بلير «يغامر» في أول زيارة لزعيم أجنبي للرئيس جورج بوش بعد إعادة انتخابه

TT

سجل رئيس الوزراء البريطاني توني بلير مساء امس سبقا جديدا على صعيد العلاقة مع الولايات المتحدة، حين بات اول زعيم اجنبي يلتقي بالرئيس الأميركي جورج بوش بعد إعادة انتخابه. ولكن إذا عزز هذا السبق مكانته كأقرب اصدقاء واشنطن الى قلبها بين الزعماء الاوروبيين وغيرهم ـ وهو أمر يطيب لبلير دائما ان يسلط الضوء عليه ـ فإن الزيارة تنطوي على مغامرة غير مأمونة العواقب. وسيكون العراق ووضعه المتفجر وانتخاباته، على رأس اجندة مباحثات الزعيمين. لكن هذا كله ليس موضع خلاف بين الشريكين. فالخطر يكمن في القضايا الاخرى التي تتباين بصددها وجهات نظرهما قليلا او كثيرا. وبلير يحمل معه جعبة مترعة بمواضيع من هذا النوع، بعضها ملح، كالاتفاقيات البيئية والتجارية المعلقة وخطر غزو اميركي لإيران، وبعضها الآخر أكثر الحاحا وتأتي عملية السلام في الشرق الاوسط في مقدمته.

وإذا عاد بلير خالي الوفاض من الرحلة بلا «مكافآت» من شريكه، وهذا احتمال يصعب تجاهله، فالأرجح ان اسهم شعبيته ستمعن في هبوطها. وقد تكون نتائج تطور كهذا مؤذية فعلا. فهو سيبدو قبل اشهر من الانتخابات البريطانية، عاجزا عن انتزاع اي مكسب او تنازل من بوش على رغم «الخدمات» التي دأب على تقديمها لواشنطن، لا سيما في إطار الحرب على العراق.

ولعل الخشية من عدم إصغاء بوش الى رجاء شريكه كانت وراء التراجع الملحوظ في النبرة البريطانية عن اسلوب التعاطي مع ازمة الشرق الاوسط. وقد شدد بلير وكبار مساعديه مباشرة بعد اعادة انتخاب الرئيس الاميركي على أن هذه المسألة «اولوية» و«الشيء المفرد بحد ذاته» الذي ينبغي ان تحل الخلافات حوله.

غير انهم عمدوا في الايام الثلاثة الاخيرة الى الايضاح أن جل ما يطمحون الى تحقيقه في واشنطن هو «إشارة الى النوايا» بخصوص الحل وآفاقه. وحذر مساعدون للزعيم البريطاني عشية الزيارة من خطر المبالغة في التفاؤل بإمكان الاعلان غدا خلال المؤتمر الصحافي المشترك للزعيمين، أو بعده بوقت قصير، عن وضع صيغة معينة تضمن إحراز تقدم في سياق عملية السلام. وثمة خطر من نوع آخر يطاول الفلسطينيين بدلا من البريطانيين. فبلير، أثبت في مرات عدة قدرته على تقديم تنازلات كبيرة لشريكه لعل آخرها «انحناءه على ركبتيه امام مباركة بوش لتمزيق آرييل شارون لخريطة الطريق»، كما قالت صحيفة «غارديان» البريطانية امس، خلال زيارة له تلت المؤتمر الصحافي المشترك لبوش وضيفه الزعيم الاسرائيلي في ابريل (نيسان) الماضي.

فمن يضمن ان رئيس الوزراء البريطاني لن يرضى مجدداً بـ«فتات» ما كان يرجو انتزاعه اساسا للفلسطينيين؟ ثم ما المشكلة في ذلك، إذا كان بلير قادرا بفضل فصاحته البالغة ومهارته في استغلال الاعلام والتعويل بالنجاح على الشكل بدلا من الجوهر، على رسم صورة زاهية لتنازل من هذا النوع؟

ألم يعد من الزيارة السابقة، التي شهد فيها دفن بوش حق العودة للفلسطينيين وحدود دولتهم المبتغاة وقبوله بالوجود الاستيطاني، ليبدأ معزوفة لا يكف عن ترديدها حول اهمية «خريطة الطريق» ووجوب ترحيب الفلسطينيين بانسحاب شارون الاحادي؟.