رئيس الوزراء الماليزي: أمام دول المنطقة تحديات وعليها العمل لإيجاد آليات لمواجهتها

خبراء يطالبون بتطوير النظم التعليمية والاستثمار في العقول لتعزيز التنمية الاقتصادية

TT

استعرض عبد الله بدوي، رئيس الوزراء الماليزي، في الجلسة الأولى من فعاليات اليوم الثالث للمنتدى الاستراتيجي العربي في دبي أمس، التحديات التي تواجهها المنطقة العربية، خاصة على صعيد الاعتماد على النفط والغاز كمصدر أساسي للثروة، وتراجع مستوى التعليم وإهمال دور المرأة وعدم إشراكها في عملية التنمية الاقتصادية. وقال ان أمام دول المنطقة تحديات عديدة وعليها العمل لإيجاد الآليات الملائمة لمواجهتها. وقال بدوي: «إننا جميعا نعلم أن الاقتصاد العالمي يشهد ثورة حقيقية شملت كل قواعده، حيث اختلفت المعايير وتبدلت المقاييس، فما كان ينظر إليه في الماضي على أنه محرك للتنمية، لم يعد كذلك. ففي الماضي كان أغنى الناس في العالم هم من يمتلكون المنتجات والأرض والنفط ورؤوس الأموال، أما الآن، فإن أغنى الأشخاص في العالم هم من يمتلكون النظم وأساليب العمل الصحيحة والتكنولوجيا، وهذا التحول في محركات التنمية الاقتصادية وخلق الثروات من البضائع والمنتجات إلى المعرفة، ترك آثارا في الاستراتيجيات الاقتصادية والتجارية في العالم أجمع». وعزا رئيس الوزراء الماليزي ذلك النمو الكبير إلى النفط الذي وصلت أسعاره خلال تلك الفترة إلى أعلى معدلاتها، وخدم كمحرك قوي للتنمية البشرية، إلا أن الأوضاع لم تستمر على ما كانت عليه بسبب انخفاض أسعار النفط ومجموعة من العوامل الأخرى التي ساهمت في خفض معدلات الإنتاج في المنطقة، ودفع بعدم إمكانية استمرار الاقتصادات العربية في الاعتماد على المنتجات والبضائع كمحرك للتنمية، مشيرا إلى أهمية إحداث تغييرات اقتصادية واجتماعية جذرية، حيث بات من الضروري الاهتمام بالبحث عن محركات جديدة للتنمية، وتفعيل دور المعرفة كمحرك أساسي للتنمية المنشودة.

وشدد بدوي على أهمية المعرفة بالقول إنها تعتبر أحد الأصول المهمة لتحقيق الرخاء السياسي والاقتصادي، وضرب مثالا بدول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، وقال إن أكثر من 50 في المائة من إجمالي العائد المحلي في أكبر تلك الدول يأتي أساسا من إنتاج وتصدير المعرفة، مؤكدا أن المعرفة والإبداع والتكنولوجيا أخذت مكانها في العالم اليوم كمحركات دفع رئيسية للتنمية البشرية والاقتصادية. وأضاف: «إن الدول التي اختارت الاستثمار في بناء الإنسان من خلال توفير التعليم الجيد والاهتمام بالتدريب وتوفير المنح الدراسية والاهتمام بالأبحاث والتطوير هي الدول صاحبة الحظ الأوفر في الاستفادة من التطورات الاقتصادية الحادثة في العالم». واشار بدوي الى تجربة دولة الامارات مذكرا بأنها الدولة الوحيدة المصنفة ضمن الدول الـ20 الأكثر قدرة على المنافسة، وجاء ترتيبها في المركز 16. وقال إن هذه حقيقة مذهلة في الوقت الذي تنتج فيه المنطقة ثلثي الإنتاج العالمي من النفط. واضاف قائلا: «بسبب امتلاك معظمها للعديد من الموارد الطبيعية، ركنت معظم الدول العربية إلى الاعتماد فقط على النفط أو السياحة كمصدر رئيسي للثروة، وصار التركيز الأكبر على بيع المنتجات النفطية والغاز الطبيعي، إلا أن ذلك النمط ربما لن يدوم طويلاً». وحذر من أن الدول العربية قد تواجه موقفا حرجا إذا استمرت في نهج تلك السياسة وطالب الدول العربية بالبحث عن ترتيبات بديلة من أجل تفادي التعقيدات الخطيرة التي قد تنعكس على اقتصادات الدول العربية حال نفاد الموارد الطبيعية التي تعتمد عليها دول المنطقة. وأعرب بدوي عن قناعته بأنه في ظل كل التحديات التي تواجه العملية التعليمية في المنطقة، فإنه سيكون من الصعب على دولها التحول إلى الاقتصاد المبني على المعرفة، إلا إذا توافرت الإرادة السياسية الملتزمة بتوفير الموارد اللازمة للارتقاء بنوعية التعليم في المنطقة والاهتمام بتخصيص الموارد والميزانيات لتطوير تكنولوجيا المعلومات بها.

وتطرق رئيس الوزراء الماليزي إلى قضية المرأة في العالم العربي، وقال إن المرأة، التي تمثل نحو نصف سكان دول المنطقة، لا تملك فرص الدخول إلى سوق العمل إما لأسباب قانونية أو لأسباب اجتماعية، متمثلة في عدم تقبل الرجل لعمل المرأة في هذا الجزء من العالم، وقال إنه على الرغم من أن المرأة باتت أكثر حظا في الحصول على الشهادات الجامعية، إلا أنها حتى الآن لا تملك نفس الحظ في الحصول على فرص عمل جيدة.

