السياسة الخارجية الأميركية تتجه لمزيد من الأحادية مع توقع خروج باقي «المعتدلين»

TT

بقبوله استقالة وزير الخارجية الاميركي كولن باول، يكون الرئيس الاميركي جورج بوش قد اتخذ قرارا حاسما فيما يتعلق بسياسته الخارجية. فخروج باول، من جهة، وتعيين كوندوليزا رايس كوزيرة للخارجية، من جهة أخرى، يمثل انتصارا لا ريب فيه للخط المتشدد في مجال الدبلوماسية الذي يدعو إليه نائب الرئيس ديك تشيني ووزير الدفاع دونالد رامسفيلد. وكانت سياسة باول القائمة على الواقعية والاعتدال غالبا ما تجد الرفض في الدوائر العليا للسلطة. لكن وجود باول كان يضمن على الأقل أن الرئيس سيستمع إلى وجهات نظر مختلفة في القضايا الهامة في مجال السياسة الخارجية. وبخروج باول من الصورة، فإن النزاعات داخل الادارة الاميركية حول القضايا الأكثر أهمية ستخف حدتها. وكان باول قد بذل مجهودا كبيرا لإقناع الإدارة بالعمل المشترك مع الأوروبيين، وفي حل مشكلة البرنامج النووي الإيراني، وفتح أبواب الحوار مع كوريا الشمالية حول مطامحها النووية، واتباع منهج أكثر تشددا مع رئيس الوزراء الإسرائيلي ارييل شارون. أما الآن فإن السياسات نحو إيران وكوريا الشمالية ربما تصبح أكثر حدة على حساب المفاوضات. أما في الشرق الأوسط فإن عبء التقدم الثقيل فى المفاوضات سيلقى أساسا على أكتاف الفلسطينيين دون إلزام الإسرائيليين بإظهار أي بادرة حسن نية. يضاف إلى ذلك أن قرار بوش بتعيين رايس، يعد تعبيرا لرضاه عن توجهات السنوات الأربع الماضية، وأنه لا يرى ضرورة لأية تحولات درامية في الطريقة التي كان يدير بها السياسة الخارجية. ويتوقع من رايس أن «تغربل» العاملين فى وزارة الخارجية التي يعتقد كثير من الجمهوريين بأنها معادية بصورة سافرة لسياسة الرئيس. وربما تؤدي استقالة باول ونائبه ريتشارد أرميتاج إلى تغيير شامل في الشخصيات الأساسية في الوزارة. وقد ظل التناقض بين وزارة الدفاع ووزارة الخارجية قائما منذ عدة عقود، ولكن الناس يقولون إن هذه الصراعات كانت حادة بصورة خاصة في عهد بوش، ولذلك فإن رايس قد تجد نفسها في خلاف مع زملائها في الادارة حول أفضل السياسات التي يمكن اتباعها في المجال الدبلوماسي. وتقول دانييل بليتكا، نائبة رئيس معهد «إنتربرايز»، احد المعاهد المعبرة عن توجهات المحافظين الجدد إنها تشك أن تنتهي المعارك بصورة نهائية، حتى ولو كان القادة الكبار أقل انقساما حول القضايا الأيديولوجية مما هم عليه حاليا. وقالت «هذا لا علاقة له بباول أو رامسفيلد أو رايس، هذه أوقات شديدة الاضطراب، ومفترق طرق تاريخي، والوصول إلى منهج مناسب للتعامل مع هذه القضايا ليس أمرا سهلا تنبسط فيه الأشياء أمام العيون من البداية إلى النهاية».

وقد تميزت أغلب فترة باول بالصراعات الشرسة مع أعدائه في البيروقراطية الأميركية، كما تميزت بضآلة إنجازاته الباقية في القضايا الأساسية في السياسة الخارجية، إذ استطاعت كوريا الشمالية، في عهده وتحت بصره، أن تضيف إلى مخزونها من الأسلحة النووية، كما استطاعت إيران تحقيق تقدم كبير في بناء قنبلة نووية. واصيب باول بكثير من الإحباط وهو يحاول تحريك السياسة الأميركية إلى الأمام في قضية الشرق الأوسط. مما حدا به الى أن يدفع في إتجاه جديد لدعم البلاد الفقيرة عن طريق المساعدات الاميركية، وربط هذا باصلاحات اقتصادية وسياسية. وقال مسؤول كبير بوزارة الخارجية إن إستقالة باول كانت أمرا لا مفر منه، نسبة للتوتر بينه وبين ثلاث شخصيات هي الرئيس وتشيني ورامسفيلد. فلم يكن يجد أي موقع مريح بين هؤلاء. اذ كان بوش يتساءل عما إذا كان باول سيقف معه في حربه ضد العراق، فيما كان باول يعتقد بأن تشيني مصاب «بحمى» القاعدة والعراق، كما أنه كان يشعر بأن رامسفيلد لا يتعامل مطلقا باستقامة.

* خدمة «واشنطن بوست» ـ (خاص بـ«الشرق الأوسط»)