محادثات بين المرشحين ووسطاء بشأن أزمة الانتخابات في أوكرانيا ويانوكوفيتش لا يريد السلطة لقاء «إراقة الدماء»

موسكو تؤكد أن إعادة إحياء الحرب الباردة في أوكرانيا «غير مطروحة»

TT

في محاولة لانهاء الازمة الخانقة التي تشهدها اوكرانيا، بدأ المرشحان في الانتخابات المتنازع عليها محادثات امس بحضور وسطاء روس وأوروبيين لفك الخلاف الذي تسبب في اندلاع مظاهرات احتجاج حاشدة في شوارع البلاد منذ عدة أيام.

وقال ليونيد كوتشما، الرئيس الاوكراني، المنتهية ولايته للاجتماع الذي عقد في قصر مارينسكي الرئاسي «امنيتنا أنه في حالة اظهار كل المشاركين الرغبة والارادة سيتسنى التوصل بجلاء الى حل وسط». واعلن الناطق باسم وزارة الخارجية الروسية الكسندر ياكوفنكو امس أن بلاده تعتبر أن اعادة احياء الحرب الباردة من خلال الازمة الاوكرانية «امر غير مطروح»، معتبرا انه كان سيتم معالجة هذه المسألة بشكل مختلف تماما في الحقبة السوفياتية. واضاف «منذ 15 عاما، لم يكن الاتحاد السوفياتي ليرى الامور بهذه الطريقة، ولكننا اليوم في زمن آخر، كل ذلك قد تغير».

واكد أنه لن يكون «باستطاعة روسيا فعل اي شيء» اذا ما قررت المحكمة الاوكرانية العليا اعلان فوز المرشح القريب من الغرب فكتور يوتشنكو على المرشح المقرب من موسكو فكتور يانوكوفيتش الذي اعلنته اللجنة المركزية للانتخابات الرئاسية رابحا.

واضاف أن «روسيا لا تفكر بالقيام بأي مبادرة حاليا» ازاء الازمة الاوكرانية. اما بالنسبة لارسال وسيط روسي لينضم الى وسطاء الاتحاد الاوروبي و«منظمة الامن والتعاون في اوروبا»، قال ياكوفنكو «ليس هناك توجه من هذه النوع حاليا، ولحد علمي، لم تطلب اوكرانيا ذلك».

من جانبه صرح رئيس الوزراء الاوكراني فكتور يانوكوفيتش، الذي اعلن فوزه في الانتخابات الرئاسية الاوكرانية التي اثارت ازمة سياسية خطيرة، امس انه لا يريد السلطة ان كان الثمن «اراقة الدماء». وقال يانوكوفيتش بحسب وكالة انترفاكس الاوكرانية متحدثا امام اكثر من عشرين الفا من مناصريه الذين قدموا الى كييف لدعمه «ان حياة كل فرد عزيزة علي. لا اريد السلطة في حال اراقة الدماء».

وفي الجانب الروسي اعرب سيرجي لافروف وزير الخارجية عن امل بلاده في ان تحترم البلدان الاوروبية خيار اوكرانيا وتبتعد عن محاولات تقرير امور الشعب الاوكراني. وقال تعليقا على ما اشار اليه بعض الساسة الاوروبيين حول ضرورة ان يحترم الجميع حق الشعب الاوكراني في تقرير شؤونه الداخلية بنفسه. واشار إلى ان محاولات عدد من البلدان الخروج بالامور إلى ما وراء الفضاء القانوني في اوكرانيا تثير الحذر. فيما انتقد ما اعلنته بعض العواصم الاوروبية حول عدم اعترافها بنتائج الانتخابات وما يقوله ممثلوها حول ضرورة انضمام اوكرانيا إلى الغرب، الامر الذي يعني عمليا ـ وعلى حد قوله ـ محاولة العودة إلى رسم الخطوط الفاصلة في اوروبا، واكد موقف بلاده المؤيد لضرورة الالتزام بالدستور والقانون الاوكراني وان روسيا لا يمكن ان تلتزم بموقف اللامبالاة تجاه ما يجري في اوكرانيا. وقد ابرزت وسائل الاعلام الروسية الرسمية وشبه الرسمية انباء التهاني التي بعث بها الرئيس الصيني ورؤساء كل من قزقستان وارمينيا وروسيا البيضاء وعدد آخر من بلدان الكومنولث إلى المرشح الفائز في الانتخابات الاوكرانية .

