باول يغادر الإدارة الأميركية خاسرا رغم الإشادات الداخلية والخارجية

TT

اشاد وزراء خارجية عدة دول اوروبية بوزير الخارجية الاميركى المستقيل كولن باول، ففيما قال وزير الخارجية البريطانى جاك سترو ان باول ادى خلال سنوات خدمته عملا ممتازا فى التقريب بين واشنطن وحلفائها الاوروبيين وانه سيفتقده، وصف وزير الخارجية الفرنسي ميشيل بارنييه الوزير باول بأنه «بحق استاذ في عالم الدبلوماسية»، كما حصد وزير الخارجية الاميركى المستقيل ثناء الرئيس الاميركي جورج بوش الذي قال فى بيان عن باول «انه جندي ودبلوماسي وقائد مدني ورجل دولة ووطني كبير». غير ان الاطراءات لم تخف فى اليوم الاول بعد استقالته بعض الاحكام القاسية بحقه، واعادة النظر بشكل نقدي في انجازاته في الخارجية الاميركية خلال سنوات عمله. وفي اول رد فعل فرنسي على مغادرة باول، شددت باريس على ضرورة وجود علاقات قوية بين اوروبا والولايات المتحدة بعد استقالته، واشاد وزير الخارجية الفرنسي ميشيل بارنييه امس بالوزير الاميركي المستقيل رغم الخلافات بين بلديهما بشأن الحرب في العراق، الا ان بارنييه رفض التعليق مباشرة على تعيين كوندوليزا رايس مستشارة الامن القومي الاميركية خلفا لباول.

وقال بارنييه في مقابلة مع اذاعة «اوروبا 1 »: بالنسبة للولايات المتحدة فان الوقت قد حان للتطلع قدما لاعادة بناء وتجديد هذه العلاقة بين جانبي الاطلسي بين اوروبا واميركا باسلوب متوازن. وكرر الوزير الفرنسي الدعوة للوحدة داخل الاتحاد الاوروبي قائلا: اعتقد انه من الافضل للاميركيين مواجهة اوروبا تتحدث بصوت واحد. وأكد بارنييه الذي اصبح وزيرا للخارجية منذ ثمانية اشهر فقط، «خلال الاشهر الثمانية الاخيرة ارتبطت بعلاقات طيبة وصريحة للغاية مع كولن باول. انه بحق استاذ في عالم الدبلوماسية. لم يكن كولن باول متكبرا قط، بل كانت لديه دائما رغبة في الاقناع». وردا على سؤال عن رايس قال بارنييه «كوندي رايس هي سيدة تتمتع بشخصية متميزة. كانت لدينا دائما اتصالات مستمرة معها»، من دون ان يعلق مباشرة على قرار اختيار بوش لها. وقد اصدر بوش بيانا ليل اول من امس اشاد فيه بباول، ووصفه بأنه «واحد من الوجوه اللامعة في مجال الخدمة العامة في هذه المرحلة». وقال الرئيس الاميركى في بيانه «انه جندي ودبلوماسي وقائد مدني ورجل دولة ووطني كبير. اني اقدر صداقته وسنأسف لاستقالته». واضاف خلال السنوات الاربع التي امضاها في وزارة الخارجية، اقام كولن تحالفات جديدة ساعدت اميركا على كسب الحرب على الارهاب واعطت الصداقات القديمة الجديرة بالاحترام دفعا جديدا.

واكد البيان انه «ساهم في بناء تحالفين كبيرين حررا اكثر من 50 مليون شخص في افغانستان والعراق من نير الديكتاتوريين المتوحشين ويقدمان مساعدتهما لجعل هذين البلدين ديمقراطيات ناجحة». وتابع البيان انه «كان مساهما اساسيا في المبادرة للشرق الاوسط الكبير التي تساعد على توسيع مجال الحرية والديمقراطية في هذه المنطقة. واتاحت صفاته الدبلوماسية ايضا انهاء النزاعات الاقليمية وخفض التوتر في شبه القارة الهندية. وبفضل جهوده، حمل العالم على الاهتمام بأولئك الذين يعانون في السودان وليبيريا وهايتي». كما اشاد بوش بالدور الذي اضطلع به باول لاحتواء الازمة الناجمة عن اعتراض الصين في 2001 طائرة تجسس اميركية. وقال الرئيس الاميركى ان «آلاف الدبلوماسيين المحترفين يعترفون بفضله في تحديث وتقوية وزارة الخارجية». ورغم الاشادات الداخلية والخارجية باعتداله وفكره العملي، يغادر باول الادارة الاميركية بصورة «الخاسر» ايضا الذي لم ينجح في ان يفرض نفسه في مواجهة «الصقور» المحيطين بجورج بوش. وقد كانت السنوات الاربع التي تولى فيها ادارة الدبلوماسية الاميركية مليئة بالنزاعات التي انتهت لغير مصلحته مع رجال وزارة الدفاع (البنتاغون)، وعلى رأسهم الوزير دونالد رامسفيلد ومع نائب الرئيس ديك تشيني الذي يتمتع بنفوذ كبير.

