تحذيرات من انتقال التوتر «الإسلامي» في هولندا إلى ألمانيا

سياسيون يقترحون ترحيل أئمة المساجد «المحرضين» وفرض الألمانية على خطبهم

TT

لم تنتقل بعد أعمال العنف ضد المساجد والجالية الإسلامية من هولندا إلى ألمانيا ، لكنها تحولت إلى حقيقة ماثلة وحالة «فزع» فرضت نفسها على السياسيين والصحافة رغم تحذيرات وزير الداخلية الاتحادي اوتو شيلي من اختلاق حالة «فزع». وتجسد هذا الواقع من خلال التحذيرات التي يطلقها السياسيون يوميا، وخصوصا من قبل وزراء داخلية الولايات الألمانية، من «الإسلام المتشدد»، وبفضل سيل المقالات الذي لا ينقطع في الصحف والمجلات الألمانية عن «الإسلام والعنف» و«الإسلام والديمقراطية» و«المجتمع المتعدد الثقافات»... الخ . ومن الطبيعي أن كل هذه الضجة لم تكن بمعزل عن أحداث هولندا الدراماتيكية التي تلت اغتيال المخرج الهولندي ثيو فان غوخ.

ويمكن القول ان ألمانيا، وخصوصا ولاية الراين الشمالي فيستفاليا المحاذية لهولندا، تعيش حالة «انفصام» سياسية ـ ثقافية، تتبين أعراضها من خلال دعوات التسامح والحوار الديني التي تطلقها أحزاب الحكومة والإجراءات المتشددة ضد «المحرضين» من أئمة المساجد، التي يطالب بها المحافظون في المعارضة. هذه الثنائية في الموقف تجلت أيضا الأحد الماضي، حينما هنأ رئيس الجمهورية هورست كولر المسلمين بمناسبة عيد الفطر المبارك، وتمنى تحويل أيام الأعياد الإسلامية إلى أيام عطل رسمية، وقابله وزير داخلية بافاريا، غونتر بيكشتاين، بتصريحات تحذر من «الهولنديين الحالمين بالمجتمع المتعدد الثقافات»، والدعوة للتشدد في منح الجنسية للأجانب. وكان كولر السياسي الوحيد الذي وضع النقاط على الحروف من خلال التعبير عن خشيته من تزايد عنف اليمين الفاشي ضد المسلمين. وواقع الحال أن المجتمع الألماني عرف هذا النوع من العنف، وخصوصا حرق المساجد وتدنيس القبور، كعنف تمارسه المنظمات النازية ضد المسلمين. ولا شك أن النازيين سيكونون أول المستفيدين من كل حملة لتخويف المجتمع المسيحي الألماني من خطر المتطرفين الاصوليين. مثل هذا التحريض ضد الإسلام أفاد اليمين الهولندي المتطرف في زيادة شعبيته، وتنوي المنظمات النازية الألمانية، الساعية لتوحيد قواها في جبهة انتخابية واحدة، استثماره في حملاتها الدعائية القادمة.

* فرض اللغة الألمانية على خطب أئمة المساجد

* وفي حين دعا شيلي في لقائه مع القناة الثانية في التلفزيون الألماني إلى اليقظة لا الفزع في مواجهة أحداث هولندا، دعت انيته شافان، من الحزب الديمقراطي المسيحي، إلى ضرورة فرض اللغة الألمانية على خطب ومواعظ أئمة المساجد في ألمانيا بهدف فرض رقابة أكبر على تحركات المحرضين. وقالت شافان انه من غير المقبول السماح بإلقاء المواعظ في ألمانيا بلغة لا يفهمها الألمان. ونسيت شافان أن تشير إلى أن المعابد اليهودية في ألمانيا لا تعظ رعاياها باللغة الألمانية، وأن الكنيسة الارثوذوكسية الروسية تعظ رعاياها في ألمانيا باللغة الروسية.

وجاء الرد على مطالب شافان على لسان كورنيلا زونتاج ـ فولغاست، رئيسة لجنة الشؤون الداخلية في البرلمان الألماني من الحزب الديمقراطي الاشتراكي، التي وصفت هذه المطالب بـ «الخطيرة». وقالت خبيرة الحزب الحاكم في الشؤون الداخلية، ان مطلب شافان يضع كافة أئمة المساجد في قائمة المشبوهين «بالدعوة للإرهاب». كما انتقدت كلاوديا روت، رئيسة حزب الخضر، دعوات شافان ووصفتها بالتطرف، لكنها دعت إلى تخريج أئمة المساجد في ألمانيا من الجامعات الألمانية. كما دعت روت إلى ضرورة تعميم تجربة تدريس مادة الدين الإسلامي في المدارس الألمانية باللغة الألمانية.

ويمكن اعتبار مقترحات شافان امتدادا فعليا للضجة الجارية في هولندا إلى ألمانيا، لأن هولندا تدرس الآن مقترح «وقف تصدير الأئمة» من الخارج إلى هولندا، وإعداد مدرسي مادة الدين الإسلامي في داخل البلد. ومعروف أن وزارة الداخلية التركية تعين أئمة المساجد التركية وترسلهم من تركيا إلى ألمانيا، وتفعل ذلك وفق اتفاقات خاصة مع الحكومات الألمانية المحلية في الولايات.

