أزمة أوكرانيا: يانوكوفيتش يوافق على إعادة الانتخابات إذا ثبتت نظرية التزوير

وأنصار يوشينكو يتظاهرون أمام المحكمة بانتظار القرار

TT

بدأت المحكمة الاوكرانية العليا امس النظر في قائمة الطعن التي تقدمت بها المعارضة احتجاجا على نتائج الانتخابات الرئاسية. وقالت المصادر إن هيئة المحكمة المشكلة من عشرين قاضيا يترأسهم اناتولي ديدكيفسكي لن تستطيع البت في هذا الطعن بالسرعة التي توقعها الكثيرون فيما قد يستغرق عملها قرابة الخمسة ايام او يزيد بسبب ما اضافته المعارضة إلى قائمتها ضد نشاط اللجنة المركزية للانتخابات التي طالبت بتقديم اعضائها إلى القضاء. وأعلن رئيس الوزراء فيكتور يانوكوفيتش انه يوافق على اعادة اجراء الانتخابات الرئاسية في اقليمين شرقيين اذا ثبت حدوث تزوير واسع النطاق فيهما.

وقال الرئيس المنتهية ولايته ليونيد كوتشما إنه لا بد من التوصل الى حل في اسرع وقت ممكن لان النظام المالي في البلاد مهدد بالانهيار خلال ايام معدودة، وضم صوته ليانوكوفيتش وأيد فكرة اجراء انتخابات جديدة لحل الخلاف المرير حول نتائج الانتخابات.

وكانت تطورات الازمة الاوكرانية قد كشفت عن ان الانقسام صار العلامة الفارقة لكل ما يجري من احداث على الصعيدين المحلي والعالمي. فالجدل يحتدم والشق يزداد عمقا بين الشرق والغرب، بين روسيا وعدد من بلدان الكومنولث، وبين بلدان الاتحاد الاوروبي والولايات المتحدة، بين جنوب وشرق أوكرانيا وبين غرب ووسط هذه الجمهورية وامتد الخلاف ليطال الطلبة من جانب، وعمال المناجم من جانب آخر، وأيضا بين المحافظين من أنصار لم شمل الفضاء السوفياتي السابق والليبراليين الطامحين إلى الانضمام إلى الاتحاد الاوروبي والناتو.

ولم تكن نتائج الانتخابات الرئاسية الاوكرانية سوى المبرر لمشاكل عميقة قديمة عادت مجددا لترسم ملامح المواجهة التي تنذر باحتدام الاوضاع في مناطق أخرى فيما تبدو روسيا وعدد من بلدان الكومنولث في صدارة القوى التي يستهدفها سيناريو «الانقلاب البرتقالي» في اوكرانيا بعد نجاح «ثورة الزهور» في جورجيا في اعقاب نجاح الدوائر الغربية الاميركية في الاطاحة بنظام سلوبودان ميلوشيفيتش في يوغوسلافيا. ولذا لم يعد سرا ما تقوم به هذه الدوائر التي تدعم نشاط ممثلي اليمين والمعارضة من روسيا وقزقستان الموجودين حاليا في كييف لدعم اليمين الاوكراني واستيعاب خبراته للاستفادة منها لاحقا لمواجهة نظامي الرئيس فلاديمير بوتين في روسيا ونور سلطان نزاربايف في قزقستان. وقد اعترف بمثل هذه الرغبة ممثلو اليمين الروسي الموجودين حاليا في كييف من امثال بوريس نيمتسوف وجريجوري يافلينسكي ابن مدينة لفوف غرب اوكرانيا وزعيم المعارضة القزقستانية جارماخان توياق باي النائب العام ورئيس البرلمان سابقا الذي استقال من منصبه احتجاجا على ما وصفه بتزوير الانتخابات التشريعية. ويذكر المراقبون بهذا الصدد ما طالب ممثلو الولايات المتحدة والاتحاد الاوروبي به نور سلطان نزاربايف حول ضرورة الافراج عن زعيم المعارضة جاليم جان جاكييانوف وتطبيق المعايير الديمقراطية على اعتبار ذلك شرطا لعلاقات طيبة مع قزقستان. وقد كشفت الاحداث الاخيرة في اوكرانيا ان اول ما يتسم به سيناريو الثورات «المخملية» و«البرتقالية» وبقية الوان الطيف يتمثل على ما يبدو في نجاح المعارضة في تسلم المبادرة من الحكم القائم وفرض الفعل تاركة للجانب الاخر رد الفعل.

