مصر: محاولات احتواء احتجاج في الكنيسة المصرية على إشهار زوجة كاهن قبطي إسلامها

السيدة قسطنطين: علاقتي بالإسلام بدأت من خلال برنامج تلفزيوني

TT

دخلت مشكلة زوجة الكاهن القبطي المثيرة للجدل في مصر خلال الأسبوع الفائت، مرحلة جديدة اعتبرها البعض متأخرة بعض الشيء وذلك بعد أن تزايدت الشائعات حولها، ومنها انها مختطفة. وخرج مئات من الشباب القبطي للاحتجاج على ذلك في مقر الكنيسة المصرية، بلغت أقصاها مساء أمس الأول الأربعاء خاصة في ظل غياب البابا شنودة عن إلقاء موعظته الأسبوعية، ما أدى إلى مواجهات بين سلطات الأمن وعدد من المحتجين المعتصمين بمقر الكاتدرائية، وقد التقى أمس خمسة من المطارنة يمثلون الكنيسة بالسيدة وفاء قسطنطين التي أفادت المعلومات باعتناقها للإسلام وخروجها عن المسيحية في حين وصفت الكنيسة موقفها بعدم الرضا عن حياتها الزوجية.

وأصرت مصادر الكنيسة على التأكيد أن السيدة قسطنطين لم تشهر إسلامها بعد، وهذا صحيح من الناحية القانونية، إلا أن السيدة أكدت من خلال اتصال لـ«الشرق الأوسط» معها بأنها قد أسلمت منذ أكثر من عامين. وأبدت قيادات أمنية وسياسية مصرية استغرابها من هذا التصعيد المبالغ فيه لمثل هذا الحادث خاصة أن مثل هذه الحوادث تتكرر على الجانبين.

وأكدت المصادر أنه فيما يتعلق باعتناق بعض المسيحيين للديانة الإسلامية فإن هناك إجراءات تتبع في مثل هذه الظروف، بحيث تقوم الجهات الأمنية بالتحقق من رغبة من يريد إشهار إسلامه، وترتيب لقاء بين الراغب في الإسلام وبين رجال دين مسيحيين وهو أمر متبع ومعروف وسبق أن تم العمل به في حالات كثيرة سابقة.

وأوضحت المصادر أن الإجراءات التي تتخذ في حالة تغيير الديانة من المسيحية إلى الإسلام هو أن يتجه الشخص الذي يرغب في ذلك إلى مشيخة الأزهر التي تقوم بتحويله إلى مديرية الأمن التي يتبعها والتي تقوم بتحويله إلى مركزه الخاص، وهذا المركز يخطر الكنيسة التي يتبعها الشخص ويقوم بتحديد ميعاد لقس الكنيسة لمناقشة هذا الشخص، فاذا نجح في اقناعه كان بها، وان لم ينجح يحاول معه، فان لم يستطع يخرج القس ليعلن عدم نجاحه في اقناع الشخص، وبعد ذلك تقوم مشيخة الأزهر بمناقشة الشخص في سبب إسلامه واذا ما كان يرغب جدياً في ذلك.

وفي الوقت نفسه أكدت مصادر مطلعة على حوار الأطراف المختلفة أنه ليس هناك من حرض هذه السيدة على إشهار إسلامها ولا يوجد شخص أحبته هذه السيدة وتريد إشهار إسلامها للزواج منه.

وأكدت مصادر مسؤولة أنه لا علاقة للدولة بموضوع إشهار السيدة إسلامها وأنها لا تعمل على تشجيعه أو تجنيده، وترفض إكراه أحد على تغيير دينه وأن دور السلطات الأمنية هو أن تتأكد فقط من أن هذه السيدة تصر على رغبتها وأن دوافعها ليست فيها أية شبهات أو أن هناك من أكرهها على ذلك، فضلا عن أنها على استعداد للقاء القادة المسيحيين لمناقشتها في رغبتها وهو ما يحدث حاليا مع السيدة وفاء قسطنطين حيث تم نقلها أخيرا من سكن الأسرة المسلمة التي أقامت فيه منذ تغيبها عن منزلها في محافظة البحيرة بدلتا مصر إلى مسكن آخر في أحد أحياء القاهرة تابع للكنيسة الأرثوذكسية المصرية، ويطلق عليه «بيت مكرسات» وهي درجة قبل الرهبنة تقطن به عادة متفرغات غير متزوجات للعبادة والخدمة الكنسية.

وقد التقى أمس خمسة من قيادات الكنيسة المصرية منهم الأنبا موسى أسقف الشباب، والأنبا بيشوي سكرتير المجمع المقدس، والأنبا باصفرميوس أسقف البحيرة، والأنبا أبولو أسقف عام مع السيدة وفاء قسطنطين في أحد الأماكن التابعة للأمن المصري واستمر اللقاء لساعات، ووفقا للمعلومات التي حصلت عليها «الشرق الأوسط» فإن اللقاء لم يسفر عن موقف محدد سواء بالعودة أو الاستمرار في الغياب.

