في سرية تامة وبعيداً عن أنظار العالم: أول مسح بالأشعة المقطعية لمومياء عمرها 9 آلاف عام تمهيداً لمسح مومياء «توت عنخ آمون» الأسبوع المقبل

TT

في سرية تامة وبعيداً حتى عن أعين الأثريين العاملين بالمتحف المصري، تشهد الساحة الخلفية للمتحف بميدان التحرير بوسط العاصمة المصرية القاهرة في العاشرة والنصف صباح اليوم أول تجربة من نوعها لفحص مومياء بالأشعة المقطعية تمهيداً لإجراء الفحص نفسه على مومياء الملك توت عنخ آمون والذي أثارت ضجة في أوساط الأثريين والرأي العام في الآونة الأخيرة.

«الشرق الاوسط« اخترقت الترتيبات الأمنية لهذه التجربة وانفردت بنشر تفاصيلها.

بدأت الترتيبات الفنية والعلمية والأمنية للتجربة منذ حوالي شهر وبتكلفة تقدر بـ60 مليون جنيه ولأول مرة في التاريخ تبدأ المرحلة الأولى لدراسة مومياء توت عنخ آمون بجهاز الأشعة المقطعية الوحيد من نوعه في العالم وبحضور الدكتور صالح بدير المستشار العلمي للمجلس الأعلى للآثار ورئيس فريق العمل بمشروع المومياوات والعميد السابق لكلية طب قصر العيني واستاذ جراحة العظام العالمي، ومعه أشهر فني أشعة مقطعية في مصر صلاح محمد علي، و3 مصريين فنيين مسؤولين عن تشغيل جهاز الأشعة المقطعية العملاق المتنقل على سيارة والذي صنعته شركة «سيمنس» الألمانية خصيصا لهذا الغرض فقط بتكلفة تجاوزت 10 ملايين دولار (60 مليون جنيه مصري) وبدون أي مشاركة أجنبية سوف يؤرخ هذا الفريق لأول تجربة حية في العالم لفحص مومياء تاريخية عمرها 8000 عام بالأشعة المقطعية، وذلك قبل تطبيق التجربة عمليا على مومياء الملك الفرعوني المصري «توت عنخ آمون» بدون فك لفائفه التي تحفظ مومياءه منذ آلاف السنين.

التجربة سوف تتبعها تجارب حية أخرى على 9 مومياوات محفوظة حاليا بمكان خاص داخل المتحف المصري بعد نقلها قبل أيام من مشرحة كلية طب قصر العيني وذلك بهدف التأكد تماما من وجود خبرة كافية لدى فريق العمل قبل التعامل مع مومياء توت عنخ آمون كما يقول الدكتور صالح بدير رئيس الفريق الذي أضاف قائلا: «رغم أن مسح المومياوات بجهاز الأشعة المقطعية لن يستغرق سوى 10 دقائق على الأكثر إلا أن المعلومات الطبية والعلمية سوف تتوالى لسنوات طويلة قادمة وبشكل مذهل وساحر لكل الأوساط الطبية والعلمية والأثرية في العالم».

فحتى هذه اللحظة لا توجد أي خبرة سابقة في العالم في فحص المومياوات اللهم حالة أو حالتين بشكل غير متكامل مثل الذي يتم صباح اليوم والذي معه سوف تصبح مصر صاحبة أكبر وأول خبرة في العالم في فحص المومياوات بأحجامها المختلفة حيث تقرر في المجلس الأعلى للآثار برئاسة الدكتور زاهي حواس ألا يتم الاقتراب مطلقا من توت عنخ آمون بالأشعة المقطعية إلا بعد أن تصبح لدينا خبرة بلا حدود على أعلى مستوى في العالم حتى لا يحدث واحد على مليار من الضرر لمومياء توت، حيث سيتم إدخال مومياء توت داخل الجهاز بالتابوت الموضوع به وبدون فك لفائفه الخارجية لذلك يجرب على 10 مومياوات حاليا منها ما هو بلفائف وما هو عار بغير لفائف وما هو طفل وما هو للكبار حيث ستسمح الإمكانات التقنية بجهاز الأشعة المقطعية بدراسة جسد المومياء بالكامل وتحديد السن والجنس وسبب الوفاة وأي أمراض أصيب بها وطريقة التحنيط ومكونات التحنيط وعمر المومياء بعد تحنيطها ودراسة بقايا الطعام بالمعدة وقت الوفاة وعمل منظار كامل للجهاز الهضمي للمعدة وجميع الأجهزة بجسد المومياء بقطاعات طولية وعرضية ودراسة تجاويف البطن والرأس والفم.

