وزير التخطيط العراقي لـ الشرق الاوسط : اتفاق نادي باريس غير مرض ولا يجوز تحميل الشعب العراقي مغبة السياسات الخاطئة للنظام السابق

TT

اتفقت الدول التي تشكل «نادي باريس» أخيرا على تخفيض حجم الديون العراقية المتراكمة منذ العهد البائد. وهو اتفاق لم يرض الجانب العراقي كثيرا، كما يوضح وزير التخطيط والإنماء الدولي العراقي الدكتور مهدي الحافظ في حديث مع «الشرق الأوسط».

* هل يمكن إعطاء نبذه مختصرة عن كيفية نشوء هذه الديون ؟

* هذه الديون بدأت بالتراكم منذ عام 1980 بالارتباط مع تورط النظام السابق في حربه ضد ايران والتي كلفت العراق خسائر مادية وبشرية هائلة. ففي ذلك العام كان الوضع الاقتصادي في العراق في أحسن حال وكانت احتياطيات العراق من النقد الأجنبي بحدود 40 مليار دولار.

* وكيف تطور الموقف بعد ذلك ؟

* ما ان بدأت الحرب ضد إيران برزت الحاجة إلى تمويل الإنفاق العسكري بطريقة جنونية، الأمر الذي استدعى اللجوء الى الاقتراض من الخارج، وتقدم عدد من الدول الإقليمية والصناعية الكبرى، لاعتبارات سياسية بالدرجة الأولى، للاستجابة لطلبات النظام السابق في الاقتراض على النحو الذي ترتب عليه هذا العبء المالي الكبير.

* ما هي الأرقام الحقيقية للدين العراقي ؟

* يبرز أمامنا اليوم رقم فلكي يقدر بحدود 120 مليار دولار حسب تقديرات صندوق النقد الدولي، وهو موزع على ثلاث جهات دائنة، فهناك ما يقرب من 39 مليار دولار تعود الى الدول الأعضاء في نادي باريس، بينما هنالك اكثر من 60 مليار دولار لبعض الدول العربية وخاصة السعودية والكويت، وما تبقى يمثل الديون الخاصة لشركات ومؤسسات أجنبية غير حكومية.

* هل هذه الأرقام تمثل ديونا فعلية للعراق ؟

* الجزء الأكبر من قيمة الديون الحالية يمثل الفوائد المتراكمة عن الديون خلال 23 سنة.

* ما هو حجم الدين الفعلي المعلن رسميا ؟

* مستوى الدين المعلن رسميا من الجانب العراقي في عام 1991 كان بحدود 42 مليار دولار، كما جاء في المذكرة التي رفعها النظام السابق إلى الأمم المتحدة أثناء البحث في قرار وقف إطلاق النار الصادر بعد انتهاء الحرب والمرقم 687 لعام 1991 .

* ما هي السبل الكفيلة لمعالجة هذه التركة الثقيلة ؟

* ان تحليل المستوى المعلن للديون حاليا يثير كثيرا من النقاط المهمة الواجب أخذها بنظر الاعتبار عند معالجة هذه المعضلة الكبيرة، أولها ان هذه الديون هي بالأساس ذات طبيعة شاذة او بغيضة وفق المعايير والاصطلاحات الدولية المتعارف عليها في التعامل الاقتصادي العالمي، إذ انها شبيهة بتلك الديون التي تصرف لأغراض عدوانية وغير أخلاقية وليس لأهداف إنسانية أو مصالح مشروعة للشعوب المدينة. فقد أبرمت هذه الديون لتسهيل تمويل حروب عدوانية وللإنفاق على برامج غير مشروعة لنظام حكم لم يكن يتمتع بالشرعية ولا يقيم وزنا لمصالح شعبه.

* على من تقع مسؤولية هذه الديون ؟

* مسؤولية هذه الديون تنحصر في كلا الجانبين الدائنين والمدينين، الأمر الذي يستوجب الطعن في مشروعية هذه الديون، فليس من الإنصاف تحميل الشعب العراقي مغبة سياسات طائشة لم يكن طرفا فيها.

* وهل هنالك توثيق لهذه الديون ؟

* الجانب الثاني المهم في هذه الديون ان غالبيتها غير موثقة لدى الجانب العراقي، اي لا يوجد ما يؤكد طبيعتها مما يعرف بوثائق الدين الرسمية، لذا فان الجانب العراقي لا يستطيع الا ان يطالب بإقران أية طلبات بالدين بوثائق سليمة وذات صلاحية قانونية.

