ترحيب بالاتفاق الأوروبي ـ التركي كجسر بين أوروبا والعالم الأسلامي

أردوغان يستقبل بالترحاب في اسطنبول بعد قمة بروكسل

TT

أسطنبول ـ بروكسل ـ الوكالات: احتشد آلاف من أنصار حزب العدالة والتنمية التركى (الحاكم) ليل الجمعة ـ السبت في مطار اسطنبول لاستقبال رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان لدى عودته من القمة الأوروبية التي عقدت في بروكسل.

وذكر مصور وكالة الصحافة الفرنسية، ان المستقبلين، الذين رفعوا أعلاما تركية وأعلام الاتحاد الأوروبي وأعلام حزب العدالة والتنمية، كتبوا على يافطات «أهلا وسهلا برئيس وزرائنا فاتح الاتحاد الأوروبي»، و«النجمة الجديدة للاتحاد الأوروبي»، و«لا اتحاد أوروبيا من دون تركيا».

وأكد أردوغان لدى وصوله أن «تركيا جسدت في بروكسل جهودها المستمرة منذ 41 عاما«، ملمحا بذلك الى الترشيح الأول الذي قدمته تركيا للانضمام الى الاتحاد الأوروبي في 1963.

وأضاف «سنستفيد من الفترة الممتدة حتى الثالث من أكتوبر (تشرين الأول) المقبل، لمتابعة الإصلاحات».

وكان قادة البلدان الأعضاء في الاتحاد الأوروبي قرروا بدء مفاوضات الانضمام مع تركيا في الثالث من أكتوبر من عام 2005، لكنهم وضعوا بضعة شروط منها الاعتراف المسبق بالجمهورية القبرصية. وتركيا هي البلد الوحيد الذي لا يعترف بالجمهورية القبرصية، العضو في الاتحاد الاوروبي، والتي تحكمها ادارة قبرصية يونانية. وتطالب أنقرة بتسوية النزاع الذي أدى في عام 1974 الى تقسيم الجزيرة الى كيانين، قبرصي يوناني وقبرصي تركي، قبل أي تقدم دبلوماسي. وبسبب ذلك واجهت تركيا بعض الحقائق الخطيرة خلال محاولات الانضمام هذه، مفادها أنها لن تستطيع الانضمام الى الاتحاد قبل عشر سنوات على الأقل، بل وربما لا تنضم اليه على الاطلاق، إذ ان محادثات الانضمام بدأت بعد ساعات من المفاوضات المحمومة حيث بدا أنهم قد لا يستطيعون تجاوز الخلافات بشأن عدم اعتراف أنقرة بحكومة قبرص اليونانية القبرصية التي تتمتع بعضوية الاتحاد الأوروبي. وتعقيبا على حدة الموضوع، قال رئيس الوزراء الهولندي يان بيتر بالكننده الذي ترأس القمة، للصحافيين: «كنا ندون التاريخ اليوم». أما رئيس الوزراء التركى الطيب أردوغان فلم يجد بدا من مواجهة الضغوط، حيث هدد في مرحلة من المراحل بالانسحاب بسبب مطالبته بالاعتراف بالحكومة القبرصية اليونانية.

وبسبب أنباء الاتفاق حققت الأسهم التركية ارتفاعا قياسيا، مؤكدة بذلك آمال أنقرة في أن تشجع محادثات الانضمام الاستثمار الأجنبي في البلد المترامي الأطراف الذي يغلب عليه الطابع الزراعي والذي يمثل حلقة الوصل بين أوروبا والشرق الأوسط.

ومتى تنتهي الفرحة الأولى بشأن الاتفاق ستواجه تركيا سنوات من الإصلاحات السياسية والاقتصادية والقضائية والتشريعية المؤلمة حتى تتفق البلاد مع معايير الاتحاد الأوروبي.

وأعلنت دولتان من دول الاتحاد الأوروبي هما فرنسا والنمسا أنهما ستجريان استفتاءات حول ما اذا كان يجب أن تنضم تركيا الى الاتحاد. وحيث ان هناك حاجة الى الموافقة بالإجماع فإنه حتى اذا طبقت تركيا جميع الإصلاحات التي يطلبها الاتحاد الأوروبي فإن أيا من الدولتين تستطيع أن تنسف مسعاها للانضمام في اللحظة الأخيرة.

ويرد اردوغان انه يتطلع الى مستقبل أفضل من أجل تركيا، قائلا ان البلاد قامت «بثورة صامتة» بوفائها بمطالب الاتحاد الأوروبي بإجراء اصلاحات سياسية واقتصادية، قبل ان يضيف «فعلنا هذا لاننا كأمة تركية نستحق هذه القيم الحديثة. لكن هذه مجرد نقطة الببداية. المستقبل سيكون أكثر صعوبة ومليئا بالعقبات».