كل ذلك سوف يتم خلال دقائق معدودة وبمجرد دخول المومياء إلى داخل جهاز الأشعة المقطعية وبعد ذلك يتم إعادتها إلى مكانها بالمتحف مرة أخرى.

ويضيف الدكتور بدير «بعد ذلك سوف نستخرج ملايين المعلومات غير المسبوقة في التاريخ عن مومياء توت عنخ آمون بل سوف تسمح الإمكانات التقنية بالجهاز برسم صورة ثلاثية الأبعاد 3D للملك توت ولأي مومياء أخرى بملامحها الحقيقية أثناء حياته وبمراحل سنية متعددة وسوف يصبح لدينا توت عنخ آمون افتراضي حقيقي يتحرك ويتكلم ويشارك وستكون هناك صورة مجسمة متاحة للعالم لوجه توت وأي مومياء مصرية قديمة».

تجربة اليوم بالمتحف المصري تم فرض سرية مشددة عليها لدرجة أن الدكتورة وفاء الصديق مديرة المتحف المصري ذاتها لن تحضر التجربة أو أي تجارب على المومياوات الـ10، وقد أصر الدكتور صالح بدير على أن يتأكد بنفسه وبمساعدة فنيين محترفين من خلو جهاز الأشعة الضخم من أي وصلات لاسلكية لنقل المعلومات عن مسح المومياء مقطعيا خارج محيط الفناء الخلفي للمتحف المصري بل خارج «سوفت وير» الجهاز، وعدم وجود أي هواتف جوالة مع فريق وفنيي العمل الذين اختارهم الدكتور بدير بدقة شديدة وتم التعتيم على وسائل الإعلام بوجود الدكتور زاهي حواس في الواحات البحرية لمتابعة الاكتشافات الجديدة هناك، بل وصل الأمر إلى أن جميع العاملين الأثريين بالمتحف المصري ليس لديهم علم مطلقا بما يحدث في الفناء الخلفي للتحف، وهو الأمر الذي أرجعه الدكتور بدير إلى أن مومياء توت عليها اعتقادات كثيرة وتفاسير عديدة لديانات عدة وبالتالي فلا مجال لإثارة الإشاعات واطلاق الحكايات الخرافية مرة أخرى حول مومياء توت قبل إعلان النتائج العلمية للعمل والذي تم اللجوء إليه كبديل عن تجربة الحمض النووي DNA على مومياء توت وما قد يهدد المومياء بالإضافة إلى عدم دقة نتائج تجارب الـDNA في تحديد أسباب الوفاة وتوفير المعلومات المطلوبة عن حياة توت عنخ آمون.

الفنيون الثلاثة العاملون على جهاز الأشعة سوف يتوقف دورهم فقط على تسيير عمل الجهاز، في حين سوف يكون داخل الجهاز مع المومياء فقط الدكتور صالح بدير ومساعده صلاح محمد علي أشهر فني أشعة في مصر والذي يثق به الدكتور بدير بلا حدود وتلقى تدريبا مكثفا في التعامل مع الجهاز بل وصل الأمر لدرجة ان الدكتور بدير يمتلك لوحده فقط كلمة السر (password) لجميع أجهزة وحاسبات جهاز الأشعة والذي سوف يصبح في عهدة الدكتور بدير حتى إتمام عملية المسح المقطعي للملك توت والمحدد لها الأسبوع القادم وستخضع لنفس درجات التأمين والسرية التي تتم صباح اليوم كما قال صلاح محمد علي فني الأشعة بالفريق والذي أضاف قائلا «ميزة الأشعة المقطعية أنها سريعة جدا في مسح جسد المومياء وفحصها، خاصة أن الجهاز المستخدم من أحدث أجيال الأشعة المقطعية في العالم والأول من نوعه في مصر كجهاز متنقل حيث سيعطي معلومات طبية شاملة عن مومياء توت عنخ آمون وكأنه حي تماما بل حتى التحليل الكامل لدم المومياء رغم مرور 8000 عام على وفاته وبعد ذلك سوف يتولى الدكتور عصام الشيخ أستاذ الأشعة بطب قصر العيني كعضو في الفريق تحليل نتائج المسح الذي تم على كل مومياء والمعلومات عنها تمهيدا لتطبيق ذلك بحذافيره على ما سوف يتم مع مومياء الملك توت».

