ضحايا انتهاكات حقوق الإنسان في المغرب يتحدثون عن تفاصيل مثيرة عن جحيم معتقل «تازمامارات» السري

معتقل يساري سابق يمارس نقدا ذاتيا وينصف الملك الراحل الحسن الثاني

TT

تواصلت الليلة قبل الماضية، جلسات الاستماع لضحايا ماضي الانتهاكات الجسيمة لحقوق الانسان في المغرب. وتطرق المتحدثون لاحداث تعود الى 1956، ومحنة حزب الشورى والاستقلال واحداث فترة الستينات والسبعينات والثمانينات، ذات الصلة بالتيارين الماركسي والاسلامي وتداعيات محاكمة الانقلابين، والرعب الذي عاشوه بالمعتقل السري «تازمامارات». وقال احمد حرزني احد قياديي اليسار الاشتراكي الموحد (معارضة)، الذي قضى 15 عاما بالسجن، انه ليس ضحية، ولكنه مناضل يعارض كل جميع اشكال الظلم والاستغلال والاستكبار وكل اشكال المسكنة. وتذكر حرزني طفولته برفقة اخيه عبد الله، وقال انه اشترى صورة للعاهل الراحل الملك محمد الخامس، فكان ذلك اول عمل سياسي يقوم به. ويروي حرزني كيف تحول الى معارض، حينما اشار الى ان استقلال المغرب لم يحقق المكاسب المرجوة، وهي: الحق في التعليم والعدالة الاجتماعية.

واشار حرزني الى ان الراحل عبد الرحيم بوعبيد الامين العام الاسبق لحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، اعتقد بعد اطلاعه بصفته محاميا، على صك الاتهام، ان ما يتابع به مجرد جنحة لا تستحق اكثر من ثلاثة اشهر، فاذا به يحاكم بالسجن مدة 15 عاما. وحدد حرزني ثلاث مؤاخذات على الدولة، اولها، انها تمارس القمع ضد معارضيها بطرق عنيفة غير متكافئة، ثانيها تتمثل في أن قضاءها غير مستقل وتابع للتعليمات، ثالثا التعرض لعائلات واقارب وجيران وعشائر الضحايا الذين لا ذنب لهم.

بيد ان حرزني اعترف انه لم يكن ملاكا، ويعتقد ان ثقافته لم تكن ديمقراطية «لم اكن استثني العنف كوسيلة لتحقيق ما كنت اعتقد انه الفكر الصحيح».

وترحم حرزني على العاهل الراحل الملك الحسن الثاني الذي لعب دورا مهما «في اقرار حد ادنى من الحريات العامة، حرية الاجتماع والتنظيم والتعبير، وفي كثير من الاحيان على حد ادنى من الشكليات القانونية، وما انجز في ميادين الوحدة الترابية والسياسة الخارجية والبناء الاقتصادي»، كما ترحم على الزعيم اليساري المهدي بن بركة، وعمر دهكون، ومحمد بنونة، وجبيهة رحال، وابراهيم التزنيني، وزوال وسعيدة المنبهي، ومصطفى الوالي (هذا الاخير كان قد اسس جبهة تحرير الصحراء من الاستعمار الاسباني قبل ان ان تحتضنها ليبيا والجزائر، وقتل في موريتانيا من طرف رفاقه). ودعا حرزني بالعمر المديد والتوفيق للعاهل المغربي الملك محمد السادس الذي وصفه بـ«الفتى النبيل، المقدام، غير المستكبر، الذي لولا طبعه الديمقراطي وعزمه على اخراج البلاد من دائرة الخطر لما كنا لنجتمع اليوم للتصالح».

وبكى صالح سعد الله، بحرقة شديدة وهو يروي صنوف التعذيب التي مورست عليه اثناء فترة اعتقاله برفقة اطر حزب الاتحاد الوطني للقوات الشعبية الذي خرج من معطفه والاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية بعد احداث 16 يوليو (تموز) 1963 واخطرها اعتقالات عام 1973 . واكد سعد الله، ان سبب اعتقاله يعود فقط الى نشاطه السياسي والنقابي، وليس لسبب آخر ادعى رجال الامن بكونه كان يحضر لقلب نظام الحكم.

