حفيد حسن البنا يتخلى عن فكرة التدريس في أميركا «حفاظاً على كرامته» بعد أزمة التأشيرة

TT

قال ريتشارد باوتشر، الناطق باسم الخارجية الأميركية، إن قضية تأشيرة العمل الخاصة بطارق رمضان، الاستاذ الجامعي السويسري ـ المصري كانت قيد المراجعة، لكن استقالة رمضان من عمله في الولايات المتحدة قد وضع نهاية لموضوع التأشيرة.

وجاء حديث باوتشر تعليقا على إعلان الاستاذ الجامعي الإسلامي، حفيد مؤسس حركة «الإخوان المسلمين» حسن البنا استقالته من جامعة نوتردام في ولاية إنديانا، بعد أربعة أشهر من إلغاء تأشيرة العمل الخاصة به قبل أن يتمكن من مباشرة التدريس في الجامعة.

وقال رمضان في تصريح صحافي: «لقد تخليت عن فكرة الانتقال إلى الولايات المتحدة لأني أردت الحفاظ على كرامتي».

ومن جانبه، قال سكوت أبليبي، مدير معهد نوتردام لدراسات السلام الدولية، إن رمضان أشار في رسالة الاستقالة التي بعث بها للجامعة، الى انه عانى وأسرته من ضغوط بسبب عدم وضوح الوضع في ما يتعلق بتأشيرة الدخول.

وكانت وزارة الأمن الداخلي الأميركية منعت رمضان من دخول أميركا في أغسطس (آب) الماضي قبل أيام من موعد الفصل الدراسي الذي كان من المفترض أن يبدأه في الولايات المتحدة.

ولم تفسر السلطات الفيدرالية قرار إلغاء التأشيرة التي كانت منحت الى رمضان، الذي يدرس مادة الاسلاميات في جامعتي جنيف وفريبورغ في سويسرا، للعمل لمدة عام أستاذا لمادة الديانات المقارنة في جامعة نوتردام الكاثوليكية الاميركية، بالقرب من مدينة ساوث باند بولاية انديانا بشمال الولايات المتحدة، حيث كان ينوي التوجه للعمل لمدة عام لإلقاء محاضرات حول الفلسفة الاسلامية والعلاقات بين الاديان.

ومعروف عن طارق رمضان انه واحد من القادة المسلمين في اوروبا، ويدعو إلى صيغة اسلامية معتدلة ومتسامحة في الغرب. لكن مفكرين فرنسيين قالوا إن رمضان ليس سوى ديماغوجي خطير، تحمل كلماته معاني مختلفة، فضلا عن كونها حلقات في منظومة من الغضب. وفي مقابلة اجريت معه في باريس، نفى رمضان بشدة أن يكون معاديا للسامية. وأرجع الاتهامات الموجهة اليه إلى الغيرة من شهرته. وقال بعد أن ذكر أن مؤلفاته تستخدم كمراجع في الدراسات الإسلامية في الولايات المتحدة، وأنه يتلقى دعوات من كل أنحاء العالم ليلقي محاضرات هناك: «لدي تلاميذ وأتباع كثر في الولايات المتحدة. انظر إلى كتابي الأخير، إنه حصيلة 15 عاما من البحث». وكان يشير الى كتابه بعنوان: «المسلمون الغربيون ومستقبل الإسلام». وقال إن المشكلة ليست فيه هو، بل في فرنسا نفسها. وتابع: «إنهم يتساءلون: من هو؟ ماذا يفعل؟ ويعبرون بذلك عن شكوك كثيفة، ولكنهم في بريطانيا وفي الدنمارك يعتبرونني تقدميا ومصلحا، وهذا بعيد جدا عما يدور في فرنسا».

وطارق رمضان هو حفيد حسن البنا الذي اسس عام 1928، جماعة «الإخوان المسلمين» المحظورة حالياً في مصر. وفي الخمسينات غادرت الاسرة مصر ايام الزعيم المصري الراحل جمال عبد الناصر، وانتقل سعيد رمضان، والد طارق، إلى سويسرا. وكوّن هناك مركزا إسلاميا صار محجة لدعاة إسلاميين عالميين، مثل الزعيم الاميركي الاسود مالكوم إكس.