من ناحيته، أشار الدكتور عصام الشيخ إلى أن دوره فقط سيكون بعد المسح المقطعي لكل مومياء حيث سيتولى تحليل كل المعلومات وصور الأشعة الناتجة استعدادا لمسح مومياء الملك توت والتي لن يحضرها لكونه فقط مسؤولا عن نتائج بحث ما انتهت إليه التجربة.

وقال لـ«الشرق الأوسط» إن الأشعة المقطعية على مومياء توت سوف توفر معلومات تفوق الخيال بمرات عن الحالة الصحية للملك خاصة سبب وفاته بل وكذلك كل المومياوات العشر التي سوف يتم التعامل معها بداية من اليوم حتى السبت المقبل حيث تدخل مومياء توت إلى الجهاز وسوف يستغرق تحليل هذه المعلومات سنوات طويلة إلا أن النتائج المبدئية ستكون خلال أيام.

من ناحيتها، اكتفت الدكتورة وفاء الصديق مديرة المتحف المصري بالقول لـ«الشرق الأوسط» إن تجربة المسح بالأشعة المقطعية لمومياء توت عنخ آمون تأتي بعد قرار المجلس الأعلى للآثار باستبعاد تجارب الحامض النووي على مومياء الملك توت عنخ آمون الذي حكم مصر في الفترة ما بين 1336 قبل الميلاد وعام 1327 قبل الميلاد، كما تم الاتفاق مع الدكتور زاهي حواس رئيس المجلس الأعلى للآثار على إعداد فيلم تسجيلي بتقنية السينما المجسمة يوضح طريقة فحص المومياء بأشعة x وعرضه بالقاعة 39 بالمتحف المصري، بالإضافة إلى الإعلان في مؤتمر صحافي عالمي داخل المتحف بتفاصيل ونتائج التجربة.

وتروي كتب التاريخ أن توت عنخ آمون اعتلى عرش مصر وهو صبي صغير في سن العاشرة عام 1348 ق.م وكان صبيا معتل الصحة (يظهر ذلك في صورة على الآثار حيث يجلس على العرش في استرخاء أو وهو يقف مستندا إلى عصاه أو هو يصطاد الطيور جالسا على كرسيه)، كما انه توفي وهو في العشرين من عمره، وعند فحص موميائه بعد اكتشافها رجح سبب الوفاة حينئذ بسبب مرض رئوي وأيضا بورم في المخ لوجود تجويف كبير في جمجمته. وعند فحص الجمجمة مرة أخرى عام 1967 ظهر ما يشبه كسرا بسيطا رجح أن يكون سببا لوفاته نتيجة ضربه بآلة حادة على رأسه من عملاء (أي وحور محب) الأوصياء على عرش البلاد وقتها.

كما تعرضت مومياء توت عنخ آمون للتلف الشديد تسبب فيه مكتشفها الأثري البريطاني السير هوارد كارتر قبل 82 عاما عندما استخدم آلة حادة لنزع قناع المومياء الذهبي. وفي عام 1980 أثناء عرض المومياء في معرض بألمانيا سقطت الكوبرا التي كانت فوق رأسها على الأرض وتم استدعاء أعظم مرممي العالم لإعادتها إلى حالتها الطبيعية وتسبب ذلك الأمر في قرار للبرلمان المصري وقتها بمنع عرض آثار الفرعون الذهبي بالخارج.

وقبل عدة سنوات رفضت اللجنة الدائمة بالمجلس الأعلى للآثار السماح لبعثة يابانية باستخدام الحامض النووي في فحص مومياء توت، واعتبرتها تجربة تهدف إلى الشهرة من دون أن يتوفر لها السند العلمي.