يمني تعاون في إطار حملة مكافحة الإرهاب يشعل النار في نفسه أمام البيت الأبيض احتجاجا على «عدم وفاء» المباحث بوعودها له

العنسي شكا من عدم مكافأته على دوره في استدراج الشيخ المؤيد إلى ألمانيا التي سلمته لأميركا

TT

كشفت مصادر أميركية أن الرجل الذي أشعل النار في نفسه أول من أمس أمام البوابة الشمالية الغربية للبيت الأبيض هو مهاجر يمني يدعى محمد العنسي ،52 عاما، ويقيم قرب واشنطن، ويعمل مخبرا متعاونا مع مكتب المباحث الفيدرالي الأميركي (إف بي آي).

وقالت المصادر ذاتها إن المهاجر اليمني أراد الانتحار عن طريق اشعال النار في معطفه المبلل بمادة الغازولين احتجاجا على ما وصفه بعدم وفاء المباحث الأميركية له بالوعود التي قال إن المكتب قطعها له عقب نجاحه في استدراج الشيخ محمد المؤيد من اليمن إلى ألمانيا الذي سُلم فيما بعد للولايات المتحدة ليحاكم فيها بتهم تقديم الدعم لتنظيم «القاعدة» وحركة «حماس» مع رفيق له يدعى محمد زايد.

ويعالج العنسي حاليا في أحد مستشفيات واشنطن من حروق بالغة أتت على 30% من أجزاء جسده وفقا لما أعلنته شرطة العاصمة الأميركية. وقال المحققون إن العنسي انتهز فرصة فتح شارع بنسلفانيا أمام المارة فاقترب من احدى البوابات الرئيسية للبيت الأبيض في الساعة الثانية وخمس دقائق من بعد ظهر الأحد، وتحدث إلى أحد رجال الشرطة السرية طالبا منه إيصال رسالة مكتوبة منه للرئيس جورج بوش فما كان من الحارس إلا أن دفعه بعيدا فأخرج الرجل من جيبه ولاعة سجائر وأشعل النار في معطفه المبلل مسبقا بمادة سائلة سريعة الاشتعال.

وقال آلن إيتر، الناطق باسم دائرة الخدمات الطبية والإطفاء، إن حراس بوابة البيت الأبيض سرعان ما ألقوا بالرجل أرضا وأطلقوا خراطيم المياه لإنقاذه، واتضح فيما بعد أنه يعاني من حروق من الدرجة الثانية والثالثة في رأسه ووجهه وظهره وذراعيه. وأضاف الناطق أن المصاب نقل على متن سيارة اسعاف إلى مركز واشنطن الطبي حيث يخضع للعلاج من الحروق التي أصيب بها. وكان أطباء البيت الأبيض قد شاركوا قبل ذلك مع رجال الشرطة السرية في تقديم الاسعافات الأولية للعنسي الذي يعرف أيضا باسم محمد الحضرمي.

وفي السياق ذاته كشفت صحيفة «واشنطن بوست» أن المهاجر اليمني اتصل بها قبل يوم واحد من الحادث معلنا عزمه على الانتحار لكنه لم يحدد المكان والزمان واكتفى بالقول إنه سيعاود الاتصال من مكان مهم قبل عشر دقائق فقط من موعد المحاولة. وفي اليوم التالي اتصل بالفعل وتحدث مع أحد محرري الصحيفة وأبلغه أنه موجود أمام البيت الأبيض وقد سكب الغازولين على ملابسه وأنه سيشعل النار في نفسه بعد دقيقتين وليس عشر دقائق المدة المحددة سلفا. وسارعت الصحيفة إلى إبلاغ شرطة واشنطن فقامت الشرطة بإبلاغ وحدة عمليات خاصة إضافة إلى شرطة حماية الحدائق العامة المسؤولة عن حراسة المنطقة.