ويدير المركز حاليا هاني رمضان، شقيق طارق الأقوى شهرة. وقد اكتسب هاني شهرته «السلبية» بعد أن كتب مقالا في «لوموند» الفرنسية العام الماضي يدافع فيه عن رجم النساء اللائي يرتكبن الزنى، وفصل على أثر ذلك من وظيفته كمدرس للغة الفرنسية بالمدارس العليا بجنيف.

وتكتسب لغة طارق رمضان قوتها من انه يتفادى الكراهية واللغة المتشددة التي يتحدث بها أئمة المساجد المسلمون في أوروبا. وبدل ذلك يدعو مسلمي أوروبا البالغ عددهم 15 مليون نسمة، إلى خلق إسلام أوروبي وقبول هويتهم الأوروبية، والمطالبة بحقوقهم على هذا الأساس. وقال إن هذا ليس اقل من «ثورة صامتة».

وقال أوليفير روي، الباحث الفرنسي في شؤون الإسلام: «هذا رجل على درجة كبيرة من التعقيد.. إنه محرض يعرف كيف يستغل وسائل الإعلام، وهو عاطفي جدا عندما يخاطب الجماهير المسلمة، ولكنه عملي وواقعي عندما يخاطب جمهورا غير مسلم.. انه يحاول خلق هوية إسلامية للمواطنة». واوضح روي: «أن هذا هدف ينطوي على التناقض».

وهو ينطوي كذلك على امكانيات سوء الفهم. فقد اثار طارق رمضان عاصفة لفظية عندما نشر في موقع على الإنترنت، مقالة يتهم فيها عددا من المفكرين الفرنسيين (قال عنهم إنهم يهود) بأنهم يتخذون مواقفهم انطلاقا من ديانتهم اليهودية. وكتب يقول: «المفكرون اليهود، الذين ظللنا نعتبرهم مفكرين عالميين، شرعوا في طرح تحليلات على الصعيدين الوطني والعالمي، صارت تنحاز باطراد إلى هموم مجتمعهم». وأضاف أن مصالح هؤلاء كيهود أو كوطنيين أو كمدافعين عن إسرائيل، تأتي قبل مبادئ المساواة والعدل.

وقد وجه انتقاداته إلى ثلاثة من أبرز المفكرين الفرنسيين، هم بيرنار هنري ليفي، واندري جلوكمان وبرنار كوشنر، وذلك لتأييدهم إسقاط نظام صدام حسين في العراق. وفي بلد لا يتحدث فيه الناس عن أديانهم، وحيث تعتمد وسائل الإعلام بصورة اساسية على الجدل، لا غرابة في أن يطلق المفكرون المذكورون سهاما مضادة ويشنوا هجوما معاكسا. ففي مقالة نشرها بصحيفة «لوموند» قال ليفي، مؤلف كتاب «من قتل دانيال بيرل» الأكثر مبيعا في سوق الكتب الفرنسي، ان طارق رمضان: «داعية فكري لكل أنواع المعاني المتشابهات، ينطلق من وجهة نظر عنصرية للعالم». واضاف: «ان رمضان إذا لم يكن عنصريا، فهو مؤلف نصوص عنصرية لا شك في عنصريتها». اما بيرنار كوشنر، وزير الصحة الفرنسي السابق، فقال في مقابلة أجريت معه، ان طارق رمضان «يفتقر كليا إلى الذاكرة التاريخية..انه رجل خطير». وأضاف: «الطريقة التي أدان بها بعض المفكرين اليهود قريبة جدا من معاداة السامية».

لكن طارق رمضان، نفى هذه الاتهامات نفيا قاطعا. وقال انه ليس ثمة خطأ في تصنيف الناس حسب دينهم. واضاف: «إنهم يصفونني بأنني مفكر إسلامي في هذا البلد.. أليس من الممكن إذن أن نقول عن شخص ما انه مفكر يهودي؟ هل هذه إساءة؟ هناك معيار مزدوج هنا». وكان طارق رمضان ناظرا سابقا بالمدارس الثانوية، ويحمل شهادة الدكتوراه في الدراسات الإسلامية من جامعة جنيف. وهو يؤيد لبس الفتيات الحجاب في المدارس الحكومية، إذا رغبن في ذلك. ويقول إن هذه الممارسة ممنوعة قانونا في فرنسا، فقط إذا كانت مثيرة للإزعاج او قصد بها التظاهر.