وكان الشارع الاوكراني قد استأنف صباح امس مسيرات الاحتجاج والمظاهرات التي تتواصل لليوم السادس على التوالي فيما نجح انصار مرشح المعارضة فيكتور يانوكوفيتش في محاصرة مقار الحكومة وادارة الرئيس، ما حال دون وصول الكثير من الموظفين إلى مقار عملهم. وفيما تواصل توافد عمال المناجم إلى كييف العاصمة تاييدا لفيكتور يانوكوفيتش المرشح الفائز بالرئاسة اعلن الكثيرون من مواطني دونيتسك موطن يانوكوفيتش ومقاطعة الدونباس احدى اهم واكبر مناطق استخراج الفحم عن قرارهم بضرورة اعلان الانفصال والدفاع عن كل المواقع الاقتصادية في الاقليم، رافضين الاستجابة لدعوة يوشينكو بالانضمام إلى الاضراب العام في اوكرانيا . واعلن اناتولي بليزنيوك محافظ مقاطعة دونيتسك ان مواطني الاقليم صوتوا إلى جانب يانوكوفيتش ولا يعترفون بسواه رئيسا. وقال في اجتماع ضم عددا من كبار قيادات المقاطعة التي يقطنها 10% من سكان اوكرانيا وتنتج قرابة ربع الدخل القومي للبلاد إن ابناء دونيتسك قادرون على الذود عن مقدرات الاقليم الاقتصادية، مشيرا إلى ضرورة اعلان حالة الطوارئ واتخاذ الاجراءات اللازمة لحماية مقار كل المؤسسات الحكومية والصناعية هناك . وفي كييف اعلن الكسندر زينتشينكو، رئيس لجنة الانقاذ الوطني التي اعلنها يوشينكو، عن نجاح انصار مرشح المعارضة في السيطرة على العاصمة ومؤسساتها، وقالت مصادر اخرى ان وزير الداخلية نيكولاي بيلوكون اشرف شخصيا على الجهود التي بذلتها قوات الامن للحيلولة دون تنفيذ خطة المعارضة لمنع الرئيس ليونيد كوتشما والمرشح الفائز يانوكوفيتش من الوصول إلى مكاتبهما . غير ان العاملين في مقر الحكومة الاوكرانية لم يستطيعوا الوصول إلى مقر عملهم في الوقت الذي انسحبت فيه قوات الشرطة من وسط المدينة تحت وقع صيحات وهتافات الجماهير التي وصفتهم بالابطال والوطنيين . غير ان انبأء اخرى تقول بوقوع صدامات بين المتظاهرين والشرطة في مدينة تشيرنيجوف التي حاول فيها ما يقرب من ثمانية آلاف من انصار يوشينكو اقتحام احد المباني الحكومية ما دفع قوات الامن إلى استخدام الغازات المسيلة للدموع والذي كان مقدمة لشجار اسفر عن اصابة احد رجال الشرطة . وفي الوقت الذي يقدر فيه البعض عدد المتظاهرين في العاصمة كييف بما يقرب من نصف المليون من المؤيدين ليوشينكو قالت مصادر أخرى ان عدد عمال المناجم الذين توافدوا إلى العاصمة الاوكرانية، اعرابا عن تأييدهم ليانوكوفيتش، لا يتجاوز العشرة آلاف .

وفي غضون ذلك، كانت الكتل النيابية في مجلس الرادا (البرلمان) تواصل اجتماعاتها في محاولة لبحث السبل الرامية إلى الخروج من المأزق الراهن، فيما اعلن فلاديمير ليتفينوف رئيس مجلس الرادا يوم السبت موعدا للجلسة الطارئة المدعوة لاتخاذ قرارها بشان التطورات الاخيرة للاحداث في اوكرانيا على ضوء ما يمكن ان تتوصل إليه وساطة كل من الرئيس البولندي الكسندر كفاسنيفسكي والمنسق الاعلى للشؤون الخارجية للاتحاد الاوروبي وكذلك فالداس رئيس ليتوانيا المجاورة .

وفي الوقت الذي يسجل فيه المراقبون عدم ايفاد موسكو الرسمية لأي من ممثليها إلى كييف، شأن ممثلي الدول الاوروبية، يقول آخرون ان الرئيس كوتشما يمثل الموقف الروسي، مشيرين إلى انه كان يريد بالامس الاعلان عن تسليمه مقاليد السلطة إلى المرشح الفائز وتحديد الموعد الرسمي لاقامة حفل تنصيبه وهو ما حالت الجماهير دونه . وتحرص الاجهزة الاعلامية الروسية على تكرار مشاهد وانباء توزيع الاموال والملابس الشتوية الغالية الثمن والاحذية والاغذية على المتظاهرين من خلال مشاهد التقتطها «الكاميرا الخفية» داخل مقار اركان المرشح المعارض . وسجلت الصحافة الروسية استمرار نشاط ممثلي الدوائر اليمينية الروسية وممثلي التوجهات الليبرالية المؤيدة ليوشينكو في كييف من أمثال بوريس نيمتسوف الرئيس السابق لتحالف القوى اليمينية في روسيا . ولعله من المثير أيضا ما تشير إليه المصادر الروسية حول أوجه الشبه بين ما يجري في كييف وما شهدته موسكو عامي 1991 و 1993 حين تدخل الغرب بشكل سافر إلى جانب الرئيس الروسي السابق بوريس يلتسين وتأييده الذي بلغ في اكتوبر 1993 حد مباركته لقصف مقر البرلمان الروسي بالدبابات .