أزمة وقود حادة في بغداد.. والأسباب: هجمات المناهضين وفساد الموظفين والعمال

TT

أزمة الوقود التي تشل العاصمة العراقية منذ شهر هي نتيجة لحملة التخريب التي يقوم بها المتمردون بهدف قطع امدادات الوقود عن بغداد.

وعلى الرغم من أن الهجمات على البنية التحتية النفطية في البلاد قد تقلصت فان انابيب النقل ومحطات التجهيز في أنحاء العاصمة تعتبر اهدافا اساسية للهجمات، حسبما ورد في تقرير لمسؤولين غربيين وعراقيين. وارتباطا بتسبب الهجمات والتفجيرات في جعل الكثير من الطرق المؤدية الى بغداد غير آمنة فان عددا اقل من الشاحنات الناقلة للوقود قادرة على توفير الوقود للعاصمة. وتمتد طوابير الناس في محطات الوقود ببغداد الى أميال. ويقول مسؤولون انه يبدو ان الهجمات تهدف الى زيادة الضغوط التي يعاني منها السكان ونشر التوتر واضعاف الثقة بالحكومة المؤقتة. ويقولون ان نقص الوقود دليل على البراعة المتزايدة للمتمردين.

ووصف المتحدث باسم وزارة النفط عاصم جهاد أعمال التخريب بأنها حملة ذكية ومحسوبة في حرب اقتصادية وسايكولوجية ترمي الى تأكيد عجز الحكومة عن تقديم الخدمات الأساسية. وقال «انها تضعف الحكومة في أنظار المواطنين».

وتعتبر مشكلة نقص الوقود من المشاكل المتكررة في الأشهر العشرين الماضية منذ الغزو الذي قادته الولايات المتحدة للاطاحة بصدام حسين. ولكن هذه الأزمة الأخيرة التي تدخل الان اسبوعها الرابع هي الأسوأ من بين ما يمكن أن يتذكره المواطنون منذ ما بعد الغزو مباشرة. ويقف سائقو السيارات في طوابير عند محطات التعبئة في مختلف أنحاء بغداد مما يخلق الازدحام في الساحات والشوارع بل ويسبب الاختناقات المرورية في الجسور القائمة على نهر دجلة. ويترك الموظفون الحكوميون عملهم لقضاء النهار وقوفا في الطوابير ويحمل كل واحد منهم بطانية وعبوة حافظة (ترموس) للشاي لمواجهة برد الشتاء. وقد استجابت سوق بغداد السوداء لهذه الأوضاع. فهناك الصبيان الذين يلوحون بقناني الصودا البلاستيكية التي لا قعر لها والتي تستخدم لنقل الوقود الى صهاريج الغاز وهم موجودون في كل شارع تقريبا. غير أن كثيرا من المواطنين مستعدون للانتظار في الطوابير الطويلة لسبب بسيط هو ان البنزين المدعوم شبه مجاني اذ يبلغ سعر الغالون الواحد حوالي 9 سنتات.

وحتى في الأوقات التي لا يوجد فيها نقص في الوقود فان أسعار البنزين في السوق السوداء تبلغ اربعة أمثال الأسعار العادية على الأقل. وقال المتحدث باسم وزارة النفط «انه أرخص من الماء». وخلال الأزمة الحالية ارتفع معدل السعر في السوق السوداء الى حوالي 2.25 دولار للغالون الواحد. وعلى الرغم من أن حالات الشحة السابقة كانت تعود جزئيا الى نقص الانتاج، فان مسؤولي الوزارة يقولون ان الأزمة الراهنة ناجمة الى حد كبير عن عجز الحكومة عن ايصال الوقود الخام الى العاصمة بطريقة آمنة.

وفي مقابلة اجرتها صحيفة «بغداد» اليومية الأسبوع الماضي قال وكيل وزارة النفط ان الأنابيب ومحطات التجهيز في العاصمة كانت مستهدفة والطرق المؤدية الى بغداد غير آمنة في الغالب للشاحنات الناقلة للوقود.

وأضاف انه نتيجة لذلك فان مصفى الدورة، وهو مصفى النفط الرئيسي في بغداد، يتعطل الآن عن العمل ثلاثة أيام من كل أربعة ايام على الرغم من أنه يمكن أن يؤدي وظائفه بالكامل.

وبسبب النقص في الوقود حددت الحكومة حصة كل سائق بمقدار 6.6 غالون للسيارة الواحدة عندما يأتي الى محطة الوقود. ولكن المستهلكين يقولون ان هذا التحديد يمكن ان يخرق بسهولة عندما تدفع الرشاوى للعاملين في المحطات.

وقد أرسلت السلطات أفراد الشرطة والحرس الوطني العراقي الى الكثير من المحطات لتنظيم العملية. ولكن كثيرا من السائقين يتذمرون من أن قوات الأمن لا تطبق القانون بل تخرقه أحيانا، اذ تسمح للاقارب والأصدقاء بتجاوز الطوابير. وفي غضون ذلك يحصل بعض رجال الشرطة على ما يزيد عن الكمية المحددة قانونيا ليقوموا بعد ذلك ببيع الوقود في السوق السوداء.

وقد قتل أول من امس أحد أفراد الحرس الوطني في محطة تعبئة اليرموك ببغداد على يد ضابط شرطة ملأ سيارته ثم عاد ثانية ليطلق النار على رأس الحارس بعد ان رفض هذا الأخير السماح له بملء العبوات البلاستيكية مرة ثانية. وقد أدى الحادث الى اغلاق المحطة ظهر اليوم نفسه.

ولم تفلح الجهود لمتابعة تفاصيل الحادث مع وزارتي النفط والداخلية، ولكن العاملين في المحطة وأفراد الشرطة الذين كانوا في مكان الحادث قالوا ان القاتل من رجال الشرطة وقد ألقي القبض عليه.

وتدور أقاويل كثيرة، في اطار نظريات المؤامرة، حول سبب اخفاق احدى أغنى دول العالم بالنفط في توفير الوقود لمواطنيها. وعلى الرغم من ان البعض يلقون باللوم على المتمردين فان آخرين يزعمون ان من يقف وراء الأزمة هما الولايات المتحدة والحكومة المؤقتة لابقاء البلد غير مستقر قبل الانتخابات المقرر اجراؤها نهاية الشهر المقبل. غير ان المتحدث باسم وزارة النفط يرى انه اضافة الى التخريب فان حوالي 750 ألف سيارة جديدة دخلت العراق العام الماضي، مما يجعل من الصعب تلبية الحاجات الجديدة. ويضاف الى ذلك استخدام الوقود الواسع في مولدات الكهرباء العاملة بالوقود بسبب الانقطاعات المزمنة في الطاقة الكهربائية. ويشير كثير من السائقين الى تفشي الفساد والسرقة على مختلف المستويات في مجال التجهيز بالوقود «بدءا من المديرين العامين في وزارة النفط وانتهاء بعمال محطات التعبئة»، كما يقول رفعت حسين،25 سنة، الذي كان ينتظر في احد الطوابير.

* خدمة «لوس انجليس تايمز» ـ خاص بـ«الشرق الأوسط»