رايس: إن الإسرائيليين سيتفاوضون مع الفلسطينيين بعدما يصبحون ديمقراطيين وأن مصلحة أميركا فوق مصلحة «مجتمع دولي متخيل»

كيف تفكر وزيرة الخارجية الأميركية المعينة في السلام بين إسرائيل والفلسطينيين والعراق وإيران والحلفاء ؟

TT

«نعاقب فرنسا، ونتجاهل المانيا ونسامح روسيا»، هكذا اوصت كوندوليزا رايس وزيرة خارجية اميركا الجديدة ادارة الرئيس الاميركي جورج بوش بوصفها مستشارة للأمن القومي الاميركي، وذلك خلال احتدام الخلاف بين واشنطن وحلفائها الاوروبيين بسبب خطط بوش غزو العراق. لا تبدو هذه النصيحة مثيرة للتفاؤل فيما يتعلق بطريق ادارة رايس للخارجية الاميركية خلال السنوات الاربع المقبلة. ومن الدلائل الجديرة بالملاحظة ان ايا من الدول الاوروبية لم يعلق على اختيارها للمنصب، فيما علق بعض الزعماء الاوروبيين، بينهم بالطبع الرئيس الفرنسي جاك شيراك، على رحيل وزير الخارجية المستقيل كولن باول، اذ قال شيراك عنه «انه رجل دولة محترم ذو رؤية»، معربا عن شعور شخصي وشعور اوروبي عام بافتقاد الرجل الاكثر نيلا للاحترام في اوروبا من بين كل مسؤولي الادارة الاميركية. غير ان آراء رايس لا تبدو مثيرة للقلق فقط فيما يتعلق بعلاقة اميركا بحلفائها، اذ انه معروف عنها ايمانها بضرورة استخدام القوة الاميركية على نطاق واسع كلما كان ذلك ضروريا لتحقيق المصالح الاميركية على اساس ان المصلحة الاميركية هي من حيث المبدأ مصالح للكون كله. أليست هي القائلة حول استخدام القوة «ليس هناك خطأ في عمل شيء يفيد كل الانسانية». ولم تتعلم رايس هذه الافكار من مؤسسات المحافظين الجدد، بل تعلمتها من عملها لفترة طويلة في الادارات الاميركية المختلفة في قضية الحرب الباردة ومواجهه «قوى الشر» العالمية ممثلة في الاتحاد السوفيتي السابق.

واتساقا مع ايمانها «العقيدي» بدور اميركا الاخلاقي في العالم، واحقية واشنطن فى القيادة منفردة، طالما انها اكثر الامم تعبيرا عن «روح الرسالة» في المجتمع الدولي، يبدو رأي رايس في التعاون الدولي والاعتماد المتبادل سلبيا على حد كبير. فهي سبق أن قالت ان «الاعتماد المتبادل والاتفاقيات الدولية والمؤسسات الدولية ليست هدفا في حد ذاتها. السياسة الخارجية في الادارة الجمهورية سوف تركز بالتأكيد على اخذ وجهات نظر الحلفاء في كل القضايا، غير انها ستنطلق بالاساس من اعتبارات المصلحة الوطنية الاميركية، وليس من مصالح مجتمع دولي متخيل». هذه الرؤية التي تتسق تماما مع افكار المحافظين لا تفاجئ احدا، وان كانت تلقى بمزيد من القلق على الامكانيات الفعلية لتغيير ادارة بوش سياساتها حيال العالم.

