مؤرخ عسكري أميركي: مصاعب واشنطن في العراق ترجع إلى خوض الحرب من دون خطة رسمية

وصف في بحث أداء القوات الأميركية بأنه «دون المتوسط»

TT

غزت الولايات المتحدة العراق بدون توفر خطة رسمية للاحتلال وتحقيق الاستقرار فيه، وهذا المستوى العالي من الفشل يستمر في تقليص الجهود المتواضعة التي يقوم بها الجيش الأميركي هناك، حسبما استنتج مؤرخ واستراتيجي عسكري أميركي.

وكتب الميجور اشعيا ويلسون الذي يعمل بصفته مؤرخا رسميا للحملة العسكرية في العراق ومخططا حربيا لها «لم تكن هناك مرحلة رابعة» لحرب احتلال العراق بعد انتهاء مرحلة القتال. وبينما درس عدد من المسؤولين الحكوميين الاوضاع المحتملة التي قد تعقب الانتصار الأميركي، لم يقدم أي شخص وثيقة حقيقية تطرح استراتيجية تهدف إلى تعزيز الانتصار بعد انتهاء العمليات العسكرية الكبرى.

ومما جاء في ما كتبه ويلسون ضمن بحث قدم في عدد من المؤتمرات الأكاديمية ولم ينشره بعد أنه «بينما قد تكون هناك خطط على المستوى القومي بل وحتى ضمن عدد مختلف من الوكالات ضمن نطاق الحرب، فإنه لم تكن هناك أي خطط تعالج مشكلة ما بعد سقوط النظام (العراقي السابق)... وليس هناك خطة عملية كافية خاصة بعمليات تحقيق الاستقرار وبعمليات الدعم».

ونتيجة للفشل في تقديم خطة واضحة تتعلق بالوضع العراقي الممكن بعد انتهاء العمليات الحربية الكبرى فقدت الولايات المتحدة موقعها المهيمن في العراق في صيف 2003 حسبما يرى ويلسون. فمنذ ذلك الوقت تحاول هي أن تسترجع موقعها. وكتب ويلسون في دراسته «خلال الشهرين أو الثلاثة الأولى التي مثلت المرحلة الانتقالية الملتبسة، بدأت الولايات المتحدة تفقد زخم قوتها ومبادرتها تدريجيا... للتغلب على عدو فاقد التوازن». وأضاف ويلسون «ومنذ ذلك الوقت والقوات الأميركية مع القوات الحليفة لها تسعى للحاق» بمبادرات الخصم.

ولم تقدم سلطات الاحتلال الأميركية «المرحلة الرابعة» لتحقيق الاستقرار في العراق إلا في نوفمبر 2003 أي بعد سبعة أشهر من بدء الحرب كما يقول ويلسون. وتتمثل المرحلة الأولى من الحرب بالتهيؤ للقتال، والمرحلة الثانية تتمثل بالعمليات الأولية، والمرحلة الثالثة تتمثل بالعمليات القتالية نفسها. أما عمليات ما بعد القتال فتسمى المرحلة الرابعة.

وإذا كان الكثير من المسؤولين في الجيش الأميركي لاموا وزير الدفاع دونالد رامسفيلد والمدنيين الكبار داخل البنتاغون على الصعوبات التي برزت بعد احتلال العراق، فإن ويلسون يتحفظ تجاه تلك النظرة ويفضل أن يوجه انتقاداته لآمري الجيش الكبار، مستنتجا أن هؤلاء فشلوا في استيعاب الوضع الاستراتيجي داخل العراق وهذا ما أدى إلى عدم قيامهم بالتخطيط بشكل مناسب لتحقيق انتصار شامل. ويستنتج ويلسون أن أولئك الذين خططوا للحرب كانوا يعانون من «نقص في القدرة على التعلم والتكيف».

وما زال آمرو الجيش غير قادرين على فهم المشكلة الاستراتيجية التي يواجهونها، لذلك فهم ما زالوا ينفذون أسلوبا ذا عيوب كثيرة كما كتب ويلسون الذي يقول «ببساطة، فشل الائتلاف الغربي في تحقيق «عملية تحرير العراق إلى نهايتها وهو مستمر في فشله». وبصورة عامة اعتبر ويلسون الأداء العسكري الأميركي في العراق «متواضعا».

وتصل دراسة ويلسون إلى حد توجيه التهمة الى المستوى التعليمي والأدائي لمسؤولين كبار كانوا طرفا في تنفيذ الحرب. «كان تصور مخططي الحرب الأميركيين والمنفذين لها والقيادة المدنية المسؤولة عن الحرب ضيقا جدا» قياسا بما هي عليه على أرض الواقع وظلوا يميلون إلى التفكير بالعمليات العسكرية بعد الغزو وكأنها «مسؤولية طرف آخر غيرهم». لكن ويلسون قال أيضا إن العمليات الأخيرة التي جرت كانت أساسية لأنه كان من اللازم تحقيق الانتصار في الحرب بدلا من استئصال نظام صدام حسين فقط.

الكابتن في سلاح الجو كريس كارنس المتحدث باسم القيادة الأميركية الوسطى التي أشرفت على التخطيط للحرب قال إن «هناك خطة رسمية للمرحلة الرابعة من الحرب»، لكنه قال إنه غير قادر على شرح كيف وصل ويلسون إلى استنتاجات مغايرة.

وكتب الجنرال تومي فرانكس الذي، بصفته رئيسا للقيادة الوسطى في الشرق الأوسط، قاد عمليات التخطيط للحرب في عامي 2002 و2003 في مذكراته التي صدرت قبل فترة قصيرة تحت اسم «جندي أميركي»، إنه خلال التخطيط لغزو العراق ظلت عمليات تحقيق الاستقرار التي تمثلها المرحلة الرابعة من الحرب كانت موضع نقاش. «واستغرق النقاش حول الاحتلال ساعات وأياما من النقاش والحوار بين مخططي لجنة القيادة الوسطى ومسؤولي واشنطن». وأضاف فرانكس في كتابه «كنت واثقا تماما بخطة المرحلة الرابعة».

لكن ويلسون يقول إنه لا ينوي نشر دراسته، وهذا يعود بشكل جزئي إلى أنه يتوقع مواجهة بعض الصعوبات في الحصول على موافقة الجيش بذلك، إلا أنه لا يعارض فكرة أن يكتب حولها. وأضاف في اتصال هاتفي أجرته معه «واشنطن بوست» قائلا «أظن أن هذا البحث يجب أن يصل للجمهور كي يكون موضع نقاش. هناك شيء ما يمكننا إصلاحه من حيث التخطيط للعمليات العسكرية».

وفي تحليله للعمليات العسكرية في شمال العراق خلال عام 2003 وجه نقدا لطريقة تعامل إدارة بوش للملف العراقي من حيث عدد القوات الأميركية الموجودة هناك. وقال «ندرة توفر قوة محاربة... تعقد بشكل كبير الوضع هناك».

ويؤكد ويلسون في دراسته أن غياب عدد كاف من الوحدات العسكرية كان نتيجة لمشكلة أكبر وأبكر تتمثل في الفشل بفهم أن الانتصار العسكري في العراق لا يتحدد فقط بإزاحة صدام حسين عن السلطة «هذا التصور المبسط للحرب آل إلى تضئيل منتظم للجهود الحربية: وحدات قليلة جدا وتعاون قليل جدا مع المدنيين والوكالات الحكومية وغير الحكوميــة... ووقــت قصـير جدا مخصــص لتحقــيق النجاح».