وما يؤكد المشاق التى ستواجه تركيا مستقبلا كما يتوقعها السياسيون الاتراك أنفسهم، يرى الرئيس الفرنسى جاك شيراك انه ملتزم شخصيا من اجل فتح أبواب الاتحاد الأوروبي أمام تركيا، لكنه أكد ان الطريق الى هذا «الزواج» سيكون «شاقا وطويلا»، وذلك مراعاة للرأي العام الفرنسي الذي تعارض أغلبيته هذا الانضمام.

ودعم شيراك في المجلس الأوروبي، الذي انعقد في بروكسل بقوة ـ باسم رؤياه على المدى البعيد للبناء الاوروبي ـ فتح مفاوضات حول انضمام تركيا الى الاتحاد. وقال في مؤتمر صحافي في ختام القمة الأوروبية الجمعة «ان من مصلحة أوروبا بشكل عام ومصلحة فرنسا بشكل خاص، ان نباشر في هذه المفاوضات، مع العلم بأن التفاوض لا يعني الانضمام».

وأعرب مجددا عن «قناعته» بأن ضم تركيا إلى المجموعة الكبيرة هو «فضل وسيلة لإرساء الاستقرار والسلم، وتعزيز حقوق الانسان والديمقراطية». وأكد شيراك انه متيقن من ان الاتحاد الأوروبي وتركيا سيعقدان «زواجهما» إثر مفاوضات الانضمام التي يتوقع ان تستغرق بين 10 الى 15 سنة. ولاثبات التزامه إزاء تركيا أبدى الرئيس الفرنسي حرصا على التوصل الى تسوية حول قضية اعتراف أنقرة بقبرص التي عرقلت التوقيع على الاتفاق النهائي لعدة ساعات الجمعة.

وأدى به هذا الموقف في كواليس القمة الى تلقي تهاني العديد من القادة الأوروبيين، الذين اشادوا «بقراره الشجاع جدا»، بينما يعارض ثلث الفرنسيين انضمام تركيا الى الاتحاد حسبما تفيد الاستطلاعات وفي حين تثير هذه المسألة معارضة شديدة بالخصوص في صفوف حزبه الاتحاد من أجل حركة شعبية.

لكن شيراك، في سعيه إلى تفادي هذه المعارضة التي قد تدعم معسكر الرفض في الاستفتاء حول توقيع الدستور الاوروبي المتوقع في 2005، أكد ان «الطريق سيكون شاقا وطويلا حتى تتمكن تركيا من استيفاء كافة الشروط للانضمام الى اوروبا»، الا انه رفض مجددا فكرة اقامة شراكة مميزة التي يدافع عنها اليمين الفرنسي، مشيرا الى ان تركيا بذلت «جهودا جبارة» للاقتراب من اوروبا، وانه لا يعقل ان يطرح عليها شيء آخر عدا الانضمام.

وكان الأهم بالنسبة لباريس ان تحصل على موافقة شركائها على ادراج مسألة قيام «علاقة قوية» مع تركيا بشكل واضح في البيان الختامي في حال لم تتمكن انقرة من الانضمام بعد سنوات طويلة من التفاوض.

وفي هذه النقطة حصلت فرنسا على مبتغاها حيث تطرق الاعضاء الـ25 في الاتحاد الى «تجذر قوي لتركيا في الاتحاد الاوروبي» من خلال أقوى علاقة ممكنة في حال فشلت المفاوضات.

وشرح الرئيس الفرنسي بشكل مطول ان مسيرة تركيا نحو الانضمام ستكون تحت مراقبة مشددة، وأن المفاوضات قد تتوقف في أي وقت لا سيما في حال حصل انتهاك لحقوق الانسان. وأعلن انه سيتم اطلاع البرلمان الفرنسي «باستمرار وعلى كل التفاصيل» بسير المفاوضات المقبلة، وجدد القول ان في آخر المطاف سيتمكن الفرنسيون من قول «الكلمة الأخيرة» من خلال استفتاء سيجرى في نهاية المفاوضات. وفي ما يخص قضية اعتراف تركيا بعملية الابادة التي تعرض لها الارمن، حذر شيراك ايضا من انه سيكون للفرنسيين الحق في معارضة انضمام تركيا الى الاتحاد، اذا لم تعمد انقرة الى «مراجعة الذاكرة».

ومن جانبها عبرت الولايات المتحدة الأميركية على لسان وزير الخارجية كولن باول، عن ترحيبها بهذه الخطوة، عاكسة الرؤية الرسمية تجاه هذا البلد، وقال باول إن تركيا عضو في حلف شمال الاطلسي وحليف أساسي، «ستكون تركيا التي تتمتع بدعم قوي في أوروبا وتشترك في القيم الأوروبية، قوة ايجابية من أجل الرخاء والديمقراطية». وقبل ذلك رحبت بريطانيا بشدة بهذا القرار، واعتبر رئيس الوزراء تونى بلير خلال القمة ان ما تحقق سيدحض أقوال الذين يعتقدون بعدم تعايش الحضارتين الغربية والاسلامية.