دحلان لـ«الشرق الاوسط»: لم يصطحبني عرفات إلى باريس ليتقي شري

وزير شؤون الأمن الفلسطيني السابق: إسرائيل «طحنت» الشرطة والسلطة أعجبها ذلك

TT

وصف وزير شؤون الأمن الفلسطيني السابق العقيد محمد دحلان وضع حركة «فتح»، بالمأساوي، مشيرا الى عدم وجود برامج او أسس يتم على اساسها اختيار الكوادر، لافتا الى ان العشرات دخلوا المجلس الثوري «حسب الأمزجة في غياب المعايير أو الكفاءات. وقال إنه عضو في المجلس الثوري لحركة فتح، إلا انه ليس لديه أي دور.

ورفض دحلان في حوار مع «الشرق الأوسط»، ما يردده البعض من ان اصطحاب الرئيس عرفات له في رحلته الأخيرة للعلاج في فرنسا «حتى يتقي شره» او خوفا من ان يستغل فترة غيابه في إثارة الفتن والأزمات في الشارع الفلسطيني. وقال «هذه مقولة تؤكد حجم التعبئة الخاطئة، التي كانت بعض الجهات الفلسطينية تغذيها»، مؤكدا انه كان الأكثر التزاما والأكثر عقلانية ومساهمة في إنجاح عملية النقل الهادئ والسلس للسلطة.

واعتبر مسألة الخلاف مع خصمه العميد جبريل الرجوب «ولت بجراحها»، وقال «لم تعد لدي عقد تجاه الآخرين او مواقف شخصية»، داعيا ان يكون هذا درسا في عدم إثارة الخلافات او بحثها الا من خلال أطر المؤسسات والحركة والسلطة فقط.

وشدد دحلان على رفضه العودة للعمل في المجال الأمني، وقال «لن اعود للأمن»، مؤكدا ان اسرائيل «طحنت» الشرطة الفلسطينية وان «السلطة اعجبها ذلك». وأعرب عن تشاؤمه من حدوث انفراج في المفاوضات مع رئيس الحكومة ارييل شارون، وقال «لا ارى أي أمل في التوصل الى سلام في ظل حكومته».

وهذا نص الحوار:

* هل تعتقد ان الانتخابات في حركة «فتح» ستتمكن من إجراء عملية تصحيح تتوافق مع المطالب التي كنت تدعو لها؟

ـ انتخابات حركة «فتح» هي الأهم لإعادة صياغة الحركة على أسس صحيحة، تتم فيها معالجة أخطاء وتجاوزات الماضي، وبناء جسور لمستقبل الأجيال القادمة، فهناك فراغ قيادي هائل في الحركة والقيادة الحالية انتخبت منذ سنوات طويلة، ولذلك فالجيل الشاب ليس له مكان حقيقي، وليس له دور في اتخاذ القرار، وبذلك يجب إعادة الاعتبار للمؤسسة وليس للأفراد، ونريد ان يتحقق ذلك الآن ومن خلال الانتخابات وقد تقرر في اجتماع المجلس الثوري الأخير لفتح عقد انتخابات وعقد مؤتمر للحركة. وللعلم رغم عضويتي في المجلس الثوري، الا أن ذلك لا يعني الكثير، فلا يوجد دور او أهمية لعضو المجلس الثوري او حتى لعضو اللجنة المركزية، فالأدوار والأهمية تخضع للامزجة، وهذا لم يعد مقبولا. باختصار شديد أتوقع ان تفرز الانتخابات خليطا من الاجيال ومن التجارب ومن الكفاءات، بحيث تنتج وحدة لهذه الحركة يمكنها تحمل مسؤوليات المرحلة القادمة.

* وهل مؤتمر الحركة سيعالج هذه التجاوزات؟

ـ مؤتمر الحركة سيعالج كافة التجاوزات، وعلى رأسها مشاركة فلسطينيي الداخل. وأنا ليست لدي حساسية في طرح هذه القضية، لأنني كنت في الداخل وخرجت، فأنا محسوب علي الطرفين، لكن بعض الكوادر يستخدمون هذه المسألة كذريعة للبحث عن مواقع شخصية، ولذلك لا يوجد عضو لجنة مركزية من فلسطينيي الداخل.. هل هذا معقول؟ رغم ان القانون ينص على ان ثلث أعضاء اللجنة المركزية، يجب ان يكونوا من الداخل، وهناك إدراك لأهمية هذه المسألة التي ستعالج قطعا من خلال الانتخابات وليس التعيين. ومؤتمر حركة «فتح»سيعالج لوضعها المأساوي، حيث لا توجد برامج ولا يوجد تنظيم او اسس يتم بناء عليها اختيار الكوادر، بالإضافة لوجود أجيال غير ممثلة بالحركة، فهناك جيل الانتفاضة الاولى وجيل عملية السلام، وجيل الانتفاضة الثانية كل هؤلاء غير ممثلين وللأسف بعض الكوادر يعتبرون ان هؤلاء غير مهمين، وتمثيلهم ليس أمرا ضروريا، لكنني اعتبر ان وجود هؤلاء في الحركة اهم من وجودي ومن وجود زملاء آخرين لي دورهم في الميدان.