واوضح سعد الله، ظروف اعتقاله «عندما وصلنا الى معتقل درب مولاي علي الشريف، وضعوا الاصفاد في يدي، وشرعوا في تعذيبي بواسطة آلة تسمى «النحيلة»، يكوون بها فمي واذني في محاولة لانتزاع الاعترافات، وعلقوني بواسطة حبل، وعذبوني بالصدمات الكهربائية والماء لفترة شهر الى ان أغمي علي، كما انهم اجبروني على الجلوس فوق القارورة». وقضى سعد الله 11 شهرا في مركز الاحتجاز السري «الكوربيس» فى الدار البيضاء لينقل الى السجن المدني «غبيلة» ثم سجن «عين برجة» بالمدينة ذاتها فسجن «لعلو» بالرباط.

وقالت ماريا الزويني 49 سنة، التي اعتقلت عام 1977 اثر نشاطها السياسي في اطار التيار الماركسي، انها تهدف من خلال شهادتها وضع النقاط على ما اسمته «فراغات التاريخ» لكون النساء، حسب قولها، تقاسمن حصة التعذيب مع الرجال. واوضحت الزويني، ان مجموعة من الطلبة بمدينة مراكش قرروا استرجاع منظمتهم الطلابية «الاتحاد الوطني لطلبة المغرب» فخاضوا اضرابات مسترسلة ادت الى اعتقال مجموعة منهم، وكانت شاهدة على اعتقال 6 طالبات تتراوح اعمارهن ما بين 18 و22 سنة، منهن لطيفة اجبابدي (عضو المجلس الاستشاري لحقوق الانسان) وفاطمة البيه وخديجة البوخاري». وروت اصنافا مختلفة من قصص التعذيب في مراكز الاحتجاز السري «درب مولاي الشريف» حيث تعرضن للتهديد بالاغتصاب والتحرش الجنسي، «بل لم يكن حراس السجن ينادون علينا باسمائنا، اذ لقبونا باسماء رجالية، فأنا كنت احمل لقب عبد المنعم ولطيفة كانت تسمى سعيد».

وقالت الزويني، ان المحاكمة شابتها خروقات ادت بها الى خوض اضراب برفقة معتقلات اخريات، تسبب في وفاة سعيدة المنبهي. وكشف مصطفى العمراني ظروف اعتقاله وشتى انواع التعذيب التي تعرض لها بعدما تم اختطافه في بداية الاستقلال عام 1956 بمدينة طنجة (شمال المغرب) ونقله الى «جنان بريشة» بتطوان، واستغرب ان يكون جزاء المكافحين من اجل تحرير البلاد من الاستعمار، ان يصبحوا اول ضحايا الاستقلال، اذ كان منخرطا في حزب الشورى والاستقلال.

ووصف العمراني، بشكل مستفيض أنواع التعذيب الذي تعرض لها وباقي المعتقلين، وتندرج الفترة التي اعتقل فيها العمراني في اطار الصراع القوي الذي نشب بين حزب الاستقلال وحزب الشورى والاستقلال.

وقال عبد الله اعقاو، ضابط صف سابق في صفوف القوات الملكية الجوية، انه حكم بثلاث سنوات سجنا من طرف المحكمة العسكرية بالقنيطرة إثر المحاولة الانقلابية التي وقعت عام 1972 لا لشيء الا «لانني نفذت اوامر عسكرية». وذكر اعقاو انه اختطف ومجموعة من زملائه من القنيطرة الى المعتقل السري «تازمامارات» الذي قضى به 18 سنة واصفا مركز الاحتجاز السري بأنه «عبارة عن قبور او مغارات شديدة الظلام لا تدخلها الشمس اطلاقا وتحتوي على اسرة اسمنتية مفروشة باغطية تفوح منها روائح كريهة لا تحتمل».

وروى اعقاو، في شهادته، مأساة العديد من رفاقه الذين ماتوا جراء سوء المعاملة وسوء التغذية، «بل لم يعد حراس السجن يحتملون الدخول الى داخل المعتقل لتنامي الروائح النتنة جراء الامراض المعدية، فنحن استعملنا مبيد الحشرات لتضميد الجراح».