المخابرات الفرنسية لعبت الدور الرئيسي وجندت 100 عنصر لإطلاق الصحافيين المخطوفين

مناطق ظل لم تتبدد في عملية تحرير الرهينتين مالبرونو وشينو

TT

بدأت تتكشف بعض خيوط المسلسل الذي قاد مساء الثلاثاء الماضي الى تحرير الرهينتين الصحافيين الفرنسيين جورج مالبرونو وكريستيان بعد 124 يوما من الاحتجاز في منطقة غير مأهولة واقعة غرب العاصمة العراقية بغداد. وكشفت وزيرة الدفاع الفرنسية ميشال اليو ماري أمس أن متابعة ملف الرهينتين استدعى تعبئة حوالي 100 عنصر بشكل دائم من أجهزة المخابرات الفرنسية التي كانت لها اليد الطولى في إقامة الاتصالات ومتابعتها بشكل غير مباشر مع الخاطفين.

وبحسب الوزيرة الفرنسية، فإن فرنسا أقامت خلية عاملة في بغداد من خمسة عشر شخصا. وفيما كان السفير الفرنسي في بغداد برنار باجوليه يتولى الإتصالات الرسمية، تولت خلية المخابرات الاتصالات البعيدة عن الأضواء مع كل الوسطاء. وتدل إشادة الرئيس الفرنسي جاك شيراك العلنية والرسمية بالدور الذي لعبته الإدارة العامة للأمن الخارجي، وهو أحد أجهزة المخابرات الفرنسية المخولة وحدها التحرك خارج الأراضي الفرنسية فقط، على أن هذا الجهاز أشرف على مجمل العملية، وذلك بموازاة الجهود الدبلوماسية الرسمية.

وبحسب معلومات وزارة الدفاع التي نقلها أمس الناطق باسمها جان فرنسوا بيرو، فإن جهاز الإدارة العامة للأمن الخارجي عبأ خمسة عشر مركزا خارجيا له للعمل على متابعة ملف الرهينتين وتحليل الاتصالات والوساطات التي زادت على ألف اتصال في الأشهر الأربعة لفرز ما هو جدي عما هو مصطنع أو انتهازي.

وقال وزير الخارجية ميشال بارنيه أمس إن تحرير الرهينتين «تم في أجواء متوترة وبوجود رجال مسلحين من الطرفين (أي من الخاطفين ومن المخابرات الفرنسية)، وذلك بعد أن بدأ وسيط بإقامة الاتصال في الأسبوعين أو الأسابيع الثلاثة الأخيرة». غير أن الوزير الفرنسي امتنع عن كشف مزيد من المعلومات عن هوية الوسيط. وقال جورج مالبرونو إنه اقتيد الى مكان الإطلاق، وهو ملفوف بغطاء ومرمي داخل صندوق سيارة مرسيدس.

وأفادت مصادر دفاعية واستخبارية فرنسية أن الجهات الفرنسية المعنية اعتقدت في العديد من المرات بأن الإفراج عن الرهينتين أمر محقق، وقامت بإرسال طائرة حكومية الى عمان مرات عديدة للعودة بالرهينتين «أكثر من عشر مرات»، لكن في كل مرة كان يتبين أن الوسيط ليس الشخص المناسب. ونشرت صحيفة «لو فيغارو» التي كان جورج مالبرونو يعمل مراسلا لها نقلا عن مصدر في الإدارة العامة للأمن الخارجي أن هذا الجهاز استطاع في الفترة الأخيرة أن يصل الى وسيط «أكثر فاعلية من الوسطاء الآخرين»، وأن هذا الأخير الذي كان يتحدث باسم الجانب الفرنسي كان يعود من كل اتصال له مع الجيش الإسلامي في العراق حاملا دليلا ماديا يثبت صدق اتصالاته.

وأفادت هذه المصادر أن الخاطفين حددوا الثلاثاء الماضي موعدا أول. غير أنهم لم يأتوا إليه ثم حدد موعد آخر «في منطقة خطرة» غرب بغداد وقريبا من مطارها الدولي. ويشدد الجانب الفرنسي على ان عملية استعادة الرهائن كانت «محض فرنسية»، كما وصفتها اليو ماري التي يعود إليها الإشراف على الإدارة العامة للأمن الخارجي بصفتها وزيرة للدفاع.