وقالت «واشنطن بوست» كذلك إن العنسي أعرب للمحرر في اتصالاته السابقة عن غضبه من عدم قدرته على السفر إلى اليمن لزيارة أسرته هناك وقال إنه يعاني من مرض السكر ومشاكل في القلب وأن زوجته تعاني في اليمن من سرطان في المعدة. وقال العنسي إنه غير قادر على السفر إلى بلاده لعدم وجود مال كاف لديه، إضافة إلى أن مكتب المباحث الفيدرالية يحتجز جوازه اليمني في نيويورك للإدلاء بشهادته في إحدى القضايا المتعلقة بالإرهاب يعتقد أنها قضية الشيخ المؤيد.

وبعث العنسي برسالة إلى ضابط في مكتب المباحث الفيدرالي في نيويورك يدعى روبرت فولر جاء فيها «يجب أن أسافر إلى اليمن لرؤية زوجتي المريضة وبقية أفراد أسرتي قبل أن أدلي بشهادتي في المحكمة أو في أي مكان آخر» وتساءل العنسي في رسالته التي بعثها بالفاكس «لماذا أنتم غير مهتمين بحياتي وحياة أسرتي؟ إنني حال إدلائي بشهادتي سوف تقتل أسرتي في اليمن وأنا أيضا سوف أتحول إلى رجل ميت».

ورفض مكتب المباحث التعليق على مزاعم المهاجر اليمني بأنه عمل مخبرا مع المكتب، ونقلت «واشنطن بوست» عن المتحدث باسم المكتب في نيويورك، جو فالكيت، قوله إنه ليس من سياسة المكتب الكشف عن المتعاونين أو الشهود.

ووصف العنسي نفسه في اتصالاته مع الصحيفة بأنه كان رجل أعمال ناجحا في اليمن وأنه غاضب من الـ«إف بي آي» لأن ضباط المكتب لم يفوا بوعودهم له بمنحه أموالا طائلة وتسهيل حصوله على الجنسية الأميركية أو الإقامة الدائمة وتوفير الحماية اللازمة له. وقال العنسي في مقابلة سابقة مع «واشنطن بوست» إن قصته بدأت مع «إف بي آي» بعد هجمات 11 سبتمبر (أيلول) 2001 حيث توجه إلى مقر للمكتب في نيويورك عارضا خدماته لتقديم معلومات عن مصادر تمويل تنظيم «القاعدة» وأصبح منذ ذلك الحين مصدر معلومات مهما للمباحث الفيدرالية وسافر إلى اليمن عدة مرات لجمع معلومات عن الإرهاب.

واعترف العنسي بأنه حصل على مئة ألف دولار من «إف بي آي» عام 2003 لكنه يعتبر هذا المبلغ قليلا وكان يتوقع أكثر من ذلك لأنه علم من بعض عملاء المباحث أنه يمكن أن يصبح مليونيرا ، وكرر أنه كان موعودا بالحصول على بطاقة الإقامة الدائمة ولكن الوعد لم ينفذ.

وقال العنسي إنه لم يعد لديه مال كاف لدفع فواتيره الطبية ولا لشراء الأدوية، بعد أن أجرى عملية جراحية في مستشفى فيرفاكس في إحدى ضواحي واشنطن لفتح شرايين متصلبة. وأضاف أنه يشعر بأنه ارتكب خطأ كبيرا في التعاون مع المباحث، قائلا إن «إف بي آي» دمر حياته وحياة أسرته وجعله في موقف خطير جدا. وتابع «انا لست مجنونا لكي أدمر حياتي وحياة أسرتي مقابل مائة ألف دولار».

وقال العنسي إن المباحث الفيدرالية فشلت في التستر على دوره فيما يتعلق بعملية ألمانيا في يناير (كانون الثاني) 2003 التي أسفرت عن اعتقال الشيخ محمد المؤيد ورفيقه محمد زايد.

وأقر العنسي لصحيفة «واشنطن بوست» بأنه لعب دورا مهما في إنجاح عملية اقناع المؤيد للسفر من صنعاء إلى فرانكفورت حيث شاركت السلطات الألمانية في تسجيل حديث للمؤيد عن إرسال أموال لتنظيم «القاعدة» وجرى اعتقاله اثر ذلك.