في حين قال مصدر بابوي في الكنيسة إن السيدة لم تشهر إسلامها ولم تحدد موقفها بعد، وأن الأجهزة الأمنية أبدت تعاونا طيبا مع قيادات الكنيسة.

من ناحيتها قالت السيدة قسطنطين من خلال اتصال لـ«الشرق الأوسط» معها إنها مصرة على إسلامها «وأن علاقتها بالإسلام بدأت منذ عامين عندما شاهدت أحد البرامج التلفزيونية بالصدفة وكان يقدم شرحاً وتفسيرا لإحدى الآيات القرآنية، فاكتشفت أن القرآن يتحدث بلغة العلم الحديث»، ولأنها درست العلوم والزراعة تأنت في تقديرها للموقف وطلبت من أحد زملائها المسلمين الذي تثق فيه أن يمدها بكتب عن الإسلام وتفسيره، فاكتشفت أن الإسلام ليس كما عرفت دين عنف وتكفير للآخر، فقررت اعتناقه من دون أن يدرك أحد ذلك أو يعرف سرها أحد، الى أن حدثت التطورات الأخيرة.

والسيدة قسطنطين متزوجة من القس يوسف معوض (55 عاما) وقد بترت ساقه اليمنى في أغسطس (آب) من العام الماضي بعد اصابته بداء السكر منذ 8 سنوات وأثر تعرضه لحادث سير على الطريق بين دمنهور وأبوالمطامير (المدينة التي يقيم فيها) وأنه يعاني حاليا من مضاعفات السكر حتى أن ساقه الأخرى مهددة بالبتر وهو الآن في وضع لا يعرف فيه أي شيء عن زوجته. فقد قال ردا على سؤال حول أسباب اختفائها المفاجئ «أنا لا أتهم أحدا ولا أتهمها هي ذاتها بشيء، لم ألحظ عليها ما يدينها أبدا».

وعما يروج له البعض عن إشهار زوجته إسلامها قال لا أدري عن ذلك شيئا ولا تعليق لي غير أن يظهر الله الحق بسرعة منعا للبلبلة والكلام الكثير فنحن من أسرة مصرية شرقية صميمة وكبيرة ومعروفة بالسمعة الطيبة، والكلام نفسه ينطبق على عائلة زوجتي وعلاقتنا بالمسلمين جيدة إلى أبعد الحدود ولسنا في خصومة مع أحد، ولكن أنا وأولادي (مينا وشيري) نشعر بالقلق على زوجتي لأنها راشدة وعاقلة ولذلك نخشى أن يكون قد حدث لها مكروه ونريد فقط معرفة الحقيقة.

وعلى أثر لقاء قيادات الكنيسة بالسيدة وفاء قسطنطين انخفضت حدة احتجاج مئات الأقباط في مقر الكنيسة المصرية بضاحية العباسية شرق القاهرة.

وكانت المواجهة قد تصاعدت أمس الأول الأربعاء بين سلطات الأمن المصرية وعدد من المحتجين الأقباط الذين صعدوا اعتصامهم الاحتجاجي الذي نظموه منذ خمسة أيام داخل كاتدرائية الأقباط الارثوذكس بضاحية العباسية اعتراضاً منهم على تغيير الزوجة لدينها وتركها منزل الزوجية وتغيبها منذ السبت 27 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي وتردد أنها دخلت الإسلام.

وشهدت مساء أول من أمس مواجهات حية بين قوات الأمن والمتظاهرين الأقباط الذين حاولوا الخروج للشارع بعد أن وصل عددهم إلى ما يزيد على خمسة آلاف تجمعوا من القاهرة ومحافظة البحيرة موطن زوجة الكاهن، وحدثت اشتباكات متبادلة بين الطرفين وتراشق بالحجارة من قبل المتظاهرين، ورد جنود الأمن المركزي عليهم بإلقاء الحجارة وتلافت الشرطة المصرية حدوث مواجهات رغم إصابة عدد كبير من أفرادها بإصابات طفيفة نتيجة الحجارة، كما أصيب من الأقباط عدد آخر بعد محاولتهم اقتحام بوابات الكاتدرائية والخروج للشارع.

وجاء التصعيد الأخير عقب عدم قيام البابا شنودة بطريرك الكرازة المرقسية بإلقاء موعظة الأربعاء، في اللقاء الأسبوعي له بالمسيحيين، واتجه إلى الدير بوادي النطرون ولم تحدد القيادات الكنسية سبب الامتناع عن حضور الموعظة، وهو ما اعتبره البعض اعتراضا أو اعتكافا، وسبق أن قام به البابا أيضا أثناء أزمة صحيفة النبأ عام 2002 التي نشرت صورا فاضحة لأحد الرهبان، وربط البابا شنودة وقتها بين عودته لموعظة الأربعاء وحل الدولة للأزمة التي نتج عنها قرار باغلاق الصحيفة وحكم بحبس رئيس تحريرها لمدة عامين، ولذلك اعتبر أن عدم تلبية البابا شنودة لموعظة الأربعاء إظهارا لاعتراضه، وذلك على الرغم من قول مصادر كنسية أن سلطات الأمن المصرية قد سلمت زوجة الكاهن للكنيسة، إلا أن ذلك لم يمنع المتظاهرين الأقباط من استمرار احتجاجهم وترديد الهتافات المعادية ومحاولة خروجهم للشارع وإلقاء الحجارة مما تسبب في قطع طريق شارع رمسيس وتعطيل حركة المرور لمدة تزيد على أربع ساعات في وسط القاهرة بعد أن استمرت المواجهات أثناء الليل وبعد تفرق المتظاهرين بعد تهدئة القساوسة والرهبان لهم.