* ألا ترى ان عقد «مؤتمر الحركة في أغسطس (آب) القادم، سيكون متأخرا في ظل الظروف والمتغيرات الحالية؟

ـ لا. ليس هناك تأخير على الإطلاق، وبالعكس الوقت ملائم جدا، لأن المؤتمر لم يعقد منذ خمسة عشرعاما، وكان على أسس قديمة وقوانين وضعت في الستينيات. وهناك حاجة الى التغيير في القوانين والى إجراء بعض التعديلات، والى انتخابات ميدانية، وهذا يتطلب عقد ورشة مكونة ليل نهار، تبدأ بخطى واضحة وثابتة، كي نضمن نجاح المؤتمر في أن يعيد للحركة وحدتها وقوتها.

* لكنك اتهمت من قبل البعض بأنك تقف وراء الكثير من مظاهر الفوضى في حركة «فتح»، وأن لك مصلحة خاصة في ذلك؟

ـ أنا لا أنكر ان لي موقفا، ولي مطالب سبق وأعلنتها، هي ليست أمورا شخصية على الإطلاق، فأنا من الأوائل الذين دعوا الي ضرورة عقد مؤتمر للحركة، وأيضا من الأوائل الذين طالبوا بعقد انتخابات، وناديت بديمقرطية السلطة والحركة، واعطاء الكفاءات للأفضلية، لكنني لم اخرج إنسانا واحدا عن أصول الحركة او الأصول القانونية والأدبية. فلننظر ماذا جرى خلال محنة مرض الرئيس عرفات، اعتقد ان الجميع يعترف لي أنني كنت الأكثر التزاما والأكثر عقلانية، والأكثر مساهمة في إنجاح مسألة النقل الهادئ والسلس للسلطة.

* هل تعني انه كان بإمكانك عرقلة عملية نقل السلطات بشكل طبيعي، من خلال إرباك الساحة الفلسطينية، لكنك لم تفعل؟

ـ بغض النظر عن اي شيء فإن تربيتي لا تدفعني لذلك، وطبيعة فهمي السياسي لا تسمح لي بذلك أيضا، ثم إنني لا أحمّل أحدا جميلا، لأن خيار الوحدة فقط هو الذي كان متاحا، ثم ان الاخوة في المجلس الثوري والمجلس المركزي، يسيرون في اتجاه تحقيق كافة مطالبي والتي اعتبرها عادلة.

* أشيع في الأوساط الفلسطينية أن الرئيس الراحل عرفات اصطحبك معه في رحلته إلى باريس ليتقي شرك، أو بمعنى آخر ليأمن جانبك، حتى لا تستغل فترة غيابه وتقوم بأي عمل تحريضي، قد يحدث أزمة في الشارع الفلسطيني! ما حقيقة ذلك؟

ـ هذه المقولة تؤكد حجم التعبئة الخاطئة، التي كانت بعض الجهات الفلسطينية تغذيها، بالنسبة لي أنا فهمتها من الرئيس (رحمه الله) من باب النكتة، وليس من باب النميمة، ولكن أن تترجم من الذين حوله بمعنى آخر، فهذا لا يعنيني، وبالفعل الرئيس عرفات شرفني في أن يصطحبني معه، وبالمناسبة المرة الأولى التي ابتسم فيها واختلف مزاجه المرضي حين جلست معه، وهذا ما قاله لي الاخوة الذين حوله وزوجته أيضا. ورغم أن الرحلة كانت مأساوية وصعبة، فقد كنت سعيدا ومرتاحا نفسيا للحوار، والضحك اللذين حدثا في هذه الجلسة، وفي الرحلة لم أقم بأي مهام سوى التضامن مع الرئيس، والوقوف إلى جانبه في مرضه، وعندما وجدت أن هناك خطرا حقيقيا يحيق بحياته، وأن الأمر وصل الى نقطة اللاعودة، ويستوجب وجود القيادة الفلسطينية إلى جانبه، عدت مسرعا لأضعهم في الصورة، حتى لا يسجل كلامي عبر الهواتف من قبل إسرائيل، ويذاع في لحظة حرجة، ولقد كان الأخ «أبو مازن» مقتنعا بالذهاب إليه، بغض النظر عن مواقف أي طرف، فالقيادة الفلسطينية يجب أن تتابع وضع الرئيس عن قرب، وتتحمل مسؤولياتها.