ونقلت «واشنطن بوست» عن الضابط فولر أن العنسي تعاون معه منذ شهر نوفمبر (تشرين الثاني) 2001 وأنه ساهم جزئيا في اعتقال عشرين شخصا ومصادرة أكثر من مليون دولار أميركي. وكانت الصحيفة قد نشرت عام 2003 قصة العنسي مع مكتب المباحث الأمر الذي أدى ، حسب قول العنسي، إلى تعرض أسرته في اليمن إلى مضايقات وتهديدات.

وأشار العنسي في مقابلاته الصحافية إلى أنه دخل الولايات المتحدة عام 2001 عن طريق تأشيرة زيارة للبحث عن فرص عمل تجاري وكان قد عمل سنوات السبعينيات في السفارة الأميركية باليمن. وشرح مصدر في السفارة اليمنية لـ«الشرق الأوسط» طلب عدم الكشف عن اسمه الملابسات التي أدت إلى اعتقال الشيخ المؤيد في ألمانيا، زاعما أن محمد العنسي هو الذي حدد الزمان والمكان، ورتب اللقاء مع متبرع أميركي وهمي أدعى أنه سيتبرع لصالح المشروعات الخيرية التي يتبناها مركز الإحسان الخيري في العاصمة صنعاء ويرأسه الشيخ المؤيد.

وأوضح أن هناك عداء بين المؤيد والعنسي تعود أسبابه إلى خلاف حدث بين المؤيد ومقاول من أقارب العنسي وصل إلى حد رفع السلاح الأبيض على المؤيد في المسجد، ما دفع الشباب الذين كانوا في المسجد إلى ضربه، وقد حلت المشكلة بتدخل مشايخ من خولان وغيرها، غير أن المصدر يعتقد أن العنسي أراد أن يثأر لقريبه. وقال الاصولي المصري ياسر السري مدير «المرصد الاسلامي» الذي يهتم بأخبار الاصوليين حول العالم في اتصال هاتفي اجرته معه «الشرق الاوسط» ان الشيخ المؤيد طلب من أولاده رفع دعوة قضائية ضد العنسي لأنه كان يقوم بجمع تبرعات باسم الشيخ المؤيد لصالح «الفرن» التابع لمركز الإحسان الخيري بصنعاء الذي يشرف عليه المؤيد، لكنه كان يضع تلك التبرعات في حسابه الخاص. وكان المؤيد قد شرح في رسالة وزعها «المرصد الاسلامي» بتاريخ 23 ابريل 2003 ونشرتها «الشرق الاوسط» في حينه، الملابسات التي أدت إلى اعتقاله في ألمانيا، وقال إن العنسي هو الذي حدد الزمان والمكان، ورتب اللقاء مع الأميركي الذي ادعى أنه سيتبرع لصالح المشروعات الخيرية التي يتبناها مركز الإحسان الخيري في صنعاء, الا انه كان في الحقيقة عميلاً للمخابرات الاميركية. واضاف المؤيد في رسالته: «أوهمنا العنسي بأن الأميركي مريض نفسيا وعلينا ان نجاريه فيما يقوله و لا نتناقش معه حتى نحصل منه على التبرعات التي وعدنا بها والتي كانت ستغطي مصاريف الفرن والمدرسة والعيادة لسنوات والتي اقسم لنا على المصحف انه سيدفعها لنا. وكان الاتفاق ان تنفق في تلك الاوجه فقط. وكتب العنسي ذلك بخط يده وكانت الورقة التي كتبها من بين الاوراق التي صادرتها الشرطة يوم الاعتقال. وفيها ايضا ان الأميركي قال انه ينبغي ان يكون هناك اشخاص آخرون يمكن ان ترسل اليهم الاموال غيري، فقلت لهم يمكن ان ترسل الأموال باسم الاولاد او باسم ام ابراهيم او باسم محمد زايد وكتب العنسي ذلك بخط يده».