السلطة الفلسطينية تشكل لجنة رسمية لتقصي «ملابسات» وفاة عرفات وفرنسا تنفي مجددا تعرضه للتسمم

وفد فلسطيني يتوجه قريبا إلى باريس ليطلب تقريرا طبياً * صحيفة فرنسية: عرفات مات بسبب اضطرابات في آليات تخثر الدم.. وأخرى تقول بتليف في الكبد

TT

شكلت السلطة الفلسطينية امس لجنة تقصي حقائق لمتابعة الملف الطبي للرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات وسط مطالب شعبية للاعلان عن اسباب وفاته. في وقت نفت فيه الحكومة الفرنسية فرضية ان يكون عرفات قد تعرض للتسمم مؤكدة انه لو كان لدى الاطباء «ادنى شك لأحالوا القضية الى القضاء» ورفضوا السماح بدفنه. وأكدت معلومات ان وفدا فلسطينيا سيتوجه قريبا الى باريس ليطلب تقريرا طبيا حول وفاة الرئيس عرفات.

وقال روحي فتوح الرئيس المؤقت للسلطة الفلسطينية «طلبنا رسميا عبر القنصل الفرنسي تزويدنا بالتقرير الطبي من اجل نشره واطلاع الرأي العام الفلسطيني على اسباب المرض. ننتظر الرد من فرنسا وقد تم تشكيل لجنة تحقيق.. وسيذهب وفد الى فرنسا للتحقق».

واصدر احمد قريع رئيس الوزراء الفلسطيني رئيس مجلس الامن القومي قرارا بتشكيل لجنة للتحقيق في ملابسات الوفاة التي أحاط بها الكثير من الغموض. ويرأس اللجنة وزير الصحة وتضم مندوبين من وزارة الخارجية ووزارة الداخلية ووزارة العدل والامانة العامة للرئاسة الفلسطينية والمخابرات العامة والهلال الاحمر الفلسطيني والطبيب الخاص لعرفات.

وقال بيان صدر عن مكتب رئيس الوزراء «يأتي تشكيل هذه اللجنة في ضوء التساؤلات التي طرحت في الشارع الفلسطيني حول ظروف مرض واستشهاد السيد الرئيس خاصة في ظل غياب المعطيات الكاملة حول التشخيص النهائي للمرض ولعدم نشر اسباب الوفاة».

وطلب قريع ومحمود عباس رئيس اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية من الحكومة الفرنسية تزويدهم بالتقرير الطبي ومعلومات كاملة عن اسباب الوفاة. لكن ميشيل بارنييه وزير الخارجية الفرنسي قال امس ان عائلة عرفات هي الجهة الوحيدة المخولة للحصول على الملف الطبي لعرفات. ويحظر القانون الفرنسي على الاطباء الفرنسيين نشر تفاصيل عن حالة المريض الا لاحد أقاربه.

وفي باريس نفت الحكومة الفرنسية ضمنيا امس ان يكون ياسر عرفات قد تعرض للتسميم مؤكدة انه لو كان لدى الاطباء «ادنى شك لأحالوا القضية الى القضاء» ورفضوا السماح بدفنه. وقال الناطق باسم الحكومة جان فرنسوا كوبيه ردا على اسئلة في ختام مجلس الوزراء الفرنسي ان «عرفات تلقى افضل علاج ممكن واجريت له كل الفحوصات التي ينبغي اجراؤها. ولو ساور الاطباء اي شك لأحالوا الملف الى القضاء». واضاف «لقد تم اصدار اذن بمواراة الجثمان الثرى».

من جهة اخرى عبر وزير الصحة الفرنسي فيليب دوست بلازي عن امله في ان «يتم احترام» السرية الطبية حول وفاة الرئيس الفلسطيني. وردا على اسئلة الصحافيين لدى خروجه من اجتماع الحكومة، قال دوست بلازي «ثمة قانون في فرنسا يقول ان السرية الطبية عائدة الى العائلة والى اصحاب الحق او يمكن نقلها الى الطبيب الذي تحدده العائلة». واضاف «هذا هو القانون واتمنى ان يحترمه الجميع ولا سيما من قبل كل الاطباء في فرنسا».

وذكرت صحيفة «لوموند» امس ان اطباء فرنسيين مطلعين على ملف عرفات استبعدوا فرضية التسميم مشددين على ان الزعيم الفلسطيني قد يكون توفي جراء اصابته بمرض يصيب الدم معروف باسم «تخثر الدم المتفرق». وقالت الصحيفة «انه اضطراب كامل في كل الاليات التي تؤمن عادة توازن عملية تخثر الدم» موضحة ان هذه العملية تؤدي «الى ظهور نزيف حاد قد يكون قاتلا». واوضحت الصحيفة ان هذه الاصابة «ليست مرضا بحد ذاته بل انها اعراض مرضية مصدرها اما سرطان او التهاب».

ونقلت الصحيفة عن مصدر عسكري في مستشفى بيرسي الذي كان يرقد فيه عرفات، ان الفريق الطبي «تحرك بسرعة مستخدما تقنيات متطورة» حول فرضية ان يكون تعرض عرفات للتسميم «قبل ان يستنتج ان ذلك لم يحصل». من جهته كشف طبيب فرنسي، رافق الوضع الطبي للرئيس الفلسطيني خلال أسبوعين من تلقيه للعلاج في مستشفى بيرسي قرب باريس، ان عرفات توفي من «اشتراكات» مرضية مزمنة، نتجت عن تليّف حاد بالكبد، وهو المرض المعروف شعبيا بتشمّع الكبد، وفق تحقيق نشرته في عددها الأسبوعي أمس مجلة «لو كنار أونشانيه» الفرنسية، نقلا عن الطبيب الذي طلب منها عدم ذكر اسمه.

وذكرت المجلة أن التشخيص الذي أجراه أطباء عرفات في فرنسا كشف لهم بأن التليّف الكبدي هو الذي أدى لدخوله في غيبوبة عميقة، تلاها وهو غائب عن الوعي نزيف دموي أدى إلى وفاته. أي أن الرئيس الفلسطيني «توفي لأسباب مرضية عدة» وليس من مرض أو طارىء سلبي واحد على صحته، كالتسمم مثلا. لكن هذه الأسباب نتجت بدورها عن علة رئيسية لم تتم معالجتها سابقا، وهي التليّف الكبدي الحاد.