وبحسب المصادر الدفاعية، فإن «القناعة: التي تكونت لدى الأجهزة الفرنسية التي لم تنجح إطلاقا بإقامة اتصالات مباشرة مع الخاطفين هو أنه كان أسهل لهؤلاء الاحتفاظ بالرهائن من إطلاق سراحهم بسبب ما يترتب على عملية الإطلاق من مخاطر تتناول أمنهم الشخصي».

وأفاد مالبرونو أن الخاطفين كانوا يغيرون مكان احتجازه مع زميله بشكل منتظم. وقال: «لم نكن محتجزين في الفلوجة، ولكن في الطيفية وقريبا من أبو غريب، في ضاحية بغداد ثم نقلونا الى الشمال ثم أعدنا الى مكاننا الأول». وأكد الصحافي الفرنسي أن الخاطفين لم يعاملوه وزميله معاملة فظة وأنهما استفادا من كونهما فرنسيين لنفي تهمة التعامل مع الأميركيين، وكذلك استفادا من توجهات السياسة الفرنسية التي عارضت الحرب على العراق لتخفيف الضغوط عليهما.

و قالت أليو ــ ماري إن السلطات الفرنسية «لم تلاق اية صعوبة من جانب الأميركيين» علما أن نقل الرهائن من مكان اطلاقهم الى «مكان أمن» حيث أمضوا ليلة الثلاثاء الأربعاء ثم الى مطار بغداد لإخراجهم من العراق استدعى أن تكون القوات الأميركية على اطلاع على تحرك الفرنسيين. و في هذا الخصوص، قال جان فرنسوا بيرو، الناطق باسم وزارة الدفاع أن الجانب الفرنسي اكتفى بإبلاغ السلطات العراقية و الأميركية ب «مخطط الطيران» لطائرة هيركوليس العسكرية الفرنسية التي تولت نقل الصحافيين من بغداد الى جزيرة قبرص.

و لم تجب تصريحات المسؤولين الفرنسيين بشكل مقنع عن التساؤل الرئيسي حول أسباب الإبقاء على الصحافيين رهينتين طيلة 124 يوما ثم إطلاق سراحهما يوم الثلاثاء الماضي. و أمس اكد وزير الخارجية و وزيرة الدفاع أن فرنسا لم تدفع أية فدية مالية و لم تلتزم بأية شروط مقابل الإفراج عن الصحافيين. بل إنها اكتفت بالقول إن سياسة فرنسا في العراق، وفق تعبير رئيس الوزراء جان بيار رافاران «ساهمت في إطلاق الرهينتين«. و يتساءل المراقبون في باريس عن مصداقية ما جاء في بيان الجيش الإسلامي في العراق من أنه أطلق الصحافيين بعد أن تأكد من أنهما لا يتعاونان مع الأميركيين فهل يحتاج الخاطفون لأربعة أشهر للتأكد من هذا الأمر؟

و مع عودة مالبرونو و شينو الى باريس، ثارجدل قوي بين الحكومة و وزير الخارجية تحديدا و بين النائب ديديه جوليا المنتمي الى حزب الأكثرية اليميني الذي سعى أواخر سبتمبر/ ايلول الماضي مع معاونين له الى إطلاق الرهينتين بالإعتماد على علاقات قديمة له مع مسؤولين بعثيين سابقين. و في أول تصريح لهما الى الصحافة، وصف مالبرونو النائب ديديه بأنه «كاذب» ما دفع هذا الأخير الى توجيه التهمة الى الوزير بارنيه الذي وصفه بأنه «فاشل«. و أفاد بارنيه أمس أنه «لم يسهل مهمة جوليا» الذي حصل على جواز سفر و تأشيرة قانونية للسفر الى سورية. لكنه كان يود «امتحان» صدق ادعاءاته في قدرته على تحرير الصحافيين.

و في أي حال، فقد وعد الناطق باسم الحكومة أمس باعتماد «الشفافية» في التعامل مع عملية الإفراج عن الرهينتين ما يعني أن هذه المسألة مرشحة لتطورات لاحقة.