وحاول باول في عدد كبير من القضايا التخفيف من حدة ادارة تبدي عمدا خشونة كبيرة، لكنه لم ينجح في وقف تدهور صورة الولايات المتحدة لدى الرأي العام العالمي او فى تغيير سياسات المحافظين نحو بعض الاعتدال. وقد بدا باول باستمرار كأنه مستبعد من القرارات المهمة داخل الادارة، سواء لدى اعلان بوش انسحاب الولايات المتحدة من معاهدة «كيوتو» حول ارتفاع حرارة الارض، او تصريحات الرئيس العنيفة حول دول «محور الشر»، وهى السياسات التى يعارضها باول، الا ان ايا من مواقفه خلال سنوات عمله، لم يضعه في موقف ملتبس باستثناء العراق. فقد قاتل ليذهب الملف الى الامم المتحدة من اجل الحصول على موافقة دولية على السياسة الاميركية، لكن هذه الدبلوماسية راحت ضحية امام اصرار المحافظين فى الادارة على المضى قدما فى خطة الحرب بالرغم من استمرار معارضة فرنسا والمانيا وروسيا فى مجلس الامن الدولى. ووقف باول الجنرال السابق في الخامس من فبراير (شباط) 2003 في مجلس الامن الدولي ليعرض «الادلة» الاميركية حول وجود اسلحة للدمار الشامل في العراق، قبل شهر واحد من اندلاع الحرب. لكن كل الادلة التى ساقها باول لتبرير الحرب انهارت بعد الفشل في العثور على الترسانة التي استخدمت لتبرير النزاع. وبعد شن الحرب، همشت وزارة الخارجية الى حد كبير فى ادارة شؤون العراق، وسيطرت وزارة الدفاع على مرحلة ادارة العراق في زمن ما بعد الحرب. ولم يتردد باول في التعبير عن شعوره بالمرارة، فقد سرب مدير مكتبه لاري ولكرسون لمجلة «جي كيو» في مايو (ايار) الماضي ان وزير الخارجية «يشعر بالتعب نفسيا وجسديا». واكد احد رفاقه الاوفياء وهو مساعد وزير الخارجية ريتشارد ارميتاج في المقال نفسه ان ذكرى كلمته في الامم المتحدة تشكل مصدر «ازعاج كبير» لباول.

وفي كتابه الذي نال شهرة كبيرة «خطة هجوم» حول الحرب في العراق، يؤكد الصحافي بوب وودورد ان باول حذر بوش من مخاطر احتلال هذا البلد، من دون جدوى. ويرى توماس كاروثرز الخبير في السياسة الخارجية في معهد كارنيغي الاميركي ان باول يثير اعجابي مثل كثيرين غيري في واشنطن لكن من الصعب التكهن بما سيتركه لما بعد. سيوصف بالتأكيد بانه صوت للحكمة والاعتدال لكن من الصعب ان نرى في اي مجال حقق انجازا كبيرا. اما روبرت ليبر استاذ العلاقات الدولية في جامعة جورج تاون في واشنطن، فيؤكد ان «الخلاف بين بوش وباول حول العراق كبير الى درجة كان يفترض ان تدفعه الى الاستقالة قبل الآن».

واضاف ان باول «لم يكن يتمتع بثقة بوش لكنه كان احد السياسيين الاكثر شعبية، لذلك لم يطرد قبل اعادة انتخاب بوش». وستشكل النسب العالية في التأييد الذي يتمتع به في استطلاعات الرأي عزاء لكولن باول بعد هذه السنوات الصعبة. وكذلك ستكون رسائل التضامن الكثيرة التي تلقاها من نظرائه في العالم الذين اعتمدوا عليه في معظم الاحيان لتليين موقف واشنطن.