* ترحيل أئمة المساجد «المحرضين»

* وكما هي الحال في القضايا الأخرى التي تهم الأجانب واللاجئين، كانت حكومة بافاريا أكثر تشددا من غيرها في الحذر من امتداد «الاضطرابات الدينية» في هولندا إلى ألمانيا. ودعا غونتر بيكشتاين، وزير داخلية بافاريا، إلى ضرورة إبعاد كل إمام مسجد يحرض على العنف والإرهاب إلى خارج ألمانيا. وقال بيكشتاين ان الدعوة للحقد ورفض التسامح تعني عدم احترام الديمقراطية الألمانية والدستور وتجعل من إبعاد ممارسيها إلى خارج البلد أمرا مشروعا.

ولم تقتصر مقترحات الإبعاد البافارية على الأجانب والمقيمين واللاجئين فحسب، وإنما تعدتها لتشمل المتجنسين أيضا. وطالب بيكشتاين بإلغاء الجنسية الألمانية عن المحرضين، وقال ان الحكومة الألمانية الحالية تساهلت كثيرا في قانون التجنس الجديد.

وتدرس ولاية براندنبورغ (شرق) حاليا احتمال تسفير إمام مسجد في حي كرويتسبيرغ الشعبي، الذي تسكنه غالبية تركية، إلى بلده. وقال وزير داخلية الولاية ايرهارت كورتنغ، ان إمام المسجد متهم بالتحريض ضد الشعوب وان سلطات برلين تدرس احتمال ترحيله وفق قرار عاجل يصدر عن المحكمة.

وأشارت صحف برلين إلى أن المقصود هو إمام مسجد «مولانا» التابع للاتحاد الإسلامي ببرلين. وتتوفر معلومات لدى دائرة حماية الدستور البرلينية تقول بأن الشيخ التركي وصف الألمان في إحدى خطبه بأنهم «ليسوا بذي نفع للعالم». وذكرت صحيفة «برلينر تسايتونغ» ان الشيخ، الذي يعيش في ألمانيا منذ السبعينات، اعتذر عن «زلة لسانه»، لكن من غير المتوقع أن يفلح الاعتذار في وقف ترحيله.

وفي حديث لـ «الشرق الأوسط» مع المجلس المركزي للمسلمين في ألمانيا، قال الدكتور نديم الياس، رئيس المجلس، انه لا يتوقع انتقال أعمال العنف ضد المسلمين إلى ألمانيا. وأضاف: إذا ما حدث ذلك فإن الجهات المرشحة لتنفيذ ذلك هي المنظمات اليمينية المتطرفة التي تقف وراء الحوادث في هولندا أيضا، وسبق لها أن نفذت العديد من الاعتداءات على المسلمين ومؤسساتهم في ألمانيا.

وقال الياس: «بالرغم من شهرة هولندا كبلد قطع شوطا بعيدا في تحقيق اندماج الأجانب في المجتمع، إلا أنه ظهر أن ذلك تم دون تهيئة شعبية ودون حوار واسع وهادئ، ولهذا السبب فقد بدت مظاهر الاحتجاج ضد وجود الأجانب وضد التعديلات على الدستور الخاصة بهم». وردا على سؤال حول موقفه من الدعوة إلى فرض اللغة الألمانية على خطباء المساجد وترحيل «المحرضين» منهم، قال الياس ان مقترح اللغة «غير واقعي أولا، وغير قانوني ثانيا. غير واقعي لأنه يتطلب إعداد خطباء المساجد في المؤسسات الجامعية الألمانية وإدخالهم في دورات تقويم اللغة». وكان إلقاء الخطب في المساجد باللغة الألمانية من مقترحات المجلس منذ عام 1994، لكن السلطات الألمانية رفضته بشدة. وأضاف ان المقترح غير قانوني لأن المساجد عبارة عن روابط مسجلة قانونيا ولا وجود لقانون يفرض عليها لغة ما. كما لا يراعي المقترح حقيقة أن الخطب في المعابد اليهودية والكنائس الأرثوذوكسية لا تتم باللغة الألمانية.

وبماذا ينصح الياس المسلمين في ألمانيا؟ ينصح الياس المساجد باعتماد سياسة المسجد المفتوح أمام الألمان وإتاحة الفرصة للجميع للاستماع إلى الخطب باللغتين الألمانية والعربية (أو التركية) باعتبار ذلك وسيلة لكسب الارتياح وتعزيز الثقة بين المسلمين وغيرهم. وأشار الياس إلى أن أئمة العديد من المساجد التركية يلقون خطبهم باللغة الألمانية بشكل طوعي، لكن المطالبة بفرض اللغة الألمانية على الخطباء بهذا الشكل الاستفزازي مرفوض. وقد دعا مجلس الجالية التركية في ألمانيا إلى تظاهرة حاشدة ضد العنف والإرهاب السبت المقبل.