خامنئي يعزز سلطاته ويمهد الطريق لأربعة تيارات إيرانية محافظة للتنافس على كرسي الرئاسة

TT

قال سياسيون ومحللون ايرانيون ان خطط المحافظين لاستعادة سيطرتهم على كل مؤسسات البلاد، عقب ثماني سنوات من سيطرة الاصلاحيين على مؤسستي الرئاسة ومجلس الشورى (البرلمان)، تسير قدما. وقال سياسيون ايرانيون ان من ابرز الشواهد التي ترجح إحكام المحافظين لسيطرتهم الى مؤسسات الحكم الرئيسية، بخلاف استياء قطاع واسع من الايرانيين من فشل الاصلاحيين في تنفيذ اغلب ما وعدوا به، هو تزايد قدرات ونفوذ المرشد الاعلى للجمهورية اية الله علي خامنئي الذي كانت قدراته الفقهية محل شكوك حتى من جانب انصاره عندما جرى اختياره قبل حوالي 15 عاما لمنصب الولي الفقية، أعلى منصب فى الجمهورية الايرانية. وقال سياسيون ايرانيون ان خامنئي بات اليوم اكثر قوة ونفوذا من أي وقت مضى منذ عام 1989 عندما حل محل زعيم الثورة الايرانية الراحل آية الله الخميني، الا ان معارضيه يحذرون من ان سيطرته توسعت لدرجة خطيرة.

وقال دبلوماسي غربي ان خامنئي يتمتع اليوم بوضع افضل «شخصيا» مما كان عليه في أي وقت مضى منذ اختياره مرشدا أعلى عقب وفاة الخميني. فيما يرى محللون ان تعزيز خامنئي لسلطاته، من خلال البرلمان الايراني الجديد، منح المؤسسات المحافظة المزيد من النفوذ، بما في ذلك الهيئة القضائية والحرس الثوري وجماعات اخرى مواليه للنظام مثل «انصار حزب الله». إلا ان منتقدين لسياسات طهران حذروا من تعزيز القيود خصوصا بعد انتخابات الرئاسة المقررة العام المقبل، اذ يتوقع الكثير من الايرانيين فوز المحافظين. ويقول ما شاء الله شمس الواعظين، وهو صحافي اصلاحي حكم عليه بالسجن ثلاث مرات وعمل في خمس صحف اغلقتها السلطات الايرانية، إن ايران ستنتقل من محاولات تكوين حكومة ديمقراطية الى نظام شمولي، وأضاف ان المحافظين يعملون على وقف التوجه الاصلاحي. والسؤال الرئيسي الذي يتردد في طهران هذه الايام يتركز حول أي من مجموعات المحافظين ستهيمن على السلطة، اذ يضم معسكر المحافظين حاليا اربع مجموعات على الاقل فيما يتعلق بإدارة الدولة والتعامل مع العالم الخارجي. فهناك مجموعة المحافظين الايديولوجيين التي تنتهج خطا دينيا متشددا، وهي المجموعة التي يطلق عليها «الكيهانيون»، نسبة الى صحيفة «كيهان»، ومن ضمن الاصوات البارزة في هذا التيار شريعتمداري، وتتبع هذه المجموعة خطا متشددا في التعامل مع العالم الخارجي والبرنامج النووي الايراني. ويعارض حسين شريعتمداري رئيس تحرير صحيفة «كيهان» الاتفاق النووي الذي ابرم مؤخرا بضغوط من اوروبا لتعليق تخصيب اليورانيوم بسبب مخاوف الغرب من ان يتحول برنامج طهران النووى الى برنامج لانتاج الاسلحة الذرية. وقال شريعتمداري في لقاء اجري معه في الآونة الاخيرة انه يعتقد ان ايران كان يجب ان تنسحب من معاهدة الحد من الانتشار النووي قبل عامين. وأضاف ان الاتفاقيات الدولية لا تمنع النشاط النووي السلمي. فالولايات المتحدة، كما يقول شريعتمداري، فرضت عقوبات على الهند اثر اجرائها تجربة نووية، لكنها عادت لترفع العقوبات وتعمق علاقاتها مع الهند عندما اقتضت مصالح واشنطن ذلك. وأضاف معلقا ان مثل هذه الاوضاع تقتضي ان تكون لايران قنبلة نووية. وفي نفس الوقت يقول شريعتمداري ان انتاج قنبلة نووية امر «غير مقبول اسلاميا» لأنها كسلاح لا تفرق بين العدو والمدني العزل، وايضا لأنها لا تعتبر رادعا فاعلا. كما يعتقد ان كل الدول اذا امتلكت هذه التكنولوجيا، فإن العالم سيتحول الى «غابة». المجموعة الثانية داخل معسكر المحافظين تتمثل في مجموعة «اليمين الجديد»او المحافظين الجدد، وهي تمثل في واقع الأمر اكثر الفصائل نفوذا. ويتمتع هؤلاء بأكبر وجود في البرلمان الجديد ومؤسسة القضاء، فضلا عن مجلس صيانة الدستور وهو الهيئة المكونة من 12 من رجال الدين مخول لهم نقض القوانين الجديدة والاعتراض على المرشحين للمناصب السياسية. وتضم هذه المجموعة مرشحين بارزين للرئاسة مثل مستشاري خامنئي، علي اكبر ولايتي، وعلي لاريجاني. ويمزج برنامج المحافظين الجدد بين الايديولوجية الدينية وبعض جوانب الحداثة. ويقول محمد جواد لاريجاني ان المحافظة تعني الحفاظ على نص وروح الدستور. وتشدد هذه المجموعة على اهمية الفكر الاسلامي وكفاءة الحكومة والقطاع الخاص، ويعتقد رموزه ان توفير الوظائف يأتي من خلال زيادة الانتاج. وثمة إجماع على مضض في اوساط هذا الفصيل على الاتفاق الذي ابرم مع الاوروبيين حول تعليق عمليات تخصيب اليورانيوم، كما تتبنى هذه المجموعة شروطا متشددة لعودة التعامل مع الولايات المتحدة. اما الفصيل الثالث فهو «المحافظون البراغماتيون» وتضم هذه المجموعة الرئيس الاسبق علي اكبر هاشمي رفسنجاني، فضلا عن احزاب مثل حزب الاعتدال والتنمية وجماعة البناء. ويعتقد محللون ان هذه المجموعة لا تربطها ايديولوجية متشددة، فأنصارها يؤيدون الانفتاح الاقتصادي، والعمل ضمن النظام العالمي السائد، ومن الناحية الثقافية تعتبر هذه المجموعة اكثر مرونة. والفصيل الرابع عبارة عن مجموعة «المحافظين التقليديين»، وهم رجال الدين الشيعة الذين تعيش غالبيتهم بمدينة قم. الكثير من هؤلاء كانوا اقل اهتماما بالسياسة ويركزون بصورة اكبر على الثقافة الاسلامية، وتضم ايضا الكثير من التجار. ورغم ان هذه المجموعة تعتبر الأكبر من الناحية العددية، فإنها الأقل نشاطا في السياسة، غير انه مع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية الايرانية سيتضح اكثر ايّ من هذه الفصائل قادر على الفوز بالمنصب المهم.

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ «الشرق الاوسط»