اما فيما يتعلق بالشرق الاوسط على وجه الخصوص، فأفكار رايس تنبئ حتى بموقف اكثر تشدد. فهي قالت يوما عن المشكلة الفلسطينية «ان دولة فلسطينية ديمقراطية وتتمتع بالشفافية، لن تلاقي فقط طموحات الفلسطينيين، بل انها ستقنع اسرائيل بأن هناك طرفا فلسطينيا حقيقيا جاهزا للانخراط في عملية السلام». وحول العراق وايران وكوريا الشمالية وهي دول، باستثناء العراق الان، تتهمها واشنطن بالعمل سرا لانتاج اسلحة دمار شامل، تلخص رايس موقفها في «على الولايات المتحدة ان تتعامل مع هذه الانظمة بصرامة وتصميم. ان الخط الاول لدفاعنا يجب ان يعتمد على مبدأ الردع. وحتى اذا حازوا اسلحة دمار شامل، فإنهم لن يستطعيوا استخدامها، لانهم لو فعلوا هذا فإنهم سينتهون». وحتى حول الصين التي هي اكبر شريك تجاري للولايات المتحدة، تقول رايس «التعاون مع الصين يجب ان يستمر. لكن لا يجب علينا ان نخاف من من مواجهة بكين عندما تستدعي مصلحتنا هذه المواجهة». وفي كلمته القصيرة للاعلان عن تعيينه رايس في منصب وزيرة الخارجية خلفا لباول، وضع بوش ما يمكن وصفه بأنه تصوره للقضايا الاساسية التي ستضعها الادارة الجمهورية على رأس اولوياتها خلال السنوات الاربع الماضية. هذه القضايا على حسب الترتيب الذي جاء في كلمة الرئيس الاميركي: مكافحة الارهاب، والاصلاح في الشرق الاوسط، وحل الصراع العربي ـ الاسرائيلي مع الوضع في الاعتبار طموحات الشعب الفلسطيني السلمية في اطار دولة ديمقراطية، بما يضمن امن اسرائيل. وقال بوش في كلمات ثناء استثنائية لا يحظى بها المسؤولون في ادارته بها كل يوم ان رايس هي الشخص الملائم لانجاز كل هذه المهام الصعبة. غير ان افكار رايس والقضايا الصعبة التي يجب عليها ان تتعامل معها لا تنبئ ان تغييرا كبيرا سيحدث، وان حدث فقد يحدث للاسوأ. فرايس تتحرك في عملها وافكارها كأنها تنقل من كتاب، ولا تتمتع بالكثير من البرجماتية التي يتمتع بها كولن باول. وبمعنى اخر اذا كانت وزيرة الخارجية الاميركية تتحدث كثيرا عن المصالح الاميركية في العالم، الا ان تعريف هذه المصالح وفقا للجمهوريين من الامور الملتبسة. وبحسب المراقبين لافكار ومؤسسات المحافظين الجدد في اميركا، فان نشر حزمة غامضة ملتبسة من الافكار والمفاهيم مثل الحرية والديمقراطية وحقوق الانسان، يشكل بالنسبة للمحافظين «مصلحة وطنية»، فيما يظل موضوع مواجهة اعداء حقيقيين ملموسين مثل اسامة بن لادن او تنظيم القاعدة مهما «خطابيا» في برنامج الجمهوريين بدون ان يكتسب نفس الاهمية عمليا. ولم يسبق لرايس ان عملت في المجال الدبلوماسي او انتسبت الى اوساط الخارجية الاميركية، ولو انها درست ودرست العلاقات الدولية طوال عمرها. وهذه الخاصية بالذات هي ما تخيف حتى المسؤولين المعجبين بها. فلدى تعيينها قال مستشار الامن القومي الاميركي السابق زبيجنيو بريجنسكي عنها «انها قديرة»، غير انه قال ان اكثر ما يخيف هو انها ربما لا تدرك مقدار تعقد السياسة الاميركية والعالم، وذلك لميلها الى اختزال كل تعقيدات الواقع في «نظريات كبرى».

وبعد ان امضت اربع سنوات في البيت الابيض حيث شغلت مكتبا مجاورا لمكتب جورج بوش، باتت تعرف بشكل ممتاز اولويات الرئيس وسبل تحقيقها. وان كان ولاؤها كبيرا لجورج بوش الذي اعيد انتخابه في الثاني من نوفمبر (تشرين الثاني) لولاية ثانية، الا انها تلقت اعدادها في مدرسة الجمهوريين المقربين من جورج بوش الاب الذي تولى الرئاسة الاميركية بين 1989 و1993، وهي مدرسة اكثر كلاسيكية. ومن هؤلاء الجمهوريين باول وبرنت سكوكروفت الذي كان مستشارا للامن القومي في عهد جورج بوش الاب والذي بقي على اتصال منتظم معه. وقد انتقد سكوكروفت مرارا البيت الابيض الحالي، وعلى الاخص قراره مهاجمة العراق بدون الحصول على دعم دولي حقيقي. واعتبر في مقالة نشرتها صحيفة «واشنطن بوست» اخيرا انه يتحتم على جورج بوش الان تركيز جهوده على مسائل الشرق الاوسط «التي لها تأثير مباشر على امن الولايات المتحدة ومصيرها». وقال برنت سكوكروفت «ان مسائل العراق واسرائيل ـ فلسطين وايران والارهاب اجزاء من كل، ولا يمكن معالجتها بالشكل المناسب الا بصفتها ككل»، ملخصا بذلك رؤيته للمهمة التي حددها جورج بوش لكوندوليزا رايس.