شرطة أبوظبي تحدد هوية الإنسان الأول في الإمارات العربية المتحدة

في إطار برنامج المسح الأثري لجزر أبوظبي

TT

في أول عمل مشترك من نوعه بين علماء معامل الطب الشرعي برئاسة شرطة أبو ظبي، وعلماء البعثة الأثرية لجزر أبوظبي، المعروفة اختصارا بـ«ADIAS»، سخر العلماء مهاراتهم ومعارفهم لدراسة أقدم الهياكل العظمية، الذي عثر عليه في أبوظبي. وقد عثر على هذا الهيكل العظمي أثناء حفريات قام بها فريق الدكتور مارك بيتش، من أدياس، بداية هذا العام، في جزيرة مروح بشرق امارة أبوظبي التي تعتبر محمية بحرية طبيعية. وقد عثر الفريق أثناء التنقيب في الموقع إم آر11، على سلسلة من المباني الحجرية، وعثر في واحد من هذه المباني على هيكل عظمي على منصة صخرية، ولم يكن الهيكل بحالة تسمح للفريق بتحديد ما إذا كان خاصا برجل أم إمرأة.

ولكن، وبفضل المهارات في معامل الطب الشرعي بشرطة أبوظبي، تم تحديد جنس الهيكل العظمي، بعد اختبارات أجريت على الحمض النووي. ويشير النظام الإشعاعي الكربوني، الذي يحدد الأعمار، الى أن الهيكل العظمي المذكور يرجع تاريخه إلى حوالي 7500 سنة. وبالتالي فإن اكتشاف هذا الهيكل والمباني التي احتوته، يعد الشاهد الأقدم الذي عثر عليه حتى الآن، على وجود الإنسان في الإمارات.

ومن بين الأعضاء التي لم يصبها التلف في الهيكل العظمي، هناك عدة أسنان، وقد اختبرت ثلاث منها حتى الآن من قبل أحمد حسن العوضي، مدير معامل الطب الشرعي وشعبة علم الأمراض برئاسة شرطة «ابوظبي». ومع أن هذا الحمض النووي لم يكن محفوظا بصورة جيدة، إلا أن العلماء وهم يستخدمون أكثر التقنيات تقدما في مجال الطب الشرعي، تمكنوا من تحديد أن الهيكل العظمي يخص رجلا.

وتشير الدراسات الأولية إلى أن هذا الرجل كان عمره يتراوح بين 20 و 40 سنة. ولكن البحوث ما تزال مستمرة من قبل معامل الطب الشرعي في رئاسة الشرطة، بينما تخطط «أدياس» لموسم آخر من الحفريات الأثرية في نفس الموقع في مارس(آذار)، وابريل(نيسان) من العام المقبل.

ويقول الدكتور مارك بيتش، خبير آثار مقيم ومدير عملية التنقيب، في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»، إن اكتشاف الموقع الأثري في تلك الزاوية من الجزيرة «جاء بمثابة مفاجأة كبرى لي ولجميع أفراد فريق التنقيب عن الآثار، نسبة لما وجدناه من بيوت يتعدى عمرها الـ7 آلاف سنة (نتيجة دراسة الاشعاع الكربوني) وما زالت بحالة جيدة ويبلغ طول جدرانها 100 سنتمتر وتتراوح سماكتها بين 30 و 40 سنتيمترا، واللافت في هذا الاكتشاف هو طريقة بناء تلك الجدران المزدوجة التي هي عبارة عن صف الحجارة بأحجامها الكبيرة من الناحية الخارجية للحائط وبناء طبقة اخرى من الحجارة الصغيرة في الناحية الداخلية منه، وهذا ما يعبر عن طريقة عيش الناس في هذه المنطقة، وتبدو طريقة متطورة جدا وليست بدائية أبدا وكانت موجودة فقط في الامارات العربية، وهذا ما يميزها عن سواها من الاكتشافات في جنوب شرق الجزيرة العربية.

وأضاف الدكتور بيتش، انه «تم اكتشاف أول هيكل عظمي في احدى هذه البيوت في ابريل (نيسان) الماضي وكان من الصعب تحديد هوية هذا الهيكل البشري لحين تمكنا من تحليل الحمض النووي مؤخرا في أحد المختبرات التحليلية المختصة في دولة الامارات العربية والتي تعتبر من اهم المختبرات، الى جانب المختبرات المهمة الموجودة في المملكة العربية السعودية التي تعتبر الافضل في الشرق الاوسط. وأظهرت أعمال التنقيب أيضا وجود بقايا عظام حيوانات الماعز والخراف وهذا يؤكد ان الانسان الاول في الامارات كان يعيش من خلال تربية الماشية وكان يمتهن الصيد البحري وصيد الغزلان، وقد عثرنا على بعض القطع الفخارية المزخرفة وما زالت في حالة جيدة جدا وهي شبيهة بتلك التي نجدها في بلاد ما بين النهرين».

وقال بيتر هيليير، المدير التنفيذي لـ«أدياس»: «نحن سعداء جدا بهذا التعاون مع معامل الطب الشرعي بشرطة أبوظبي، وقد وفرت الخبرات المتميزة لعلماء المعامل معلومات جديدة عالية القيمة حول اقدم إنسان يكتشف في الامارات العربية المتحدة. ونحن ممتنون جدا لسمو الأمير، اللواء الشيخ سيف بن زايد آل نهيان، وزير الداخلية لدعمه عملنا، كما نتطلع إلى مزيد من التعاون مع الشرطة في دراسة الهياكل القديمة من سواحل وجزر أبوظبي».

وتنفذ أعمال أدياس في جزيرة مروح، بتعاون لصيق مع وكالة بحوث التنمية والحيوانات البرية «إروادا»، وهي المسؤولة عن حفظ آثار جزيرة مروح والجزر المجاورة، فضلا عن المواقع البحرية، كجزء من المنطقة المحمية في هذه الجزيرة.

ويفتح هذا الاكتشاف ابوابا واسعة امام الباحثين في تاريخ المنطقة، قد يغير الكثير من المفاهيم التاريخية المعهودة، خاصة ان هذا الاكتشاف هو الاقدم من نوعه على الاطلاق في دولة الامارات العربية المتحدة ويثبت وجود الانسان فيها منذ آلاف السنين.