج عن عمل فريق، حيث قطع أعضاء الهيئة مسافات من أجل الاتصال بالضحايا، نافيا ان تشكل تلك الجلسات محاكمة للجلادين والمتورطين أو التعرض للمسؤوليات الفردية في مجال التعذيب والاختفاء، ومؤكدا في المقابل أن الهيئة لم تتوصل إلا بطلب من قبل رجل المخابرات المغربي الأسبق للادلاء بشهادته فيما جرى من خروقات.

وردا على سؤال لـ «الشرق الأوسط» حول تعامل الهيئة مع ملف الزعيم السياسي الراحل المهدي بن بركة، قال إدريس اليزمي ان الهيئة تباشر ملف الزعيم اليساري المغربي المختطف في باريس المهدي بن بركة عن كثب، مشيرا إلى التطورات الأخيرة التي شهدها، من خلال تحرك عائلته في شخص ابنه البشير الذي ساهم بشكل واضح الى جانب محامي العائلة في حصول تلك التطورات. وأعلن اليزمي أن الهيئة قررت انجاز برامج خاصة حول هذا الملف ستبت على شاشات التلفزيون لمعرفة الحقيقة والجوانب المعتمة في مرحلة من مراحل المغرب التاريخية.