* ما صحة ما يردده البعض من انه تجري حاليا تسوية الخلافات، التي كانت بينك وبين العميد جبريل الرجوب؟

ـ هذه المرحلة ذهبت بجراحها، ولم تعد لدي عقد تجاه الآخرين، أو مواقف شخصية، رغم أن كثيرا من الناس خونوني أنا والاخ «أبو مازن»، عبر وسائل الإعلام، لكن مرض الرئيس عرفات ازال كافة هذه الحساسيات، ثم رحيله وتركه للساحة اجبرنا على بلع خلافاتنا وجروحنا الشخصية، لكن أيضا يجب أن يكون هذا درسا، فمسألة أن تخون زميلا لك ليس بالامر البسيط. هذا المنهج توقف ويجب ألا يعود فإثارة الخلافات وبحثها لا يكون إلا في إطار مؤسسات الحركة والسلطة.

* يتهمك البعض بأنك ساهمت في الانفلات الأمني وفي الفوضى في الشارع الفلسطيني، خاصة خلال عملك رئيسا لجهاز الأمن الوقائي في غزة؟

ـ هذه الأمور وهمية لقد عملت في المؤسسة الامنية وتركتها و«أبو عمار»، هو الذي شكل كل مسمار في المؤسسة، وهذه الفوضى تدركها القيادة وهي السبب الرئيسي في خلافاتنا. أنا لا أتخلى عن أي مسؤولية فلست منزها، لكني مقتنع بأنني بذلت الجهد الكافي واعطيت الكثير من وقتي لعملي، فأنا تحملت مسئولياتي بجدية عالية، وبالتأكيد كانت هناك انجازات، كما كان هناك اخفاقات لكن النظام السياسي الفلسطيني كان قائما على فكرة الفوضى، وإسرائيل طحنت الشرطة والسلطة اعجبها ذلك.

* لكنك أنت الذي كونت «فرقة الموت»، التي كانت لها آثار سلبية للغاية، ولذلك جرى حلها مؤخرا، وهذا الأمر يعتبره الكثيرون مأخذا عليك؟

ـ ليس هناك شيء اسمه «فرقة الموت»، لكن صديقي الشهيد الدكتور عبد العزيز الرنتيسي، رحمه الله، هو الذي اطلق هذا اللقب على دائرة أمنية تابعة لجهاز الأمن الوقائي، ويعمل رشيد أبو شباك حاليا على إعادة استيعاب افرادها، ليكونوا اعضاء فاعلين في المؤسسة ولضمان السيطرة على الوضع الامني، وادعو الجميع على أن يسيروا على هذا النهج، وأن يعودوا إلى مواقع عملهم بحيث يكون الانضباط نموذجا، فقبل أن ندعو الفصائل الأخرى مثل «حماس» و«الجهاد» وغيرها إلى تنظيم انفسها يجب على المؤسسة الأمنية والسلطة أولا أن تنظم نفسها.

* هل ستتسلم مهام أمنية في غزة عقب الانسحاب الاسرئيلي منها؟

ـ أنا لن أعود للأمن، وما أستطيع أن أجزم به، أنني لا اريد أن أعمل في المجال الأمني، سواء وزيرا أو غفيرا، السبب بسيط هو أنني كنت اعتبر أن عملي في المجال الأمني واجبا علي، وتضحية مني، وكنت دوما اقول لزملائي إن هذه المصيبة اتحملها من اجل التخفيف عنكم وعن السلطة، ولكن الآخرين كانوا يعتقدون أن هذا المنصب هدف بالنسبة لي. باختصار لست مجبرا على تكرار ما حدث، ويكفيني ما تعرضت له خلال عملي وزيرا للداخلية في حكومة «أبو مازن» منذ عامين، هذا الأمر جلب لي المتاعب والجدل، فليأخذ أحد غيري هذا الامتياز (إذا اعتبره البعض امتيازا) وأنا مسامح فيه.

* هل تتوقع مرونة من الادارة الأميركية، خاصة أن الرئيس الأميركي بوش ابدى استعداده لدعم الفلسطينيين والانتخابات في ظل القيادة الجديدة؟

ـ نريد من الرئيس بوش أن يدفع شارون باتجاه الالتزام بالعملية السلمية وباتجاه تنفيذ قراري مجلس الأمن 242، 318 وان يدفعه باتجاه تنفيذ خريطة الطريق التي تحدث فيها عن إقامة الدولة الفلسطينة في عام 2005، لكننا لم نر حتى الآن أي شيء جدي من الادارة الأميركية، والحقيقة لا أرى أي أمل في التوصل لاتفاق مع شارون حول القضية الفلسطينية، ولقد قلت ذلك في اليوم الذي نجح فيه في انتخابات رئاسة الحكومة الإسرائيلية، وها أنا أقوله اليوم أيضا.