وكان عدد من المحتجين الأقباط الذين تجمعوا بمقر كاتدرائية الأقباط الارثوذكس منذ السبت الماضي قد استغلوا مراسم القداس الذي اقيم للكاتب الصحافي سعيد سنبل رئيس مجلس إدارة صحيفة أخبار اليوم السابق والذي عقد بالكاتدرائية وحضره عدد من الوزراء ورجال الدولة وقيادات العمل الصحافي ودخلوا ساحة الكنيسة واقتحموا القداس الذي كان يقوده البابا شنودة بنفسه، مما تسبب في عدم تمكن أسرة الصحافي سعيد سنبل من أخذ العزاء، وحاول الثائرون الأقباط رفع مشاكلهم، وقد حاول الدكتور أسامة الباز المستشار السياسي لرئيس الجمهورية حل الأزمة بعد لقائه بالبابا شنودة لمدة ساعتين وقد احتجزه المتظاهرون لمدة نصف ساعة إلا أنه وعدهم بعودة السيدة والتي أكد أنه عرف مكانها، ولكن الأزمة استمرت بعد أن تأكدت المعلومات أن السيدة ترفض العودة مرة أخرى.

وفي حين اعتبر البعض أن ما قامت به أجهزة الأمن تمكين ممثلي الكنيسة من الجلوس مع السيدة وفاء قسطنطين ومناقشتها هو الاسلوب الأمثل لمعالجة هذه الأمور، فإن الأمر طرح أيضا عددا من الاشكاليات حول هل يظل الملف أمنياً أم يخرج إلى حيز مختلف؟ فيرى الناشط المصري الدكتور رفيق حبيب أن ما حدث هو افراز لمناخ سلبي يقوم على اخفاء الحقيقة وعدم القدرة على قول الحقيقة من قبل الحكومة، مشيرا إلى أنه من الصعب في هذه الحالة توجيه اللوم إلى الجماهير المهتاجة لأنها فعلت ما اعتقدته صوابا، لافتا إلى أن الشائعات في مصر بلا سقف وأن الشائعة في النهاية تقول الحقيقة التي في الذهن الجمعي.

ويضيف حبيب انه في حالة إذا كان تغيير الملة ناجما عن رغبة حرة وإرادة شخصية فان الأمر لا يستدعي أية حالة من حالات الغضب الجماهيري، وبالتالي إذا كانت هناك حالة من المكاشفة التي يمكن من خلالها التحقق مما حدث فلن يحدث ما حدث، لافتا إلى أن الأمر حساس لان له أبعادا جماهيرية لأن الشخص الذي يغير ملته ينتمي لأسرة تنتمي إلى محيط اجتماعي معين.

ويعتقد المفكر القبطي جمال أسعد عبد الملاك انه يجب الا تواجه حالات تغيير الملة بمثل هذه الممارسات من التظاهر والاعتصام وخلافه وأنه يجب أن نفصل بين حالتي إشهار الإسلام وبين التعبير عن هذا سياسيا، فالإسلام لا يكره أحدا على اعتناقه لأنه لا إكراه في الدين، ولكن أن تكون هناك ضغوط أو إرهاب أو إغراء فهذا أمر مرفوض تماماً.

ويرى عبد الملاك انه يجب عدم التعبير عن الغضب أياً ما كان ما حدث جماعياً، لأن هذا يكرس علاقة الكنيسة بالسياسة ويقحم الكنيسة في أمور ليست من تبعاتها، ومكان التجمهر والتظاهر هو البرلمان أو مجلس الشورى، وليس دور العبادة، لأن هذا في اعتقاده سيترك آثارا وخيمة وسلبية لأنه سيعطي فيما بعد أية قضية بعدا سياسيا لا داع لاقحامه، كما انه يعطي الكنيسة دورا ليس دورها.

ويرى الناشط الحقوقي ناصر أمين مدير مركز استقلال القضاء أن هناك سببا واضحا وراء الأزمة هو غياب مفهوم حقوق الإنسان في المجتمع المصري خاصة فيما يتعلق بحرية الفكر والاعتقاد وحرية ممارسة الشعائر الدينية، وهذا الغياب يؤدي إلى فهم خاطئ للأمور في حالة الانتقال من ديانة إلى أخرى.

ويضيف أمين أن الحدث في مجمله خطير لكونه ناتجاً عن غياب حقيقي لمفاهيم حقوق الإنسان، وفي رأيه أن تغيير الملة حق يحميه القانون الدولي شريطة ألا يتم ذلك تحت أي تأثير (إغراء أو إكراه) وبالتالي يجب أن تتم مناقشة هذا الحق بشفافية.