سركوزي يقتحم قلعة شيراك الحزبية ويهيئ نفسه لاقتحام قصر الإليزيه

TT

يتأهب وزير الاقتصاد الحالي نيكولا سركوزي، الشخصية الثانية في حكومة جان بيار رافارين، لترك مقعده الوزاري والإمساك بناصية حزب الاتحاد من أجل الحركة الشعبية، وهو الحزب الرئاسي الذي «فبركه» الرئيس جاك شيراك لضمان فوزه بولاية رئاسية ثانية، ففي اجتماع حاشد لأعضاء الحزب ومناصريه يلتئم غدا في محلة «لو بورجيه»، وهي إحدى ضواحي شمال باريس، سيتم تنصيب سركوزي رئيسا للحزب الرئاسي عقب الانتخابات «الداخلية»، التي سيكشف غدا عن كامل نتائجه.

غير أن الأمر المؤكد هو أن سركوزي سحق منافسيه ونجح في الحصول على أصوات تزيد على 50 في المائة من المقترعين، بل ان وزير الاقتصاد الذي لا يخفي طموحاته الرئاسية، حقق إنجازا ثانيا، فقد نجح في اجتذاب 54 في المائة من المسجلين على لوائح الحزب للإدلاء بأصواتهم في الانتخابات «الداخلية»، فيما بقيت هذه النسبة تحت 30 في المائة في الانتخابات الماضية التي جاءت بألان جوبيه، رئيس الوزراء السابق والشخصية الأقرب للرئيس شيراك، إلى رئاسة الحزب.

ومع وصوله إلى رئاسة الحزب (الشيراكي)، يكون سركوزي الطموح قد اجتاز نصف المسافة التي تفصله عن القصر الرئاسي، ويكون قد أمسك بالورقة الأقوى في السباق إلى الإليزيه الذي سيحين عام 2007 .

فالقاعدة الأولى في فرنسا تتمثل في أن لا سبيل إلى الفوز بالمقعد الرئاسي من غير حزب كبير يتمتع بقاعدة شعبية عريضة تكون منطلقا للخوض في المنافسة الانتخابية.

فالرئيس شيراك أمسك بالحزب الديغولي وجيره لمصلحته السياسية منذ عام 1976 ما آل به بعد عشرين عاما إلى القصر الرئاسي. والرئيس السابق فرنسوا ميتران أمسك بناصية الحزب الاشتراكي ونجح من خلال تطويعه للحزب الشيوعي في ضمان فوزه برئاسة الجمهورية مرتين.

غير أن دون القصر الرئاسي عقبات يتعين على سركوزي اجتيازها الواحدة تلو الأخرى حتى يحقق الحلم الذي قال عنه إنه يفكر به كثيرا و« ليس فقط عندما يحلق ذقنه صباحا». وأول عقبة هي شيراك نفسه. فشيراك «ليس من النوع الذي يؤكل لحمه حيا»، وفق تعبير رجل سياسي من الصف الأول بمعنى أن شيراك سيستخدم كل براعته السياسية للوقوف بوجه من يعتبر أنه قد «خانه» سياسيا عندما تحالف مع رئيس الوزراء الأسبق أدوار بالادور ضده في انتخابات عام 1997 .

فضلا عن ذلك، فإن سركوزي كان مقربا من عائلة شيراك ومن ابنته كلود وزوجته برناديت، التي ما زالت ترفض حتى الآن التعامل مع سركوزي الذي «خان الأمانة».

ويمسك شيراك، الذي سيقوم بتعيين بديل عن سركوزي في وزارة الاقتصاد بعد أن يقدم استقالته يوم الاثنين المقبل، بعدة أوراقإ أولاها ورقة وزير الداخلية دومينيك دو فيلبان الذي ترك وزارة الخارجية حيث برع وحلق الى وزارة الداخلية لحاجته للاحتكاك بشؤون الفرنسيين اليومية والتعرف على الملفات الحساسة مما سيفيده في مرحلة لاحقة.

ومشكلة دو فيلبان أنه لم يحتك بعد بالناخبين ولم يترشح حتى الآن الى أي منصب بعكس سركوزي الذي بدأ السياسة وعرف مخارجها منذ شبابه. ومع ذلك، يأمل شيراك الذي كان يعول على «ابنه الروحي» ألان جوبيه، رئيس الوزراء الأسبق لخلافته في قصر الاليزيه، في أن «يتعلم» دو فيلبان الوزير ـ الشاعر بسرعة، وأن يشتد ساعده حتى يكون قادرا على المنافسة.

وإذا لم تستقم ورقة دو فيلبان، فبيد شيراك البديل الذي اسمه جان لوي بورلو وزير العمل و التضامن، وهو «الشخصية الصاعدة» الأخرى التي يراهن عليها شيراك من أجل مواجهة سركوزي و شل حركته.

يبقى أن الورقة الأخيرة بيد شيراك، هي شيراك نفسه الذي لم يقل أبدا إنه لن يترشح لولاية ثالثة. وأول من أمس، أعلن سركوزي أنه «إذا كان شيراك الأفضل وضعا في انتخابات 2007، فسيكون شيراك المرشح، أما إذا كان شخصا آخر، فإنه هذا سيكون هو المرشح».

لكن مشكلة شيراك هي سنه، فالرئيس الحالي سيلج عامه الثالث و السبعين بعد غد، وهو الوحيد من جيله السياسي الذي ما زال في واجهة المسرح السياسي.

وكان قد ترشح للرئاسة لأول مرة عام 1981، ولن يكون مقبولا لدى الراى العام الفرنسي أن يترشح بعد هذا التاريخ بستة وعشرين عاما. لكن هناك أصواتا تشجع الرئيس على المثابرة وعدم ترك منصبه لنيكولا سركوزي، الذي كان أول من أشار إلى سن الرئيس و ضرورة ضخ مياه جديدة في أعلى مناصب الجمهورية الفرنسية.

والسؤال حول ترشح شيراك ما زال مبكرا ما يترك لسركوزي الفرصة لكي يقوي مواقعه داخل صفوف الحزب وينسج شبكته من الموالين والمحازبين، وليحضر أسلحته و حججه في المعركة المقبلة.