غير ان الغريب قد يتمثل في افتقاد المعايير المنطقية لدى الكثيرين من قادة المعارضة لدى تقديرهم لرد فعل الطرف الآخر. ففيما سارع فيكتور يوشينكو إلى تنصيب نفسه رئيسا بعد قسمه على الانجيل في جلسة غير مكتملة النصاب القانوني لمجلس «الرادا» (البرلمان الاوكراني) ودون سند قانوني لاعلان فوزه في الانتخابات وهو ما يقع تحت طائلة القانون، عاد وتحول إلى المطالبة بمحاكمة عدد من رؤساء اقاليم شرق اوكرانيا لمجرد انهم طالبوا باجراء استفتاء حول اعلان هذه المناطق ذاتية الحكم. ولم يتخذ يوشينكو موقفا مماثلا تجاه اعلان عدد من حكام كبريات مدن غرب اوكرانيا حول انهم يعتبرونه فائزا وانهم يعلنون عصيانهم ضد السلطة المركزية وهي السلطة الشرعية بموجب القانون والدستور بل ولم تطرح احد ابرز زعماء المعارضة يوليا تيموشينكو انذارا مماثلا إلى الرئيس المنتهية ولايته ليونيد كوتشما يطالبه بمحاكمة هذه القيادات واقالة رئيس الوزراء يانوكوفيتش في نفس الوقت الذي اعلنت فيه انها ستحدد اقامته في حال عدم الامتثال إلى مثل هذا الانذار في غضون اربع وعشرين ساعة.

وقد ساهمت هذه المواقف في تأجيج مشاعر عمال المناجم والغالبية الساحقة من مواطني جنوب شرقي اوكرانيا الذين سارعوا إلى اعلان انهم لن يقوموا بتحويل مساهماتهم في ميزانية الدولة وتهديدهم بوقف ارسال منتجاتهم إلى غرب ووسط اوكرانيا وهم الذين ينتجون قرابة 80% من الناتج القومي الاوكراني. ورغم اعلان يوشينكو عن موافقته في حضور فريق الوسطاء الدوليين يوم السبت الماضي على طلب سرعة إجلاء المتظاهرين من الساحات المجاورة لمقار المؤسسات الحكومية والتوقف عن حصارهم لمقري ادارة الرئيس والحكومة فقد تراجع عن هذا الموقف في الوقت الذي عاد فيه أنصاره إلى التجمهر قريبا من مقر المحكمة العليا التي قيد بعضهم معصمه إلى أسوارها. وكان مجلس الامن القومي قد بحث الاوضاع في اوكرانيا في وقت ينادي فيه البعض بضرورة ان يصدر الرئيس كوتشما قراره حول فرض حالة الطوارئ ما يعني عمليا اخلاء الشوارع والميادين من المتظاهرين وتأجيل الانتخابات إلى حين تقرير الموقف. وكان آخرون قد اشاروا إلى ان الدستور الاوكراني يتطلب موافقة البرلمان في غضون يومين قد يكونان كافيين لانهاء حالة الاضراب والمظاهرات في الوقت الذي يتوقع البعض فيه احتمالات ان تكون حالة الطوارئ سبيلا إلى الحيلولة من دون توجهات ممثلي اقاليم جنوب شرقي اوكرانيا من مؤيدي اجراء الاستفتاء حول الحكم الذاتي. وتقول مصادر اوكرانية باحتدام الجدل بين من وصفتهم بالصقور والحمائم في فريق مرشح المعارضة حول مدى ضرورة الاستمرار في طريق الشرعية والاحتجاج عبر المؤسسات الدستورية وما ينادي به آخرون بضرورة استمرار ضغط الجماهير وحركة الشارع.

وكان حاكم البنك المركزي سيرغي تسيجيكو ورئيس اركان الحملة الانتخابية لمرشح المعارضة يوشينكو قد اعلن امس استقالته من منصبه، مؤكدا تحوله إلى التفرغ للعمل السياسي إلى جانب يوشينكو في الوقت الذي تقول فيه مصادر كثيرة إن الكثيرين من رجال الاعمال في شرق اوكرانيا يواصلون دعم مرشحهم يانوكوفيتش. وفيما تتواصل في اوكرانيا وموسكو الحملات الدعائية من جانب انصار يانوكوفيتش والتي تستهدف فضح علاقات انصار يوشينكو بالولايات المتحدة والمؤسسات التي تدرب وتمول القائمين على حملته ومنهم فيكتوريا زوجة يوشينكو التي قالوا انها كانت تعمل موظفة في وزارة الخارجية الاميركية رد انصار الطرف الآخر بضرورة طرد يوري لوجكوف عمدة موسكو الذي شارك في تظاهرات شرق اوكرانيا المطالبة بالانفصال واعلانه شخصا غير مرغوب فيه. على ان كل هذه الحملات تظل عنصرا موازيا لكل الجهود الرامية إلى التوصل إلى حلول وسط هناك من يريد ان تكون على المدى البعيد سبيلا لخدمة ما يطرحه من اهداف وهو ما يجعل الابواب مفتوحة امام الاحتمالات كافة.