وقال بدوي انه على الرغم مما يبدو عليه الموقف من قتامة فان هناك دائما مخرجا وخلاصا. وأكد أن على كل دولة أن تحاول الوصول إلى الصيغة التي تلائم ظروفها من أجل إحداث التغيير المرجو والخروج من دائرة تراجع الأداء الاقتصادي إلى آفاق جديدة من الإنجاز. ورأت الجلسة الاولى من فعاليات اليوم الثالث للمنتدى الاستراتيجي العربي التي بحثت موضوع التنمية البشرية والنظم التعليمية، ان المطالب بتطوير العملية التعليمية مرتبطة بشكل أساسي بوجود نظم سياسية محفزة للعملية التعليمة ومؤمنة بأهمية التعليم في تعزيز التنمية الاقتصادية، وطالب المشاركون في فعاليات الجلسة بضرورة تطوير النظم التعليمية والاهتمام بالعقول العربية.

وشارك في الجلسة الدكتور خالد طوقان وزير التربية والتعليم في الاردن، والدكتورة لورا تيسون عميدة كلية لندن للأعمال في بريطانيا، والدكتورة ريما خلف هنيدي مساعدة الأمين العام لمنظمة الأمم المتحدة، رئيس فريق خبراء تقرير التنمية الإنسانية العربية. وأبدى طوقان تفاؤلاً بمستقبل العملية التعليمية في المنطقة العربية بشكل عام، قائلاً إن هناك جهودا كبيرة تبذل لتطوير التعليم وأن نتائج هذه الجهود ستظهر بشكل جلي خلال السنوات القليلة القادمة. كما أكد أن الاستثمار في العقول هو الاستثمار الاكثر ربحية، حيث أن تطوير مؤهلات وخبرات الكوادر البشرية ينعكس بشكل إيجابي على العملية الاقتصادية ويوفر طاقات بشرية قادرة على تحفيز النشاط الاقتصادي.

واستعرض طوقان التجربة الأردنية في مجال تطوير النظم التعليمية، حيث خصص الأردن ميزانية ضخمة تتجاوز المليار دولار خلال السنوات القليلة المقبلة لبناء نظام تعليمي متكامل، وتحسين فعالية وحيوية النظم التعليمية، من خلال الاستفادة من الثورة التكنولوجية في العالم. وفي هذا المجال اشار الى قيام الأردن بتوفير أكثر من 90 ألف جهاز كومبيوتر وزعت على المدارس، كما تم اعتماد برامج تدريبية لتأهيل المدرسين وفق أرقى المعايير العالمية، وتم تحسين البيئة التعليمية ضمن المدارس وتجهيزها بكافة الوسائل المساعدة.

من جانبها قالت الدكتورة ريما خلف إنه لتكون عمليات البحث والتطوير مجدية فلا بد من وجود نظام اقتصادي محفز لها، ووجود سلطة سياسية مؤمنة بأهمية التعليم، بالإضافة إلى نشر مفهوم الشفافية والمحاسبة والمشاركة الشعبية. واوضحت «لا يتوقف مفهوم المعرفة عند العلوم والاكتشافات العلمية، وإنما يتجاوز ذلك ليشمل الفكر والادب والفن وكافة المجالات الأخرى، وللأسف فإن المنطقة العربية ما تزال مقصرة جداً في إنتاج المعرفة وفي مختلف المجالات. ففي مجال المطبوعات العلمية فإن المنطقة العربية لا تنتج سوى جزء بسيط من الانتاج العالمي، وفي مجال الأبحاث والتطوير فإن ما تنفقه المنطقة لا يتجاوز ثلث ما تنفقه دولة واحدة مثل كوبا».

وتطرقت الخبيرة العربية، المعروفة بقضايا التنمية، الى التحديات التي تواجه المنطقة في هذا المجال وهي نقص المراكز التعليمية ونقص التمويل ونقص الموارد البشرية. منوهة بأن 95 في المائة من الخريجين يهاجرون إلى الخارج، ومع أن هذه النسبة بدأت تتناقص إلا أن السبب ليس تطوير بيئة العمل في المنطقة وإنما القيود التي باتت الدولة الغربية تفرضها على المهاجرين من العالم العربي.

بدورها ركزت الدكتورة لورا تيسون على آثار العملية التعليمية في الأداء الاقتصادي، حيث بينت أن ثورة تكنولوجيا المعلومات كان لها تأثير كبير في زيادة الانتاجية، ليس فقط من خلال تطوير الآلات والمعدات، وإنما أيضاً وبصفة أساسية، من خلال تطوير خبرات ومؤهلات القوى البشرية التي تستطيع التعامل مع هذه الآلات وتستطيع تطويرها باستمرار بما يتناسب مع متطلبات العملية الإنتاجية. وأكدت تيسون على أهمية الاستثمار في مؤسسات التعليم العالي بشكل خاص، والتركيز على التخصص مع مراعاة تطوير المهارات المكملة لهذا التخصص.

، مثل مهارات التواصل والعمل ضمن الفريق والعلاقات العامة والقدرة على الابتكار. وقالت :«يمتاز عالم اليوم بانفتاحه على مختلف الاتجاهات، فقد بات يمثل قرية صغيرة واحدة. ومن هنا فإن نجاح المنطقة في بناء مؤسسات تعليمية متطورة، تساعد الشباب على التزود بالمعرفة والخبرة، سيلعب دوراً حاسماً في تمكين هؤلاء الشباب من التواصل مع العالم والتفاعل معه بشكل أكبر».