برنامج الأمم المتحدة يتخلى عن تقرير التنمية البشرية العربي الثالث وينفي مطالبة حكومات بإلغاء فقرات

قال إن المناخ السياسي السائد في المنطقة يصعّب الوصول إلى أرضية مشتركة في موضوع الإصلاح

TT

نفى برنامج الأمم المتحدة الإنمائي أن تكون أية حكومة قد طالبت بإلغاء أية فقرة من التقرير السنوي الثالث حول التنمية البشرية في العالم العربي، رغم الإشارة الى أن «بعض الحكومات أثارت، في أوقات مختلفة، ما يقلقها من مضمون التقرير المقبل». لكن البرنامج الإنمائي عاد وأكد «ألا محادثات رسمية حصلت حول محتوى التقرير».

وشدد البرنامج في بيان له على أن التقارير الصحافية التي تحدثت عن تهديد واشنطن بقطع مساهماتها المالية المستقبلية للبرنامج «غير دقيقة». وشدد البيان على أن «تقارير التنمية البشرية في العالم العربي هي نتاج فريق تحريري مستقل يضم مثقفين وصانعي قرار سياسي وأصحاب مهن من العرب»، وهي لا تعكس «سياسة الأمم المتحدة أو البرنامج الإنمائي التابع للمنظمة الدولية». وشدد البرنامج الإنمائي في بيانه على أن «أي تقرير يصدر باسم البرنامج الإنمائي للأمم المتحدة ينبغي أن يرقى الى المستويات العالية للموضوعية المتوقعة من أية وكالة تابعة للأمم المتحدة». وكان البرنامج الإنمائي قد قرر ألا يصدر باسمه تقريره السنوي المتوقع نشره في أواخر شهر يناير (كانون الثاني) المقبل. ويأتي هذا الموقف نتيجة للضغوط الأميركية المتزايدة على برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، حسبما أكده نادر فرجاني، المحرر الرئيسي للتقرير بعنوان «نحو تعزيز الحرية في العالم العربي»، بسبب ما يتضمنه التقرير من إدانة شديدة اللهجة للممارسات الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية المحتلة وانتقاد للاحتلال الأميركي للعراق وانعكاساته على مستوى الحريات في العالم العربي. وكان الرئيس جورج بوش وإدارته قد استخدموا التقرير حول التنمية البشرية في العالم العربي الصادر في عام 2002 لدعم المشروع الأميركي لـ«الشرق الأوسط الكبير». ورغم نفي الإدارة الأميركية بأنها مارست ضغوطاً على البرنامج الإنمائي للأمم المتحدة لتعديل بعض ما جاء في تقرير عام 2004 أو أنها تنوي تقليص مساهماتها للبرنامج في حال تم نشر التقرير من دون تعديل، إلا أن بعض المحللين يرون أن هذا الجدل يشير الى حساسية الإدارة الأميركية المتزايدة مع اقتراب موعد الانتخابات في العراق.

وفي ما تبدو محاولة لاحتواء الجدل الذي يثيره التقرير، أعلن برنامج الأمم المتحدة الإنمائي أنه «يبحث منذ فترة في إمكانية المساعدة على تأسيس مركز جديد مستقل في الشرق الأوسط لتولي «تقرير سنوي مستقل عن التنمية البشرية في العالم العربي في المرحلة المقبلة».

وترى مصادر دبلوماسية عربية أن «الإشكالية الرئيسية في الموضوع تكمن في أن برنامج الأمم المتحدة تخلى عن رعايته لإصدار هذا التقرير بسبب ما جاء فيه من تركيز على المشاكل التي تواجهها المنطقة نتيجة للاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية والاحتلال الأميركي للعراق». وتابعت المصادر بالقول انه «لو تم انتقاد الممارسات العربية أعنف انتقاد ما كان البرنامج الإنمائي ليسقط رعايته للتقرير». وكان التقرير الأول الصادر عن برنامج الأمم المتحدة الإنمائي عام 2002 قد ركز على «النواقص الثلاثة الرئيسية في العالم العربي والمتعلقة بالمعرفة والحريات والحكم الرشيد وتمكين المرأة، فيما ركز التقرير الثاني الصادر عام 2003 على بناء مجتمع مثقف في المنطقة من خلال تعزيز مستوى المعرفة». وجاء في البيان الذي أصدره برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، والذي يتخذ نيويورك مقراً له، أن «المناخ السياسي السائد في المنطقة يصعّب مهمتنا الرئيسية وهي الوصول الى أرضية مشتركة في موضوع الإصلاح.». وقالت مسؤولة في البرنامج الإنمائي لـ«الشرق الأوسط» انه سيتم «توفير تفاصيل اضافية حول كيفية نشر التقرير بعد اجتماعات للجنة الاستشارية التي ستُعقد في بيروت الأسبوع المقبل»، مشيرة الى أنه لا يمكن الحديث عما سيتم اتخاذه من قرارت تتعلق بنشر التقرير قبل انتهاء هذه الاجتماعات.

لكن البعض يرى أن الانقسام العلني بين فرجاني، المسؤول الأول عن التقرير، والبرنامج الإنمائي يضع المدير التنفيذي للبرنامج، البريطاني مارك مالوك براون، أمام خيار صعب: إما القبول بالمطالب الأميركية المزعومة بإلغاء بعض الفقرات في التقرير أو الحفاظ على نزاهته من خلال نشره كما هو وتحت رعاية برنامج الأمم المتحدة الإنمائي. وفي القاهرة قال نور فرحات، أستاذ القانون بجامعة الزقازيق (الدلتا) وعضو الفريق المركزي المسؤول عن إعداد التقرير الثالث، إن «هيئة مستشاري تقرير التنمية البشرية وهي تضم 25 الى 30 شخصا من بين ابرز المثقفين العرب ستجتمع في بيروت الأحد المقبل لبحث ترتيبات نشر التقرير بعد أن توصلنا الى توافق على ضرورة نشره منسوبا للكتاب والمثقفين الذين أعدوه».

وقال فرحات الذي اشرف على الجانب القانوني المتعلق بالحريات العامة في التقرير الذي يحمل عنوان «نحو تعزيز الحرية في العالم العربي» أن «الولايات المتحدة اعترضت على ما ورد به من إدانة شديدة اللهجة للممارسات العنصرية التي تقوم بها سلطات الاحتلال الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية المحتلة ولانعكاسات الاحتلال العسكري الأميركي للعراق على الحريات في العالم العربي».

واعتبر عدد من معدي التقرير أن الاعتراضات الأميركية على تقرير يتحدث عن الحريات في العالم العربي تكشف ان الولايات المتحدة غير جادة في دعوتها للديمقراطية ومن شأنها أن تساعد الحكومات العربية على «إسكات الأصوات المستقلة المطالبة بالإصلاح».

وقال مصطفى كامل السيد أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة الذي شارك في إعداد الجزء الخاص بالحريات السياسية في مصر، إن «الحكومة المصرية قادت الاعتراض على التقرير لكن دولا عربية أخرى خاصة في الخليج أبدت اعتراضات أيضا».