الجزائر: فتح ملف المفقودين يكشف عن اختفاءات قسرية بلغت الآلاف

TT

أوضح مسؤول حكومي جزائري أن عدد المفقودين في الجزائر في الفترة ما بين 1992 و1998 بلغ 6142 شخصا، وهي أول مرة تتحدث فيها السلطات عن رقم محدد بخصوص ملف الاختفاءات القسرية الذي يعد من أخطر ما أفرزته الأزمة الأمنية التي اندلعت غداة إلغاء نتائج أول انتخابات برلمانية تجرى بالبلاد والتي فازت بها «الجبهة الإسلامية للإنقاذ» في 26 ديسمبر (كانون الأول) عام 1991.

وقال المحامي فاروق قسنطيني رئيس «اللجنة الاستشارية لترقية وحماية حقوق الإنسان» التي تتبع مباشرة لرئيس الجمهورية عبد العزيز بوتفليقة، في لقاء بحقوقيين ومدافعين عن حقوق الإنسان أمس بالعاصمة بمناسبة الاحتفال بالإعلان العالمي لحقوق الإنسان، إن الاتصالات التي اجراها مع مختلف الهيئات المكلفة بالأمن وبعائلات المفقودين أفضت إلى ضبط عدد المختفين قسريا وتحدث في هذا الخصوص عن 6142 مفقودا. وتعرض قسنطيني لهجوم لفظي عنيف من طرف «الرابطة الجزائرية للدفاع عن حقوق الإنسان»، وهي منظمة غير حكومية، حيث اتهمه رئيسها علي يحيى عبد النور بـ«تلويث حقوق الإنسان عن طريق حرصه على رفع المسؤولية عن السلطة بخصوص ضلوعها في خرق حقوق الإنسان وخاصة ظاهرة الاختفاء القسري». وأوضح قسنطيني أنه سيرفع تقريرا مفصلا عن المفقودين في مارس (أذار) المقبل ألى رئيس الجمهورية، بناء على طلب منه. وشكل بوتفليقة في سبتمبر (أيلول) 2003، «آلية خاصة بالمفقودين» ووضع على رأسها فاروق قسنطيني طالبا منه إجراء تحقيق حول ظروف اختفاء آلاف الشباب في سنوات التسعينات، والبحث عن أماكن تواجدهم، وأعطى له مدة 18 شهرا للقيام بهذه المهمة. ورفض قسنطيني تقديم معلومات عن فحوى التقرير رغم إلحاح الصحافة المحلية والدولية، مكتفيا بالقول إنه استفاد من «تعاون مثالي من كل الإطراف المعنية» خلال مراحل إجراء التحقيق. غير أن العديد من العارفين بالملف، يعتقدون أن عمل «آلية قسنطيني» كان ناقصا بحكم أنه أقصى أهالي المفقودين من العضوية في الآلية التي ضمت مختصين في القانون وباحثين جامعيين وصحافيين تعاملوا مع الموضوع طويلا، ما عدا المعنيين مباشرة بهذه الكارثة الإنسانية. واتصلت «الشرق الأوسط» هاتفيا ببعض أمهات المفقودين ممن دأبن على التجمع كل يوم أربعاء أمام لجنة حقوق الإنسان للمطالبة باستعادة أبنائهن«فقالت سيدة فقدت ابنها في عام 1994» إنها متفائلة بـ«تحديد عدد المفقودين فهذا يعني أن السلطات جادة في معالجة القضية».

وذكرت أم عجوز اشتهرت باتهامها وزير الدفاع الأسبق الجنرال خالد نزار بإعطاء أوامر باختطاف الشباب ذوي التوجه الإسلامي لما كان الرجل القوي في البلاد، أن المهم بالنسبة لها «أن يظهر مصير إبني، فإما أن يكشف لي قسنطيني عن مكان اعتقاله أو يدلني على الموقع الذي دفن فيه». وتذكر سيدة أخرى أن أهم شيء عندها أن «تعاقب عدالة بلدي من قتل زوجي لأنني مقتنعة أنه مات بعد اختفاء دام أكثر من عشر سنوات».

وتذكر الرواية الرسمية بشأن القضية، أن المفقودين أشخاص التحقوا بالجماعات المسلحة في الجبال وقتلوا خلال اشتباكات مسلحة مع قوات الأمن، وأن بعضهم اختطفهم الإسلاميون المسلحون وأعدموهم، بينما يصر الأهالي على أن المفقودين اختطفهم رجال الأمن في مداهمات ليلية. وسبق لبوتفليقة، حسب مصادر عليمة، أن حاول التقصي في الموضوع في بداية ولايته الأولى عام 1999، لكنه اصطدم بصعوبة كبيرة في العثور على أي أثر للمفقودين، وقال في أحد التجمعات لأم طالبته بالبحث عن ابنها: «أنا أحد المتضررين مما تشتكين فابن أخي مفقود من زمن طويل»، ولما ألحت عليه الام قال: «لست أدري أين هم وعلى كل فهم ليسوا في جيبي». وشكل ملف المفقودين إحدى أدوات الضغط التي استعملتها جماعات حقوق الإنسان الدولية في منتصف التسعينات، لحمل السلطات الجزائرية على قبول تأسيس لجنة تحقيق دولية لـ«الكشف عن الأطراف الحقيقية التي ترتكب الجرائم ضد المدنيين». وكانت السلطات ترد بأنها ترفض إضفاء اللبس عن المسؤولين الحقيقيين في الجرائم، في إشارة ألى الجماعات الإسلامية المسلحة.