* ما هو السبب الذي جعل الدين العراقي يأخذ مؤشرا بيانيا متصاعدا إلى هذا المستوى ؟

* المحور الثالث في الدين العراقي يتمثل في الحصار الدولي الذي استمر 13 سنة، فقد شهدت هذه الفترة تراكما هائلا لفوائد الديون أو ما يسمى بخدمة الديون; وهي مسألة لا يمكن الاقرار بها نظرا لوضع الاقتصاد العراقي آنذاك رهينة لقرارات مجلس الأمن الدولي، حيث لم تتوفر مصادر شرعية للنقد الأجنبي، إذ ان جميع فعاليات التعامل الاقتصادي كانت محكومة بقرار مجلس الأمن المتعلق ببرنامج النفط مقابل الغذاء. فلا يمكن تحميل العراق هذه المبالغ الضخمة الناشئة عن تراكم فوائد الديون، وهو بلد موضوع تحت الحصار الدولي وليس حرا في التحكم بموارده المالية.

* وهل هنالك جهة دولية تهتم بمثل هذه المواضيع التي تحدث في العالم ؟

* كما هو معلوم فان صندوق النقد الدولي درس الحالة العراقية هذه وأعد برنامجا لذلك يعرف بـ«تحليل درجة تحمل الاقتصاد العراقي للديون». وبموجب ذلك اقترح إعفاء العراق مما يقارب 95% من ديونه الخارجية، وهذه الجهة الدولية (صندوق النقد) لا يمكن إلقاء الشكوك على اهتمامها بمصالح الدول الصناعية الكبرى، حيث انها تعتبر من ابرز المؤسسات الاقتصادية العالمية الضامنة لمصالح هذه الدول.

* ما هو رأيكم بالاتفاق الذي جرى التوصل إليه اخيرا في اطار نادي باريس؟

* الاتفاق يثير لدينا اعتراضات وتساؤلات في غاية الأهمية منها ان النسبة المقررة للتخفيض بمقدار 80% هي اقل من نسبة 95% التي طالب بها صندوق النقد الدولي وأيدتها بعض الدول الدائنة، وكان بإمكان العراق ان يتفهم الموافقة على نسبة 80% لو جرى إقرارها، رغم الطبيعة غير الشرعية والشاذة للديون المتراكمة عليه، على النحو الذي اشرنا إليه من قبل. وثانيا ان تجزئة التخفيض المقترح لثلاث مراحل لا يمكن تبريره، فالمفروض ان يجري التخفيض دفعة واحدة وليس على مراحل، إذ ان التجزئة على مراحل تثير احتمالات إعادة النظر في هذا الأمر في ضوء تطور الموارد المالية للعراق، لا سيما ان عوائد النفط العراقي يمكن أن ترتفع في المستقبل نتيجة زيادة الإنتاج وارتفاع الأسعار، فليس مستبعدا أن يرجع بعض الدائنين عن مواقفهم ويعتبرون أن العراق أصبح قادرا على الإيفاء بطلباتهم بنسب مختلفة. كما أن هنالك نقطة مهمة أخرى تتمثل في احتمال ترتب فوائد من جديد بسبب تجزئة التخفيض إلى مراحل حتى سنة 2008 ، كما ورد في اتفاق نادي باريس. كما أن الموافقة على المضي في التخفيض خاضعة لموافقة صندوق النقد الدولي عن مدى قيام العراق بالتزاماته بهذا الشأن في سياسته الاقتصادية، أي رهن المسألة لتقديم شهادة من صندوق النقد الدولي عن سلامة سياسة العراق الاقتصادية كما يراها هذا الصندوق وفق توجهاته الفكرية ومعاييره الاقتصادية.

* قرارات النادي هل هي ملزمة لجميع الأطراف ؟

* الاتفاق الذي أعلن يمثل وجهة نظر وموقف الدول الدائنة الأعضاء فيه، لذا لا يمكن اعتباره ملزما للجانب العراقي او تقييده عن التفكير والسعي للتفاوض مع الدول الدائنة بصورة فردية أو أكثر بهدف تحسين شروط وحجم التخفيض المنشود، وهذا ينطبق بشكل خاص على الديون لبعض الدول الخليجية العربية وكذلك بالنسبة للشركات والمؤسسات الأجنبية، وهي المجموعة التي تمثل القسم الأعظم من الديون أي بحدود أكثر من 70% من مجموع الدين.